من الجمعية العامة لمجلس الكنائس العالمي في ألمانيا
جوي كندي: أنا كجدّة أحذّر، التغيّر المناخيّ خطر على أولادنا وأحفادنا
موسم الخليقة أمل كبير وعلى الكنائس أن تعمل من أجل العدالة المناخيّة
قبل COP 27 في مصر وCOP 28 في دبي وعود كثيرة ما زلنا بانتظار تحقيقها
أوغيت سلامة، كارسلوه ألمانيا
في خضمّ بحر من الأزمات الإجتماعيّة والمعيشيّة والصحيّة والأمنيّة... الّتي يعاني منها العالم اليوم، تتّخذ القضيّة البيئيّة والتغيّر المناخي أولويّة المشهد العالميّ مُهدّدة حياة الإنسان ومستقبله. من هنا بات ضروريًّا الإستماع إلى الفئات الأكثر عوزًا وضعفًا ومرافقتها في هذه المحنة البيئيّة العالميّة. لذا تسعى الأمم المتّحدة عبر مختلف برامجها والشراكات العالميّة إلى العمل من أجل العدالة المناخيّة نحو مستقبل أفضل.
أمّا الكنيسة الّتي تحتفل بـ"موسم الخليقة" مؤكّدة على أهميّة الحفاظ على بيتنا المشترك، فلها أيضًا دور كبير في رفع الصّوت عاليًا والقيام بخطوات عمليّة تحمي أبنائها من مخاطر التغيّر المناخيّ. مجلس الكنائس العالميّ اتّخذ على عاتقه العمل في سبيل تحقيق العدالة المناخيّة. لذا تُعتبر العناية بالخليقة من صلب أولويّاته، انطلاقًا من تعاليم الكتاب المقدّس حول كمال الخليقة ودعوتنا إلى الإعتناء بجنّة عدن (تكوين 2:15). إله الكتاب المقدّس هو إله العدل الّذي يحمي ويحبّ ويهتمّ بأضعف مخلوقاته.
خصّصت الجمعيّة العامة الـ11 لمجلس الكنائس العالميّ المنعقدة في كارسلوه، ألمانيا، بين 31 آب/ أغسطس و8 أيلول/ سبتمبر 2022، تحت شعار "محبّة المسيح تدفع العالم إلى المصالحة والوحدة"، جلسات وأنشطة مختلفة خاصّة بقضيّة البيئة والتغيّر المناخيّ.
جوي كندي، الناشطة البيئيّة ومنسّقة مجموعة العمل الخاصّة بقضيّة التغيّر المناخيّ في مجلس الكنائس العالميّ كانت من الوجوه البارزة الّتي تحدّثت عن أهميّة الإعتناء بالخليقة وخطورة التغيّر المناخيّ. وفي مقابلة خاصّة مع دائرة التواصل والعلاقات العامة في مجلس كنائس الشرق الأوسط الّتي تشارك في فعاليّات الجمعيّة العامة في كارسلوه، دقّت كندي جرس الإنذار وأكّدت أنّه حان الوقت للعمل معًا ككنائس ومنظّمات لمواجهة التهديد المناخيّ والحفاظ على أرضنا.
في الجلسة الخاصة اليوم لرفع الصوت من منبر هذه الجمعية لم تعرفي عن نفسك كناشطة بيئيّة بل كجدة قلقة على مستقبل أحفادها، عرفينا أكثر عنك وكيف بدأت إهتماماتك بقضايا البيئة.
أنا من مدينة تورونتو الكنديّة، وأعمل مع الكنائس منذ عقود عدّة. أهتمّ بشكل كبير بالقضايا المناخيّة الطارئة وبالتحديد أزمة التغيّر المناخيّ. وبما أنّني جدّة، أشعر بقلق إزاء ما يشهده جيل الشّباب وما سيعيشه الّذين لم يولدوا بعد، لأنّهم سيرثون عالمًا غير صالح للسكن. لذا يدفعني إيماني بأن أكون ناشطة وأرفع الصّوت عاليًا من أجل مساعدة الناس وتحفيزهم على ضرورة تحقيق التغيير المطلوب لأنّه حان الوقت اليوم للعمل الجدّي.
كما أتولّى مسؤوليّة أخرى وهي منسّقة مجموعة العمل التابعة لمجلس الكنائس العالميّ الخاصّة بقضيّة التغيّر المناخيّ. وتعمل هذه المجموعة عن كثب مع المجموعة المركزيّة الخاصّة بالشّعوب الأصليّة. لقد قمنا بإعداد تقرير مشترك كي يُرفع إلى الجمعيّة العامة، لا سيّما وأنّ القضايا المناخيّة دقيقة ومتّصلة بكلّ جوانب العالم. من هنا بات ضروريًّا فهم علاقتنا مع الأرض الأمّ، ومع الله وخليقته وبعضنا، وبالتّالي حان الوقت لتحقيق التغيير المطلوب.
وأنت من مؤسسي اللّجنة العالميّة لـ"موسم الخليقة"!
يسعى "موسم الخليقة" بشكل كبير إلى تحقيق الأهداف المرجوّة منه اليوم. منذ أعوام عدّة، بدأنا عبر العمل الخاصّ بالتغيّر المناخيّ التشديد على حاجة الكنائس إلى الإضاءة على أهميّة القضيّة البيئيّة والمناخيّة. وبالتّالي تحفيزها على العمل وتنفيذ أنشطة تساعد الناس على فهم أهميّة الإحتكاك مع أرضهم وطبيعتهم. وبعد فترة، أسّسنا فريق عمل في مجلس الكنائس العالميّ يتولّى إدارة الأعمال البيئيّة الضروريّة لتحقيق الأهداف المرجوّة... شيئًا فشيئًا استطعنا الوصول إلى ما نحن عليه اليوم.
من جهّة أخرى، دعا البابا فرنسيس أبناء الكنيسة الكاثوليكيّة إلى الإنضمام إلى "موسم الخليقة" عبر وثيقته "كُنْ مُسَبَّحًا". علمًا أنّ الكنيسة الأرثوذكسيّة كانت قد انخرطت في العالم البيئيّ سابقًا. أمّا اليوم، فيُحتفل بـ"موسم الخليقة" بشكل أكبر في مختلف أنحاء العالم، وأيضًا بمشاركة أشخاص من خارج إطار الكنيسة.
يبدأ "موسم الخليقة" في 1 أيلول/ سبتمبر وينتهي في 4 تشرين الأوّل/ أكتوبر مع عيد القدّيس فرنسيس الأسّيزي. أصبح اليوم موسمًا حقيقيًّا بكلّ ما للكلمة من معنى. في كندا مثلًا، تمّ تصميم مجموعة أزياء خاصّة بـ"موسم الخليقة"... كلّ جماعة حول العالم، في رعاياها ومجتمعاتها، تحتفل بالموسم على طريقتها الخاصّة عبر أنشطة مختلفة تجسّد علاقتها مع الأرض...
من خلال تقييمك الخاص ما هي أبرز المخاطر الّتي تتهدّد البيئة اليوم؟ وكيف يمكننا الحدّ من تداعياتها وإيجاد حلول مجدية؟
بالطبع يشكّل التغيّر المناخيّ القضيّة الأخطر والأكثر تهديدًا في عالمنا اليوم. وبسبب تداعياته الكارثيّة، من المتوقّع أن ترتفع نسبة الوفيات وحتّى حدّ الجوع والمجاعة. في الواقع، يظهر خطر التغيّر المناخيّ بشكل كبير في الدول الصناعيّة مثل بلدي كندا. وذلك أيضًا بسبب حرق الوقود الأحفوري واعتماد الغاز النفطيّ... علينا العمل للحدّ من استخدام هذه الموادّ، لأنّ العالم سيفقد في غضون سنوات مساحاته الصّالحة للعيش بأمان.
لذا يمكننا القيام بخطوات مختلفة، منها الضغط على الحكومات من قبل الناس ومجموعات العمل المعنيّة بالتغيّر المناخيّ، المشاركة في فعاليّات مؤتمرات COP، العمل مع الحكومات، الإصرار على تغيير السياسات وتطوير البرامج في سبيل التغيير المطلوب، والحدّ من استخدام الوقود الأحفوريّ... كلّ ذلك بشكل عادل نحو الإنتقال إلى استخدام أنظمة الطاقة المتجدّدة.
هذا عدا عن أنّ التمويل ضروريّ خصوصًا في الدول الّتي لم تكن مسؤولة في استخدامها للوقود والغاز. في الواقع، نحن بحاجة إلى استثمارات مناخيّة كبيرة، ومساعدات كثيرة، ودعم ماديّ إضافيّ لتعويض الأضرار والخسائر الفادحة. الّا أنّ بعض الدول باتت عاجزة عن الإستجابة اقتصاديًّا. لدينا النيّة في مساعدة بعضنا لكن الحاجة الأساس اليوم تكمن في الدعم الماديّ... علمًا أنّ بعض الدول الأكثر ضعفًا وفقرًا تعاني من ارتفاع في نسبة الوفيات بسبب تداعيات جائحة كورونا والتغيّر المناخيّ. لا بدّ إذًا من أن تقوم الحكومات بمسؤوليّاتها لا سيّما الماديّة منها من أجل تحقيق الأهداف المرجوّة.
إلى جانب الحلول العمليّة هذه قد تكون المبادرات الفرديّة مهمّة أيضًا الّا أنّها لن تتمكّن من تحقيق التغيير المطلوب. لدينا الكثير من الطرق والفرص لتطوير الأنظمة، فنحن بحاجة إلى تعزيز علاقة سليمة مع الأرض حول العالم.
ما هي الإستعدادات الجارية لمؤتمري COP27 في مصر و28 في دبي؟
لدينا آمال كبيرة بهذين المؤتمرين. نعمل بشكل كبير في الأمم المتّحدة من أجل الإستجابة المشتركة بين الأديان في قضيّة التغيّر المناخيّ. نعمل معًا من أجل استعادة الثقة والأنظمة الأساسيّة المشتركة. لكن ما زلنا بحاجة إلى الإنتهاء من مهام عدّة في سبيل الوصول إلى مؤتمري COP في مصر ودبي. هذا وأنّنا لم نحصل بعد على الموافقة لتنفيذ اتّفاقيّة باريس بسبب أمور صغيرة تحتاج إلى حلحلة... كما أنّه لم يتمّ بعد معالجة مسألة الخسائر والأضرار الناجمة عن التغيّر المناخيّ. لقد حصلنا على وعود كثيرة لكن ما زلنا بانتظار تحقيقها.
ما نريده هو أن يدرك الناس أنّنا لم نفقد الأمل ونحن نؤمن بالمستقبل وبالتّالي نسعى إلى تحقيق التغيير المرجوّ، خصوصًا وأنّ الخطوات المطلوبة ما زالت كبيرة. وتجدر الإشارة إلى أنّ التقارير الأخيرة الصّادرة عن الهيئة الحكوميّة الدوليّة المعنيّة بتغيّر المناخ، تضمّ وللمرّة الأولى، معطيات علميّة جديدة... يمكننا أن نكون حاضرين في مؤتمرات وجلسات حواريّة كثيرة لكن الأهمّ أن تقوم الحكومات بمسؤوليّاتها وترفع الصّوت عاليًا من أجل العدالة المناخيّة.
كيف يمكننا العمل معًا ككنائس من أجل التأثير على أصحاب القرار؟
بدايةً علينا تحديد المعطيات والمعلومات الّتي نرغب بإيصالها. نؤكّد في الجمعيّة العامة لمجلس الكنائس العالميّ أنّنا نجتمع بصوت مشترك، وعبر سياسة مشتركة، وأولويّات مشتركة أيضًا، لنرفع بالتّالي توصياتنا إلى الحكومات. تقع على الكنائس مسؤوليّة العمل الفعليّ، فقد حان الوقت كي تسعى إلى تحقيق العدالة، وبالتّالي الوصول إلى السّلام المرجوّ. تجسّد هذه المؤتمرات روح المصالحة والوحدة في محبّة المسيح لكن علينا أن نتشارك بشكل أكبر في هذه المصالحة.
يمكننا فهم الوحدة من خلال اكتشاف الأزمات الّتي نعاني منها جميعنا حول العالم. علينا إذًا التأكيد على أنّنا نعيش جميعًا في قارب واحد وبالتّالي علينا الإستماع إلى الفئات الأكثر ضعفًا... تكمن دعوتنا في أن نكون كنيسة واحدة عالميّة، والعمل معًا من أجل تحقيق الأفضل...
وختمت كندي مؤكدة على ضرورة التمسّك بالأمل، قالت "علينا استثمار طاقاتنا وليس طاقات الوقود الأحفوريّ... أمّا موسم الخليقة فيخلق الكثير من الطاقات حوله. إنّه موسم يدفعنا إلى التفاعل والتواصل معًا... إنّه أمل كبير...". وأضافت "ما زلنا نلمس بعض المخاوف واليأس إزاء المستقبل. علينا إذًا العمل من أجل زرع الأمل، الأمل الحقيقيّ. وذلك عبر مبادرات مختلفة مثل التظاهرة الّتي قام بها الشّباب هنا في ألمانيا مطالبين بالعدالة المناخيّة... التغيير والتجديد يبدأن بالعمل الجدّي والفعليّ...".
دائرة التواصل والعلاقات العامة