عقب زلزال الرّابع من آب

مجلس كنائس الشرق الأوسط يسهم في إعادة الحياة إلى استثمارات صغيرة متضرّرة

بيروت مدينة "منكوبة" هذا ما أعلنه مجلس الدفاع الأعلى اللّبنانيّ في اليوم التالي على كارثة مرفأ بيروت في 4 آب/ أغسطس 2020. بالفعل بيروت كانت تصرخ وجعًا طالبةً النجدة وعلى مختلف الصّعد الإنسانيّة والماديّة والمعنويّة... حال طوارئ في البلاد، جمعيّات ومنظّمات كثيرة هبّت لإنقاذ أبناء العاصمة الجريحة الّذين خسروا أحبابهم وكلّ ما يملكونه بلحظات.


بدوره مجلس كنائس الشرق الأوسط أسرع لبلسمة جراح البيروتيّين عبر إطلاق ندائين إغاثيين والعمل الميدانيّ في أحياء العاصمة. في الواقع تضمّنت مهام دائرة الخدمة والإغاثة - دياكونيا، مكتب بيروت، في المجلس، مساعدات مختلفة من توزيع حصص غذائيّة، وأدوات نظافة، ومستلزمات نظافة شخصيّة، إضافةً إلى فرشات والمستلزمات الخاصّة بها، ناهيك عن مجموعات من الحفاضات، والقسائم الشرائيّة والنقديّة...

كما أطلقت دائرة الدياكونيا برنامج إعادة تأهيل المصالح الصغيرة خصوصًا وأنّ شبح الدمار زار أيضًا الشّركات الصّغيرة في بيروت حيث خسر أصحابها ممتلكاتهم ومحالهم وهم بالكاد يستطيعون تأمين قوتهم اليوميّ. لذا ساهمت دائرة الدياكونيا على مدى العامين الفائتين بدعم 72 مؤسّسة صغيرة عبر تنفيذ أعمال صيانة وتأهيل وتجديد لإعادة الحياة إليها وتمكين أصحابها من استعادة أعمالهم ومصادر دخلهم.

في المقابل ما زالت الدائرة تعمل حتّى اليوم على تأمين وتقديم الأدوات والمستلزمات الضروريّة إلى هذه الشّركات الصّغيرة لتسهيل سير العمل فيها. أمّا المصالح الّتي شملها البرنامج فهي صالونات تصفيف الشّعر للسيّدات والرّجال، صالونات التجميل، المصابغ، محال الميكانيك، والخياطة، وبيع الأيقونات، والبياضات، والخدمات الهاتفيّة، والمحال التجاريّة المتنوّعة، إضافةً إلى مساعدة السبّاكين والكهربائيّين، والنجّارين، وسائقي سيّارات الأجرة.

 

تحمل هذه الشّركات الصّغيرة روايات كثيرة... قصص أليمة نابعة من قلوب مشلّعة لم تُشفَ حتّى اليوم. أصحاب هذه الشّركات كان لهم أحلامًا كثيرة وهم يتوقون للعيش بسلام وأمان. إلّا أنّ كارثة 4 آب دمّرت كلّ آمالهم وأحلامهم. بعد عامين على هذه الفاجعة نتشارك معكم بعض هذه القصص الّتي قد تبثّ أملًا متجدّدًا.

 

عدم الإستسلام

جاك سيبيليان 31 عامًا متأهّل ولديه ولدين. جاك صاحب ناد رياضي ومدرّب، وهو أيضًا إطفائيّ في فوج الإطفاء الّذي خسر 10 من عناصره. يعيش سيبيليان في منطقة برج حمّود الّتي تعاني من فقر شديد وتدهور في البنية التحتيّة، إضافة إلى تفشّي ظاهرة السّرقة وآفة المخدّرات... أمّا أبناء المنطقة فيعانون بدورهم من آلام نفسيّة متواصلة جرّاء الظّروف المعيشيّة العصيبة الّتي يمرّون بها، ما دفع العديد منهم إلى ارتكاب أعمال عنف مختلفة.

في حديث معه، روى جاك أنّه كان يحلم بأمنية واحدة وهي أن يملك ناد رياضيّ يتسطيع أن يحضن أطفال الشّارع ويحميهم من خطر المخدّرات. لذا "اشتغلت وظيفتين، رجل إطفاء ومدرّب فنون قتاليّة، لجمّع مصاري وإقدر إفتح النادي. وهيك صار من بعد تعب وجهد كتير وعلى الرّغم من الظّروف الإقتصاديّة الصّعبة".

الّا أنّ إنفجار بيروت دمّر حلم جاك حيث لحق بناديه أضرارًا جسيمة. أضاف "كنت مستعدّ إستسلم خصوصي أنّو كتار من المنظّمات رفضوا يساعدوني، حتّى صاحب الأرض ما قبل يعمل التصليحات الضروريّة". لكن تأثّر جاك بأحد طلّابه الّذي دعاه إلى عدم الإستسلام وعدم التخلّي عن طموحاته. لذا حاول سيبيليان أن يستعيد عزيمته لإنقاذ حلمه إلى حين تمكّن مجلس كنائس الشرق الأوسط والمنظّمة البولنديّة Domus Orientalis من مساعدته. من هنا تمكّن جاك من استعادة ناديه الرياضيّ لا سيّما بعد حصوله من مجلس كنائس الشرق الأوسط على معدّات رياضية جديدة.

 

الإيمان المتجدّد باللّه

كلود أبي عبد اللّه 63 عامًا هي أمّ لولدين متأهّلين. تملك كلود محلًا تجاريًّا في منطقة الأشرفيّة، حيث يشكّل مصدر دخل لها ولعائلتها، من خلال بيع الأدوات والمستلزمات الّتي لا يزيد سرها عن الدولار الواحد، ناهيك عن حسن استقبالها وابتسامتها الّتي لا تفارق وجهها.

لكن كلّ المشهد تغيّر في 4 آب حيث لحق بمحلها أضرارًا عدّة بعدما تحطّمت الواجهة الزجاجيّة بشكل كامل. تروي كلود لحظات الرعب الأولى "كنت عم بشتغل بالجزء الأخير من المحل. عجيبة أنّو ما كنت بوجّ الواجهة. لولا الإنجيل لي كنت حاطتو على المدخل وإيد اللّه كنت تشقّفت لأشلاء".

صحيح أنّ كلود نجت من الموت لكنّها عانت من جروح نفسيّة ومشاكل عدّة. كيف ستستعيد مصدر دخلها؟ لا سيّما وأنّ زوجها عاطل عن العمل وهو أصلًا لا يستطيع أن يقوم بأي مهام بسبب مشاكل صحيّة وعمليّات جراحيّة كان قد خضع لها. هذا عدا عن أنّ منزلها تضرّر بشكل هائل ما دفعها وزوجها إلى الإنتقال إلى بيت إحدى بناتها.

من جهّته، علم مجلس كنائس الشرق الأوسط بمحنة كلود فدرس وحالتها فأسرع إلى مساعدتها عبر تقديم مولّد كهربائيّ للحدّ من معضلة انقطاع التيار الكهربائيّ، إضافةً إلى بعض البضائع الجديدة لتعويض كلّ ما فقدته. وبعد إعادة الحياة إلى محلها وضعت كلود أيقونة ليسوع المسيح كعلامة على الإيمان المتجدّد بالله.

اللّه دائمًا معنا

كيفورك ميناسيان 38 عامًا يملك محلًا لتصليح السيّارات في منطقة مار مخايل، حيث دمّر عصف الإنفجار الجزء الداخليّ منه ليخسر كلّ المعدّات الضروريّة لخدمة الزبائن ويصبح مهدّدًا بالسرقة. ما زاد الطين بلّة هو أنّ كيفورك بات يعاني من مشاكل ماديّة، خصوصًا بعد تسديده تكاليف باهظة عقب تعرّضه لحادث سير كبير. وبصعوبة كبيرة جرّاء جروحه الجسديّة وإمكاناته المحدودة حاول ميناسيان إعادة الحياة إلى محله، وهو يكاد يستطيع أن يؤمّن الطعام لإبنه ومولوده الجديد.

علم مجلس كنائس الشرق الأوسط بمأساة كيفورك فقيّم حالته وهبّ إلى مساعدته عبر تقديم المعدّات الضروريّة كي يتمكّن من استقبال الزبائن مجدّدًا. يقول "إنفجار بيروت دمّرني نفسيًّا. لولا مساندة المجلس شو كنت رح إقدر أعمل؟ مجلس كنائس الشرق الأوسط خلّاني أؤمن أنّو اللّه دائمًا موجود معنا وبيحمينا".

حياة جديدة

نهى غسان لالا، 47 عامًا هي إحدى المتضرّرات من إنفجار 4 آب. تملك نهى متجرًا لبيع الأيقونات في منطقة الأشرفيّة. استمعنا إلى قصّتها ورافقناها في مهامها الخاصّة مع أحد الزبائن الّذي كان قد طلب أيقونة للقدّيس أغوسطين.

تروي "وقتًا وقع الإنفجار فقدت التوازن وضربت وجّي بالحيط وبلشّ منخاري ينزف. رحت دغري صوب المحلّ ولقيتو نصّو مدمّر. من بعدا لقيت إمّي بالبيت منصابة والخزانة واقعا فوقا، وهيدا لي خلّاها تنشلّ. وخيّي كمان انصاب بس ساعدني لأنقاذ إمنا. أمّا بيّي فلقيتو على الأرض خارج محلّ الحلاقة الخاصّ في ومنصاب بضهرو. بعد كلّ شي صار حسّيت بإكتئاب كتير كبير".

عاود محل نهى العمل بعد مساعدة مجلس كنائس الشرق الأوسط الّذي ساهم في تجديد المتجر وتقديم أيقونات جديدة. قالت "أنا ممنونة كتير على دعم المجلس خصوصي أنّو كان الجهة الوحيدة لي ساعدتني".

 

أخيرًا، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ مجلس كنائس الشرق الأوسط تمكّن خلال العامين الفائتين وبالتعاون مع منظّمات إنسانيّة عالميّة شريكة، من مساعدة 43880 متضرّرًا وذلك بشكل مباشر وعلى مختلف الصّعد ووفق الحاجات الملحّة. علمًا أنّه يواصل حتّى اليوم دعم الفئات الأكثر حاجة ليزرع الأمل في قلوبهم ويعزّز إيمانهم بأنّ إرادة الحياة هي الأقوى.

 

 

دائرة التواصل والعلاقات العامة

Previous
Previous

فلسطين، أولى الندوات، أولى النتائج

Next
Next

عامان على انفجار 4 آب الكارثيّ في بيروت