من شاطئ الرّوشة في بيروت
منظّمات شبابيّة بالتعاون مع مجلس كنائس الشرق الأوسط:
هكذا نبدأ العمل للتغيير من أجل بيئة أفضل
هذا التحقيق متوفّر أيضًا باللّغتين الإنكليزيّة والإسبانيّة.
تحقيق وتصوير ايليا نصراللّه
من قلب بيروت الجريحة ومن على شاطئ صخرة الروشة، أرادوا التغيير وأصرّوا ولو بمبادرات صغيرة على إعادة وجه لبنان الجميل. همّ نبض المجتمع، شّبان وشابات يحرصون على الرغم من الضائقة الإقتصاديّة والمعاناة الإجتماعيّة على العمل من أجل وطن أفضل. نوع التغيّير هذه المرّة مختلف وحتّى منسيّ في وطن كلبنان وفي معظم الشرق الأوسط حيث تعصف الأزمات المستفحلة وتدفع بسكّانه إلى نسيان ضرورة الإهتمام بـ "بيتهم المشترك"، وفي بيئة تصرخ وجعًا، فهل من يسمعها؟
في يوم كاد أن يكون عاديًّا بالنّسبة للّبنانيّين الغارقين في همومهم اليوميّة، بكلّ بساطة أرادت مجموعة من الشّباب تحمّل مسؤوليّتها تجاه البيئة وواجب حمايتها من تعديّات الإنسان، فتوجّهت إلى شاطئ الرّوشة في بيروت متحدّية أشعّة الشّمس الحارقة ومصرّة على تنفيذ المهمّة الإنقاذية.
في التفاصيل، نفّذت حملة تنظيف الشاطئ هذه السّبت الفائت في 18 أيلول/ سبتمبر 2021، برعاية مجلس كنائس الشرق الأوسط وتنظيم منظّمة الشّباب والطّلاب من أجل السّلام، جمعيّة الكشّاف اللّبنانيّ، والكرسيّ الأورشليميّ ولبنان والشّرق الأدنى كنيسة السّيّدة العذراء ومار مرقس الرّسول للأقباط الأرثوذكس في لبنان. أمّا الهدف الأساس فتجسّد في حماية البيئة وتعزيز الوعيّ البيئيّ لدى المشاركين وربّما لكلّ من في المنطقة.
نقف بين المشاركين الشباب بإنتظار صفارة الانطلاق، نلاحظ مدى حماستهم واندفاعهم للعمل معًا في سبيل تحقيق تغيير بيئيّ قد يؤثّر إيجابًا في حياتهم على المدى الطويل.
أصبحت السّاعة الثّامنة والنّصف صباحًا والكلّ بات جاهزًا لخوض المغامرة. بدايةً رحّب الرّئيس الإقليميّ في الشرق الأوسط لفدراليّة الأسرة للسّلام العالميّ والتوحيد (FFWPU)، رابطة الشّباب والطلّاب من أجل السّلام (YSP) السيّد أومبرتو أنجيلوتشي بالمشاركين مثنيًا على أهميّة العمل معًا من أجل السّلام والحفاظ على جمال البيئة.
أعرب أنجيلوتشي عن دهشته بسحر صخرة الرّوشة قائلًا "قد زرت مرّات عدّة هذا المكان المميّز والّذي يُفترض أن يكون رمزًا للسّلام والجمال، ونأتي اليوم للعمل على إنقاذه، فهو لم يعد على حاله ومع مبادرات كالّتي نقوم بها يمكننا بثّ الأمل في كلّ أنحاء البلاد".
في مرحلة أولى إتّجه المشاركون إلى أرض الشّاطئ، أمام صخرة الرّوشة، حيث انقسموا إلى مجموعات مختلفة وبدأوا برنامجهم بلعبة تعارف قد تكون مهمّة لتقريب المسافات في ما بينهم وتحفيزهم على العمل بقلب واحد من أجل نجاح المهام. لكن ما هي أهميّة هذا النّشاط؟ وهل المفهوم البيئيّ واضح لدى الشّباب مقابل كلّ إندفاعهم؟
في حديث مع السيّدة يولا مسعد وزوجها السيّد جونغن بارك، وهما مسؤولان في فدراليّة الأسرة للسّلام العالميّ والتوحيد، شدّدا على أهميّة الحملة بالقول "علينا أن نتعلّم محبّة الطبيعة لنتّحد بالتّالي معها. يفتقد لبنان إلى التربية والعادات البيئيّة ومعظم المواطنين لم يدركوا بعد قيمة البيئة. نجتمع اليوم معًا من منظّمات مختلفة لنتعلّم عبر خطوة جمع النّفايات الحفاظ على البيئة، لنحيّي بالتّالي العادات البيئيّة في مجتمعاتنا".
بأمل تابعا "يشكّل العمل هذا رمزًا لحيويّة بيروت. ما يميّز هذه المبادرة أنّ هدفها الرّئيس يكمن في إعادة الوجه الجميل لهذا الموقع. لذا علينا أن نبذل جهودًا إضافيّة لحماية البيئة الّتي تواجه أزمات مختلفة، آملين أن تعمد المجتمعات أيضًا إلى مواصلة الإهتمام بها".
ما هي إذًا أهميّة مشاركة الشّباب في هذه الحملة؟ أجاب بارك وزوجته "الشّباب مستقبل البلاد، ومن الضرورة أن يفهموا مدى خطورة تلوّث البيئة. من خلال مبادرات كهذه يعملون للعيش ببيئة نظيفة، لا سيّما وأنّه لم يتمّ بعد ترسيخ المفهوم البيئيّ في المجتمعات المشرقيّة".
أمّا عن "موسم الخليقة" الّذي جاء هذا النّشاط البيئيّ في إطار فعاليّاته فإعتبر جونغن ويولا أنّ المشروع "مهمّ جدًّا لا سيّما في الشرق الأوسط حيث نفتقد إلى التربية البيئيّة الموجودة في الدول الأوروبيّة والولايات المتّحدة الأميركيّة مثلًا...علينا إذًا مواصلة العمل ليس فقط في لبنان وإنّما في العالم أجمع حيث تواجه البيئة خطرًا كبيرًا". أضافا "الطبيعة أمّ، هي إمتداد لنا وعلينا أن نراها بمنظار جميل. عندما نهتمّ بها نستطيع التواصل مع الله الخالق ومع أنفسنا".
نجول في أرجاء الشّاطئ ونتأمّل بجمال صخرة الرّوشة في قلب البحر آسفين لما آلت إليه نتيجة بعض الأعمال الإنسانيّة المؤذية. في المشهد المقابل، بارقة أمل تتجسّد في همّة الشّباب ونشاطهم. وُزّعت القفّازات والأكياس للمباشرة بعمليّة التنظيف، وها قد إنتشر الشّباب في كلّ أنحاء المكان، يجمعون النفايات المرميّة ليتمّ نقلها في مرحلة أخيرة إلى حاويات المهملات، من دون أيّ تذمّر.
لم تهدف الحملة إلى تنظيف الشّاطئ فقط وإنّما أيضًا بحسب ما أشارت لنا نائب رئيس إقليم الشرق الأوسط للرّابطة الدوليّة العالميّة للشّباب والطلّاب من أجل السّلام والطبيبة البشريّة سارة عبد المؤمن إلى "التوعية البيئيّة لنا كمشاركين وأيضًا للمواطنين الّذين شهدوا على هذه المبادرة. الشرق الأوسط بحاجة إلى هذه التوعية لا سيّما على صعيد الأسر والمدارس". وتابعت "يخوض الشّباب المشاركون اليوم تجربة إيجابيّة حيث يشعرون بأنّهم يحقّقون إنجازًا قد يحملون منه دروسًا عدّة لعائلاتهم المستقبليّة". وفي إطار الإحتفال بـ"موسم الخليقة" أشارت إلى أنّ "الإهتمام بالبيئة هو جزء من إيماننا لا سيّما وأنّ البيئة هي هديّة من الربّ لنا جميعًا، ومسؤوليّتنا كبشر تكمن في الإعتناء بها، لكن للأسف المفهوم البيئيّ غير واضح اليوم خصوصًا لدى الشّباب. كما أتمنّى أنّ تكون الحملة هذه بداية لأنشطة مستقبليّة".
بدورها شدّدت المسؤولة عن الفرع الأحمر لرائدات الجوّالة في المركز الأساس لجمعيّة الكشّاف اللّبنانيّ في منطقة الحمرا الشّابة منى يمّوت على ضرورة تعزيز التوعية في المجتمعات لا سيّما اللّبنانيّة، قالت "نعمل معًا كشباب من أجل حماية لبنان ومواجهة موجة التلوّث الّتي تشوّه ثروته البيئيّة. وفيما ينشغل المواطنون بمشاكلهم اليوميّة بإمكاننا كشباب أن نبادر بخطوات ولو صغيرة من أجل تحقيق فارق ما".
على الصّعيد الكشفيّ "نقوم بأنشطة بيئيّة متنوّعة كالمشي في المناطق الجبليّة للتعرّف عليها وأيضًا لتنظيف البعض منها بالتنسيق مع البلديّات، إضافةً إلى حملات تشجير الّتي تأخذ وقتًا طويلًا وتتطلّب تنظيمًا أكبر..." علمًا أنّ الكشّاف صديق للبيئة ويحبّ الطبيعة.
تحمل الحملة أيضًا معانٍ روحيّة قد تحفّز المؤمنين على حماية "بيتهم المشترك". من هنا، لفتت المسؤولة عن الفرق الشّبابيّة في كنيسة الأقباط الأرثوذكس في لبنان الشّابة مريم شحاده وهي مصريّة الأصل إلى أنّ الحملة هذه "تدفعنا إلى الإدراك أنّ الله قدّم لنا نِعمًا كثيرة لكنّنا لا نهتمّ بها، فعلينا إذًا ألّا ننسى النِعَم الجميلة الّتي منحها لنا، وبالتّالي من واجبنا الحفاظ عليها وحمايتها".
وبأسف أضافت "أنّنا نشكّل جزءًا من أسباب تلوّث البيئة لأنّنا في بعض الأحيان نتكاسل في تعاطينا مع البيئة. لذا تدفع الحملة الشّباب إلى تحمّل المسؤوليّة، فالله قدّم لنا الوطن بصورة جميلة جدًّا، وعلينا الّا نفرّط به وببيئته". وتابعت "أشكر مجلس كنائس الشرق الأوسط على إطلاق مشروع موسم الخليقة في المشرق لأنّه حفّزنا بالتّالي للقيام بمبادرات تسهم في حصد نتائج ملموسة".
لم يقتصر برنامج الحملة على تنظيف الشّاطئ فقط وإنّما تضمّن رحلة بحريّة في قارب حول صخرة الرّوشة حيث كان لنا فرصة الإستمتاع بأجمل مناظر ثروة لبنان المائيّة. خلال الجولة بدت فرحة المشاركين ظاهرة والبسمة لم تفارق وجوههم. إلتقطوا الكثير من الصور وتعرّفوا على كنوز لبنان المائيّة كجزء من الثّقافة البيئيّة الّتي لا بدّ من ترسيخها بالتوازي مع تعزيز التوعية الضروريّة.
مع الرّحلة البحريّة هذه إنتهى برنامج حملة تنظيف شاطئ الرّوشة. الأكيد أنّ الشّباب المشاركون حملوا معهم دروسًا مهمّة قد ينقلوها من جيل إلى الآخر، هذا إضافةً إلى الذّكريات الجميلة.
في وقفة أخيرة، أشار المشاركون إلى أنّ برنامج الحملة فاق توقّعاتهم وأعربوا عن فرحتهم بنجاح المشروع لا سيّما وأنّهم ساهموا ولو بنسبة صغيرة في إعادة وجه لبنان الجميل، مشدّدين على أنّ التغيير يبدأ مع كلّ فرد. كما عبّروا عن رغبتهم في القيام بأنشطة بيئيّة أخرى، مشيدين بأهميّة العمل معًا ضمن الفرق وبعلاقات الصّداقة الجديدة الّتي أبصرت النّور خلال النّشاط. ودعوا بالتّالي النّاس إلى عدم رمي النفايات في الشّوارع وأن يعمَدوا مثلًا إلى فرزها في منازلهم من أجل إعادة تدويرها.
دائرة التواصل والعلاقات العامة