الكرامة الإنسانيّة: الإنتهاكات والرد
هذه الكلمة متوفّرة أيضًا باللّغتين الإنكليزيّة والإسبانيّة.
د. ميشال أ. عبس
الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط
لا نحتاج إلى الغوص كثيرًا في الإحصاءات الإجتماعيّة كي نوقن حجم الإنتهاكات التي تخضع لها كرامات الناس في شتّى أنحاء المعمورة.
يكفي أن ترى الإعتقالات التي تجري في العالم لأصحاب الرأي كما للمطالبين بحقوقهم أو حقوق غيرهم.
يكفي أن تستكشف عبر وسائل الإعلام المناطق المُعدَمة في البلدان الثريّة والفقيرة على حدٍّ سواء إضافة إلى أحزمة البؤس التي ما فتئت تطبع مجتمعات العالم الحديث.
ولكن ما خفي كان أعظم!
إذا كنّا قادرين أن نلاحظ التمظهر الخارجي البديهي لانتهاكات الكرامة الإنسانيّة، فنحن لسنا بقادرين على سبر أغوار الظاهرة في عمقها وخفاياها.
ينسى الإنسان المُعدَم الذي استهلكته متاعب الحياة وصعوباتها أنّ هناك عتبة لا يجب أن يتخطاها ولا يجب أن يسمح لأحد بإجباره على تخطّيها: إنّها عتبة الحدود بين التواضع والمرونة وطول الأناة من جهة، والكرامة الإنسانيّة من جهة أخرى.
يخطئ الذين يسمحون للآخر بامتهان كرامتهم أو تعريضها للهوان، كما يخطئ الذين يتخطّون حدودهم مع الآخر ويعرضون كرامته للمساس.
ما قدر لأحد أن يهين سواه. قد يهين المرء نفسه!
إنّ مسألة الكرامات مرتبطة بالشرف ومفهومه وفي نفس الوقت بمفهوم العار، إذ لا يشعر بالعار من لا يعرف العار، ولا يعرف العار من لا يعرف الشرف. إنّها حياة الذلّ!
لقد ساءت الحياة الإجتماعيّة في العالم، وخصوصًا في منطقتنا، بسبب الحروب والنزاعات والتشرّد مقترنين بفساد من أولوا الشأن العام. كلّ ذلك في جوٍّ من الدسّ والتحريض واللعب على أبلسة الآخر واستتباب مشاعر الخوف عند الجماعات.
لقد انحدر مستوى الحياة في مشرقنا الأنطاكي إلى درجة أصبح فيها الإنسان يقبل بأيّ شيء مقابل تأمين الحاجات الأساسيّة التي هي حقّ لكلّ إنسان في العالم. لقد إستشرى الحرمان في مجتمعاتنا حتى نسيَ بعض الناس أنّ الكرامة تساوي الوجود وأنّ الحياة من دون كرامة لا معنى لها. هكذا أرادوها مؤامرة جنّدوا لها الأتباع والعَسس، فخضّعوا الشعوب وأهانوها وجوعوها إلى حدّ أنّها نسيت كرامتها وأصبحت الغاية تبرّر الوسيلة. إنّه الزمن الرديء في مجتمعاتنا.
إضافة إلى ذلك، أمعنت الأزمات من كلّ نوع في تفكيك الرأسمال الإجتماعي وقلب منظومة القِيَم رأسًا على عقب، فضاعت المُثُل واختلطت المفاهيم ودخلت مجتمعاتنا في آتون التحلّل كمقدمة للفناء.
نحن في مجلس كنيسة المسيح، بما نُمثِل ومن نُمثِل، نرفض أخد موقف المتفرِّج المحايد لما يجري في مجتمعاتنا، ولن نقبل أن نكون شيطانًا أخرسًا آخر يُضاف إلى مجموعات من الشياطين الخرس، يرون المجتمع يتفكّك وبناه تتحلّل ولا يحرّكون ساكنًا.
منذ انطلاقته شكّل مجلس كنائس الشرق الأوسط أداة تغيّير إجتماعي - ثقافي لما يكتنزه من قيم حضاريّة ينهلها من سيرة وعظات المتجسّد المتمرّد على الفناء.
فمن قوله إنّ من قال لأخيه "يا أحمق" لا يدخل ملكوت السماوات، إلى دعوته المتعبين وثقيلي الأحمال، مرورًا بإنصافه "الزانية" شكّل المتجسّد مُدافعًا أولاً عن الكرامة الإنسانيّة. لا بل قُلّ إنّ تجسّده بحدّ ذاته هو حماية الكرامة الإنسانيّة بأسمى وأعمق معانيها.
هذا الذي تعرّض للسخرية والمهانة والتقريع والجلد والطعن، وضع كرامته الإلهيّة فداء لكرامة الإنسان الذي يجب أن يولد حرًا كريمًا وأن يعيش لذلك.
مفهوم الكرامة الإنسانيّة، عند المتجسّد المتمرّد على الفناء، قد يكون عصيًّا على فهم البعض أحيانًا إذ يحتاج إلى عمق روحيّ وتفانٍ ونكرانٍ للذات لا يدركه إلا الراسخون في الروحانيّة والذين فهموا رسائل السيّد.
نحن في مجلس كنائس الشرق الأوسط، إذ نتهيّأ لإطلاق مشروعنا الذي يُعنى بالكرامة الإنسانيّة، ننادي كلّ المعنيين بالإنسان - الإنسان أن يتآلفوا معنا من أجل مساعدته على صيانة كرامته، ذروة إنسانيّته، عسى غَد الإنسانيّة يكون أفضل.