سيادة المطران عوده:بعد إنفجار 4 آب حاولوا إقناع المنكوبين من الأهالي ببيع بيوت أجدادهم وأبائهم
في مخطّط للتغيّير الديموغرافي لكنّنا لم ولن نسمح بذلك!
هذه المقابلة متوفّرة أيضًا باللّغة الإنكليزيّة.
في الذّكرى السّنويّة الأولى لإنفجار مرفأ بيروت في 4 آب/ أغسطس 2020، أصدرت دائرة التواصل والعلاقات العامة في مجلس كنائس الشرق الأوسط عددًا خاصًّا من مجلّة المجلس الفصليّة "المنتدى" في آب/ أغسطس 2021، تحت عنوان "بيروت في قلب الكنيسة، بيروت قيامية!". ضمّ مقابلة حصريّة مع متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس سيادة المطران الياس عوده تمحورت حول الأضرار البشريّة والماديّة الّتي لحقت بالكنيسة الأرثوذكسيّة في بيروت، لا سيّما دورها في مساعدة أبنائها المتضرّرين وبلسمة جروحهم على مختلف الصّعد. ومقابلة مع نائب رئيس اللّجنة الماليّة لأبرشيّة بيروت للروم الأرثوذكس أيضًا مقابلة مع أمين المال في جمعيّة القدّيس بورفيريوس خالد تويني.
وجهه هو بيروت. وصوته الذي يصدح صباح كلّ أحد في كاتدرائيّة القديس جاورجيوس في بيروت هو أيضًا صوت بيروت. حتى وجع قلبه وحزن عينيه منذ 4 آب الفائت من وجع بيروت الشهيدة، ستّ الدنيا الثكلى الحزينة!…
بعيدًا من مواقفه المزلزلة ضدّ الحكّام غير المسؤولين، وضدّ الفساد والفاسدين، متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده، في القداس لراحة أنفس ضحايا إنفجار مرفأ بيروت قال "شبح الموت ما زال مخيّماً على بيروت وما زلنا نعيش في غموض مميت، فسنة انقضت على إنفجار المرفأ ولم تُكشف الحقيقة ولم يتوصّل المعنيّون إلى جواب فهلّ هي صدفة أم عملاً مقصودًا لمنع ظهور الحقيقة؟ هل مثول المسؤول أمام القاضي بهذه الصعوبة؟ فكيف يواجه الشعب وهو يخلّ بأبسط واجباته ولو لم يكن لديه ما يخشاه هل كان ليتردّد للحظة؟ فعيب أن يتقاعس إنسان ويتعامى عن واجبه". وتابع "أملُنا أن يتابع المحقّق عمله بنزاهة وصدق وشجاعة وأن تتضافر الجهود من أجل مساعدته على جلاء الحقيقة وليتذكّر كلّ قاضٍ أنه صوت العدالة والضمير وهذا الصوت يكون عاليًا. اذا لم يتوصل القضاء اللبنانيّ إلى قول كلمة العدل بإسم الشعب اللبنانيّ لسبب التدخّل السياسي وإعاقة التحقيق نشجّع الأهالي ونطلب معهم إنشاء لجنة تحقيق دوليّة للنظر في أفظع جريمة حصلت في هذا العصر".
متروبوليت المواقف الصلبة والجريئة، بعيدًا من السياسة وظروف التحقيق القضائي يتذكّر معنا في هذه الصفحات لحظات الإنفجار الفاجعة، ويروي كيف وقفت المطرانيّة إلى جانب أبنائها لمواجهة المأساة ونفض الرماد عن مدينة النور، بيروت.
المطران عودة كان على الطريق قرب مبنى جريدة النهار حين دوى إنفجار المرفأ، كان متوجهًا إلى دار المطرانيّة في الأشرفيّة يقول " كانت لحظة رهيبة وحده الصوت يكفي لإصابة الناس بالهلع، ونحن من الناس. إنهار الزجاج حولنا وما عدنا نعي إلى أين نذهب ومن أين نخرج من تلك البؤرة، ضُعنا كما الجميع ولم نجد منفذًا. بعد وقت وجهد وصلنا إلى دار المطرانيّة وكان المشهد مريعًا، الدار مشلّعة والدمار في كلّ مكان. كان الشمّاس معي فطلبت منه أن يجد لنا مكانًا ننام فيه لكنّه فتّش وعاد وقال لي " سيّدنا ما في ولا محل" فقلت فلنذهب إلى المستشفى أيّ مستشفى القديس جاورجيوس، لكن المشهد هناك كان مشابهًا والمرضى في المواقف والطاقم الطبّي يحاول نقلهم إلى مستشفيات أخرى بعيدًا من الدمار. إتصلت بي أختي وقالت أنا في أدما في بيت أخي فذهبت إلى هناك لتمضية الليلة. وفي الصباح عدت إلى دار المطرانيّة. في تلك الليلة فكّرت كثيرًا أنني الراعي الذي تفقّد أبناء رعيته صحيح، لكني مسؤول كيف أترك مقرّ المطرانيّة؟ صباحًا طلبت من الشباب أن يؤمنوا لي فراشًا أنام عليه في أيّ زاوية".
وتابع المطران بابتسامته المعهودة "منذ اللحظة الأولى تولّى الشباب مهمّة إعادة ترميم المطرانيّة ومؤسّساتنا المدمّرة كافة. هناك 3 مدارس أوليناها أفضليّة الترميم لتستقبل طلابها، و4 كنائس حاولنا أن نرمّمها فورًا كي يعود المصلّون إليها. مدرسة 3 أقمار التاريخيّة تضرّرت بشكل كبير، يعود بناؤها إلى القرن التاسع عشر تعلّم فيها أدباء وقياديّين وهي تشهد على وجودنا هنا. فالبعض يسمّي الأشرفيّة العاصمة الحقيقيّة. مدرسة زهرة الإحسان تأذّت أيضًا ومدرسة البشارة وبعض طلاب هذه المدارس محتاجين، لم نتوقف عن مساعدتهم وأعدنا ترميم كلّ مؤسّساتنا، لكن بيوت الناس كانت أيضًا من أولوياتنا لأنّ البعض حاول أن يستغّل الكارثة ودمار البيوت في مخطّط للتغيّير الديمغرافي وهذا ما لن نسمح به، ونعرف من حاول إقناع المنكوبين من الأهالي ببيع بيوت أجدادهم وأبائهم خصوصًا في مناطق الجميزة ومار مخايل والمدوّر... هذه بيوت ثمينة وغاليّة علينا وعلى أهلها. ومن يبيعها يكون كمن يبيع قلبه وتاريخه. أنا في عظتين متتاليتين أوصلت الرسالة كما يجب، حتى من كانت له أذنان فليسمع. وقلت أنّ ما يحاولون فعله هو إجرام وأنتم تجعلون الناس تبكي على بيع بيوتها وأرزاقها التي ورثتها عن أب أو جدّ. وقلت للأهالي من يأتي إليكم بجيوب ملأى يفتقر للضمير، ضميرهم وسخ، إذا قبلتم بعروضهم ستنتظركم دموع وندم كثير. لكن المُفرِح الذي سمعته أنّ بعض الأهالي رفضوا العروض وأعلنوها جهارًأ أمام شاشات التلفزة "بيتي مش للبيع"، تألّمت معهم ولم أستغرب!".
نسأل المطران كيف واجهوا هذا المخطّط لا سيما وأنّ كثر أوقعتهم كارثة الإنفجار في العوز وهُجّروا قسرًا من منازلهم؟
يردّ بطمأنينة وحزم " ولادنا اهتموا وما زالوا بالموضوع، وأنشأنا لجنتين للمساعدة على مختلف المستويات. أنا قلت لكم الخلاصة والتفاصيل يكشفها لكم الشباب الذين يتابعون كلّ طلب. فهم وبتوصيات مني يساعدون كلّ محتاج أو فقير أو من يبحث عن سند. طالما نحن قادرون ولدينا الإمكانات للمساعدة لن نتوانى ولن نطلب من أحد المساعدة."
خالد تويني:
إنفجار بيروت ضربة قاضيّة لكن تعاضدنا أقوى
بالإنتقال إلى الحديث مع ممثِّل "الشباب"، كما يسمّيهم سيادة المطران عودة، الذين يهتمون بمسائل المساعدات في الرعيّة وإدارة مقدّراتها، تُدرك أن المطرانيّة وقبل انفجار بيروت بكثير لطالما اهتمت بالمحتاجين في الأبرشيّة وبأدّق التفاصيل. عدد كبير من العائلات تهتّم بها الكنيسة حتى قبل ثورة 17 تشرين إن بالطبابة أو السكن أو أقساط المدارس... إلى جانب المساعدات الماليّة، ولو كانت ضئيلة إلا أنّها داعمة.
يتولّى نائب رئيس اللّجنة الماليّة لأبرشيّة بيروت للروم الأرثوذكس وأمين المال في جمعيّة القدّيس بورفيريوس خالد تويني، الشرح كيف بادرت الجمعيّة بالتنسيق مع أبرشيّة بيروت وعلى رأسها المتروبوليت الياس عودة لإغاثة أبناء بيروت عقب الإنفجار الكارثي يقول" المطرانيّة أخذت على عاتقها الإهتمام بمئات العائلات الأكثر عوزًا في بيروت كتقديم المساعدات الماليّة والغذائيّة والطبيّة، والمدرسيّة لطلّاب مدارس بيروت الأرثوذكسيّة الـ 5 ومنذ سنوات. لكن عقب ثورة 17 تشرين الاوّل/ أكتوبر 2019، ازدادت نسبة الحاجة لدى العائلات وذلك مع تفاقم تداعيات الإنهيار الإقتصادي. لذلك ضاعفت الكنيسة جهودها لتأمين أكبر عدد من المساعدات ضمن الإمكانات المتاحة". أضاف "تملك الأبرشيّة ثلاثة مستوصفات، تتوزّع بين رأس بيروت، الأشرفيّة وسوق الغرب، تستقبل كلّ الناس من دون أيّ تميّيز وتساعد على تأمين الأدوية وتقديم الإستشارات الطبيّة المجّانيّة وطبابة الأسنان...، إضافةً إلى مركز للمعاينات المجّانيّة في مستشفى القدّيس جاورجيوس الجامعي (مستشفى الروم).
لكن لم يكن إنفجار الرابع من آب/ أغسطس 2020 سوى ضربة قاضية تفوق كل تصوّر، نتج عنها أضرارًا جسيمة كثيرة تعجز أي أبرشيّة أو كنيسة أو مؤسّسة عن إعادة تأهيلها بمفردها، لكن بتعاضدنا كنا أقوى. يضيف تويني "بعض المؤسّسات التابعة للمطرانيّة شهدت دمارًا كاملًا وأضرارًا تجاوزت قيمتها أكثر من 60 مليون دولار أميركي كتقدير أوّلي، كمستشفى القدّيس جاورجيوس الجامعي (مستشفى الروم)، دار العجزة ومركز VAP، Vieillir Avec Plaisir، الّذي يهتمّ بكبار السنّ، إضافةً إلى الدمار في طبقات عدّة في دار المطرانيّة. كما تعرّضت ثلاث مدارس أرثوذكسيّة، وهي مدرسة 3 أقمار وسيدة البشارة وزهرة الإحسان إلى دمار وخسائر جسيمة، ولحقت الأضرار بالمستوصفات ومبنى المطرانيّة القديمة والجديدة. علمًا أنّ معظم مباني المؤسّسات التابعة لمطرانيّة بيروت والمتضرّرة أثريّة، ترمز إلى الوجود الأرثوذكسي في المنطقة ويعود إنشاؤها إلى الحقبة ما قبل الـ1860، كما ذكر سيِّدنا عودة".
أمّا بالنّسبة لأبناء الرعايا الأرثوذكسيّة، فكشف تويني أنّ المسح الميداني الّذي قام به فريق من مكتب الهندسة التابع للأبرشيّة على إثر الإنفجار، سجّل 419 منزلًا متضرّرًا، من بينها 130 منزلًا دُمّر بشكل كامل، و120 شهد خسائر هائلة، إضافةً إلى أضرار مختلفة في منازل بعض الكهنة. وفي 9 آب/ أغسطس، أُرسلت التعليمات إلى جميع كهنة الرعايا كي يبلّغوا عن أسماء الشهداء الّذين سقطوا ضحيّة الإنفجار في رعاياهم، كما وأسماء المصابين الّذين نُقلوا إلى المستشفيات وحتى المفقودين لتتمّ متابعة عمليّات البحث عنهم.
في السّياق عينه، أوضح تويني أنّ المطرانيّة قامت عبر اللّجنة الماليّة وجمعيّة القدّيس بورفيريوس التابعة لها، بتأهيل المؤسّسات وترميم قرابة 107 بيوت لأبناء الرعايا وهناك سبع بيوت أخرى ينتهي تأهيلها في الأيام القليلة المقبلة. ساعدنا بقدر المستطاع وضمن الإمكانات المحدودة الّتي ضمّـت الإحتياط المالي للأبرشيّة. وأضاف أنّ عمليّة ترميم المنازل تطلّبت وقتًا طويلًا بسبب عددها الكبير وإجراء الجردات اللّازمة والإتّفاق مع المتعهّدين، وهي ستستمرّ بالتزامن مع برامج المساعدات الّتي تقوم بها المطرانيّة على مدار السّنة. كما قدّمت المطرانيّة التعويضات للعائلات الّتي قامت بترميم منازلها بمفردها، كلٌّ بحسب الأضرار الّتي لحقت بها، وساعدت أيضًا بالمفروشات والأدوات الكهربائيّة والمستلزمات الحياتية الأساسّية.
تابع تويني حديثه مشدّدًا أنّ إعادة إحياء مستشفى القدّيس جاورجيوس الجامعي (مستشفى الروم) كانت الأكثر إلحاحًا ليتمّ استقبال المرضى والجرحى فيه، كما وإعادة تأهيل المدارس بقدر الإمكان لا سيّما أنّ السنة الدراسيّة الجديدة كانت على الأبواب، بالإضافة الى ترميم دار المطرانيّة في الأشرفية أيّ المبنيّن الجديد والقديم.
والجدير ذكره أنّ المطرانيّة لم تكن تملك أي مدخول يسهّل عمليّة الترميم هذه "بل حصلت على مساعدات ماليّة وعينيّة وغذائيّة وطبيّة محليّة ودوليّة من أفراد ومؤسّسات وكنائس عدّة كالكنيسة القبرصيّة والروسيّة والقبطيّة ومجلس كنائس الشرق الأوسط...، حيث تمّ بالتّالي توزيعها على العائلات المتضرّرة، وذلك على الرغم من أنّنا واجهنا صعوبات عدّة في تلقّي المساعدات الماليّة بسبب أزمة المصارف اللّبنانيّة، والمساعدات الغذائيّة الدوليّة. كما قامت بعض الأيادي البيض بتقديم المستلزمات والأدوات الضروريّة للعمل الميدانيّ. لكن الحاجات كثيرة، والدولة اللّبنانيّة غائبة بشكل تام، وبعض الجهات لم تفِ بتعهّداتها ودعمها، كالهيئة العليا للإغاثة... وقد تلقّينا اتّصالات من جهّات رسميّة عدّة لتسجيل المعلومات وتوقفت الأمور عند هذا الحدّ".
تويني شدّد أنّ الأضرار هائلة جدًّا بالمقارنة مع المساعدات الّتي تمّ تقديمها حتى الآن، والحاجة كانت وما زالت ماسّة إلى المساعدات الماليّة، وقد بلغت كلفة أضرار المؤسسات التابعة للمطرانية 60 مليون دولار أميركي. وأضاف أنّ الأهميّة اليوم تكمن أيضًا في ترميم الإنسان ونوّه بالجهود الّتي قام بها العاملون في إدارة مستشفى القدّيس جاورجيوس الجامعي والطواقم الطبيّة فيه وقال "لم يتلقّوا التقدير المعنويّ الكافي على "البطولات" الّتي قاموا بها في الرابع من آب/ أغسطس، كعمليّة إخلاء المستشفى من دون كهرباء ومصاعد وحتّى إسعاف الجرحى في الممرّات والباحة الخارجيّة، وذلك على الرّغم من إصابة الكثير من الأطبّاء والممرّضين والممرّضات".
أنهى تويني حديثه شاكرًا " كلّ من ساهم معنا قولًا أو فعلًا، وكلّ من وقف إلى جانبنا وإلى جانب المتضرّرين الذين ما أن إنتهى الترميم أو شارف على الإنتهاء عادوا الى بيوتهم وعادت الحياة إلى الرعيّة".
دائرة التواصل والعلاقات العامة