بين الإحباط والرّجاء لن ننسى كارثة آب
القسّيسة د. ريما نصراللّه من الكنيسة الإنجيليّة في بيروت:
نحاول معًا وبإيمان كبير تشجيع بعضنا بعضًا مُسَلّمين مصيرنا لربّنا يسوع المسيح
هذه المقابلة متوفّرة أيضًا باللّغة الإنكليزيّة.
في الذّكرى السّنويّة الأولى لإنفجار مرفأ بيروت في 4 آب/ أغسطس 2020، أصدرت دائرة التواصل والعلاقات العامة في مجلس كنائس الشرق الأوسط عددًا خاصًّا من مجلّة المجلس الفصليّة "المنتدى" في آب/ أغسطس 2021، تحت عنوان "بيروت في قلب الكنيسة، بيروت قيامية!". ضمّ مقابلة حصريّة مع القسّيسة د. ريما نصراللّه، تمحورت حول الأضرار البشريّة والماديّة الّتي لحقت بالكنيسة الإنجيليّة في بيروت، لا سيّما دورها في مساعدة أبنائها المتضرّرين وبلسمة جروحهم على مختلف الصّعد.
في 4 آب/ أغسطس الفائت تحوّلت السّعادة إلى تعاسة والأمل إلى يأس إذْ جاءت الكارثة لتكون ضربةً قاضيةً، وعلى الجميع. حتى الكنائس وقعت جريحة تصرُخ وجعًا على أبنائها. صحيح أنّها تعرّضت لإصابات وجروح خطيرة وبليغة لكنّها صمدت وبقيت الملجأ الوحيد الّذي بثّ القوّة والعزيمة وحمل النّاس من بئر الأحزان إلى منبع الرّجاء والطمأنينة والأمان لأنّه بالنّهاية ليس لنا معين سوى ربّنا يسوع المسيح فهو الّذي قال "تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ" (متّى 11: 28).
الكنائس الإنجيليّة في بيروت تلقّت حصّة هائلة أيضًا من ذاك الزّلزال المشؤوم. أُصيبت، حزنت، نهضت وتمسّكت بهذا الرّجاء الملوكيّ حاضنةً أولادها في الضرّاء كما في السّراء. عائلة كنسيّة بذلت بدورها جهودًا كبيرة من أجل تقديم الدعم الرّوحيّ والنفسيّ والمعنويّ والمادّيّ كي تضمّد جروح البيروتيّين وتنهض بيروت من كبوتها.
نستذكر معًا ما تعرّضت له هذه الكنائس، ماذا عن الأضرار الماديّة والبشريّة؟ كيف قاومت هذه المأساة؟ وما هي حاجات أبناء رعاياها خصوصًا عقب مرور عام على الكارثة؟ أسئلة حملناها إلى القسّيسة د. ريما نصراللّه كي نستعيد معها أبرز محطّات تلك التجربة الصّعبة. مرحلة توقّف خلالها الزّمن عند السّادسة وسبع دقائق علّها تبقى ذكرى إلى الأبد.
بدايةً تصف د. ريما نصراللّه وبأسف حال الكنائس الإنجيليّة البيروتيّة على إثر الإنفجار حيث "لحقت بها أضرارًا كبيرة ككنيسة الأرمن الإنجيليّين في رأس بيروت وبرج حمّود... وكذلك في منطقة الأشرفيّة تضرّرت الكنيسة بشكل هائل لا سيّما وأنّها قريبة من الجمّيزة المجاورة لمرفأ بيروت، حيث سجّلت خسائر جسيمة في النّوافذ والأبواب وكلّ ما في داخلها... لذا استمرّت عمليّة ترميمها على مدى فترة طويلة، إضافةً إلى أضرار في الكنيسة الأسقفيّة في منطقة الزّيتونة. أمّا الكنيسة الإنجيليّة الوطنيّة في بيروت فأُصيبت بأضرار فادحة في النّوافذ والأبواب والمقاعد... وحتّى لحقت بالطوابق في أسفلها أضرارًا كبيرة، وكذلك في بيت الرّاعي والمكاتب...".
الأضرار لم تقتصر فقط على دُور العبادة إذْ تتابع د. نصراللّه وتقول أنّ شبح الدمار زار أيضًا "المؤسّسات التّابعة للكنائس الإنجيليّة كالمدارس مثلًا وعلى سبيل المثال المدرسة الأرمنيّة الإنجيليّة في الأشرفيّة حيث لحقت بها أضرارًا ضخمة جدًا، والمدرستين الإنجيليّتين في رأس بيروت، وكليّة اللّاهوت الّتي شهدت تكسيرًا في الزّجاج والأبواب...". وتضيف "كان أيضًا لمنازل أبناء الرّعايا حصّة هائلة من الدمار، منها تضرّرت بشكل جسيم ومنها بشكل جزئيّ لا سيّما في منطقة الأشرفيّة، مار مخايل والجعيتاوي...".
نستفسر من القسّيسة د. ريما نصراللّه عن الأضرار البشريّة فتوضح أنّ الكنائس الإنجيليّة سجّلت في صفوف أبنائها "ضحيّة واحدة، رجل مسنّ فارق الحياة عقب حوالي شهر من الغيبوبة، إضافةً إلى عدد كبير من المصابين الّذين تعرّضوا لجروح متفاوتة". بمشاعر صادقة تتابع "لم تكن عمليّة إستيعاب ما جرى سهلة وسريعة فالأضرار تراوحت بين الحجر والبشر".
لكن كيف وقفت العائلة الإنجيليّة جانب أبنائها؟ وكيف قامت بمساعدتهم؟ تجيب د. نصراللّه أنّ "كلّ من الكنائس الإنجيليّة الأربع بذلت جهودًا كبيرة لتلبية حاجات أبناء رعاياها كما المعوّزين. أوّلًا أحصينا الأضرار الّتي لحقت بالمنازل خصوصًا أنّ العديد من العائلات خسرت منازلها حيث لم يعد لديهم سقفًا يحميهم. بالتّالي ركّزنا أيضًا على تأمين الحاجيّات الغذائيّة كي تتمكّن العائلات من الحصول على الطعام والشّراب. كما قمنا بتأمين المستلزمات اليوميّة الضروريّة كفرش النّوم والأحرمة والمخدّات... إضافةً إلى الأدوات المطبخيّة ومعدّات التنظيف وأدوات التنظيف الشّخصيّ".
ولفتت إلى أنّ "جمعيّة "تحنّن" التّابعة للسّينودوس الإنجيليّ ثابرت على مساعدة العائلات على الترميم، وأنّ "عددًا كبيرًا من النّاس خسروا أعمالهم ومصدر رزقهم، لذا قمنا بمساندتهم في البحث عن فرصة عمل أخرى أو في إعادة تأهيل مركز عملهم أكان محال تجاريّة أو مكتب... علمًا أنّ المهام هذه إستمرّت على نطاق واسع وطيلة السنة".
جرح اللّبنانيّين لم يندمل حتى بعد عام على إنفجار المرفأ الكارثيّ، وما زالت حاجاتهم الضروريّة تزداد يوميًّا لا سيّما وأنّ البلاد غارقة في دوّامة من الأزمات اللّامتناهية حيث "جاء الإنفجار ليكون فاجعة غير متوقّعة وسط المشاكل الفادحة الّتي يعاني منها لبنان لا سيّما وأنّ النّاس يواجهون معضلة إقتصاديّة أساسيّة" مما قالت د. نصراللّه. وأوضحت أنّ "حال النّاس تتأرجح اليوم بين الإحباط والرّجاء خصوصًا أنّهم يعيشون حياة تفتقد إلى الكرامة، خالية من الإمكانات الّتي تسمح لهم بالتخطيط للمستقبل حيث بات صعبًا إستعادة النّشاط المعتاد".
وتختم نصراللّه "في ظلّ جوّ الإحباط، يتمسّك النّاس بكنيستهم ويحاولون بإيمان كبير تحفيز بعضهم بعضًا، وإلقاء همومهم على السّيّد المسيح". وتعود د. ريما وتذكّر مجدّدًا بالظّروف الّتي يمرّ بها المواطنون اليوم حيث "ما زالت الحاجات الأساسيّة تتعاظم يوميًّا، فكُثر منهم عاجزون عن تسديد إيجار بيوتهم، آخرون بحاجة ماسّة إلى موادّ غذائيّة، والبعض الآخر بحاجة إلى مستلزمات ضروريّة خصوصًا للمسنّين كالأدويّة مثلًا وآلات الأوكسيجين والحفاضات... إضافةً إلى الحاجات المدرسيّة حيث قمنا بمرافقة العائلات في هذا الإطار كدعمهم في دفع الأقساط أو تأمين الأجهزة الإلكترونيّة الضروريّة للدراسة عن بُعد، والحقائب المدرسيّة الّتي تتضمّن مجموعة من اللّوازم كالدفاتر والأقلام...".
عقب عام على الفاجعة لا يمكن للقسّيسة د. ريما نصراللّه أن تخفي مدى "الحزن الّذي ما زال سيّد الموقف في المشهد اللّبنانيّ، فنحن معًا نحاول تشجييع بعضنا بعضًا متّكلين على إيماننا ومسلّمين مصيرنا لربّنا يسوع المسيح".
دائرة التواصل والعلاقات العامة