كنيسة السّريان الكاثوليك في بيروت مع أبنائها في المأساة

سيادة المطران مار ماتياس شارل مراد: كارثة 4 آب إختبار قاس إجتزناه بإيماننا وتعاضدنا

هذه المقابلة متوفّرة أيضًا باللّغة الإنكليزيّة.

في الذّكرى السّنويّة الأولى لإنفجار مرفأ بيروت في 4 آب/ أغسطس 2020، أصدرت دائرة التواصل والعلاقات العامة في مجلس كنائس الشرق الأوسط عددًا خاصًّا من مجلّة المجلس الفصليّة "المنتدى" في آب/ أغسطس 2021، تحت عنوان "بيروت في قلب الكنيسة، بيروت قيامية!". ضمّ مقابلة حصريّة مع النائب البطريركي العام للسّريان الكاثوليك في بيروت سيادة المطران مار ماتياس شارل مراد، تمحورت حول الأضرار البشريّة والماديّة الّتي لحقت بكنيسة السريان الكاثوليك في بيروت، لا سيّما دورها في مساعدة أبنائها المتضرّرين وبلسمة جروحهم على مختلف الصّعد.

تضرّرت وتألّمت مع أبنائها، حزنت وبكت معهم في عمق المأساة، نهضت وبقيت متمسّكة برجاء المسيح. هي كنائس بيروت، بيت الله، الّتي كانت وما زالت ملجأ آمنًا ومصدر إيمان وعزيمة وسط كلّ المصائب والخسائر الّتي أحاطت بالمشهد اللّبنانيّ في 4 آب/ أغسطس 2020. تاريخ يحمل ذكرى الموت واليأس والكآبة والخوف... الّا أنّ الكنائس رفضت الإستسلام أمام الواقع وأصرّت على الإنتصار لأبنائها كما المسيح المنتصر.

كنائس بيروت هي أيضًا لم تسلم من الزّلزال المشؤوم ولحقت بها أضرار جسيمة على مختلف الصّعد. إضافةً إلى الخسائر البشريّة في صفوف أبنائها الّتي لا تُنسى. كلّ من هذه الكنائس مرّت بوقت عصيب ووقفت كلّ إلى جانب رعيتها وما زالت حتّى اليوم ترافقهم في مواجهة تداعيات الكارثة، فبقيت الأمّ الشّجاعة الّتي لا تنكسر أمام وجع أبنائها.

هذه هي حال كنيسة السّريان الكاثوليك في بيروت الّتي حملت صليبها برجاء كبير، برعاية النائب البطريركي العام للسّريان الكاثوليك في بيروت سيادة المطران مار ماتياس شارل مراد، مُسَلِّمة أمرها إلى مشيئة الله الآب السماويّ. ما هي الأضرار الّتي أصابتها؟ ما هي المبادرات الّتي أنقذتها؟ وماذا عن أولادها؟ أسئلةٌ بحثنا عن إيجابات لها في ذاك اليوم المأساويّ ونستذكر ما قامت به كنيسة السّريان الكاثوليك في بيروت لمواجهة هذه التجربة الصّعبة.

 

ننتقل إلى دار مطرانيّة السّريان الكاثوليك في المتحف حيث إستقبلنا سيادة المطران شارل مراد ونتوقّف معه عند أبرز المحطّات الّتي مرّت بها كنيسته منذ اللّحظات الأولى على وقوع الفاجعة.

2.png

لحظات إستعادها معنا في مستهلّ حديثه قائلًا "لم نكن بدايةً نعلم ما جرى، ظنّ الجميع أنّ الإنفجار إستهدف الحيّ المجاور لكاتدرائيّة السّريان الكاثوليك في المتحف لأنّنا لمسنا فيها أولى آثار الدّمار، فقد تضرّرت بشكل كبير وتحطّمت النّوافذ والأبواب... الأمر ذاته في مقرّ البطريركيّة في الجوار. لكن بعد وقت قليل أدركنا مدى ضخامة الإنفجار وتبعاته عبر الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعيّ".

يتابع "بعد الإنفجار مباشرة بدأنا إتّصالاتنا بأبناء الأبرشيّة المنتشرين في كلّ بيروت وفي المناطق القريبة من المرفأ، للإطمئنان عنهم. كما إتّصل كُثر بالمطرانيّة طالبين النّجدة والمساعدة. لذا كانت الخطوة الأولى بدء سلسلة زيارات لأبناء الأبرشيّة للوقوف إلى جانبهم نفسيًّا ومواساتهم والإطّلاع على حاجاتهم، فجاء الحضور الكنسيّ ليشكّل دعمًا إيجابيًّا لدى المتضرّرين". أمّا عن الخطوات التالية فأشار مراد إلى أنّ "المنظّمات غير الحكوميّة بدأت بمهامها الإغاثيّة لمساعدة كلّ المنازل المتضرّرة. وباشرت الشّبيبة أيضًا بعملها الميدانيّ لمساندة أكبر عدد ممكن من النّاس. كذلك تعاونوا مع كهنة رعايا بيروت بهدف زيارة كلّ أحياء المناطق المتضرّرة للصّلاة مع سكّانها، ومساندتهم نفسيًّا وماديًّا".

لكن هل تمكّنت الكنيسة السّريانيّة الكاثوليكيّة من إسعاف كلّ العائلات بإمكاناتها الخاصّة؟ أم جاءت المبادرات لتكون سندًا لها؟ يجيب سيادة المطران شارل مراد "بادر الشّعب السّريانيّ في الخارج إلى إرسال المساعدات فورًا كما كنائس السويد وكندا وبلجيكا إضافةً إلى المبادرات الماديّة الفرديّة. وذلك بهدف ترميم الكنيسة في المتحف ومساعدة العائلات".

يضيف "كانت الحاجة ماسّة وضخمة لكن إستطعنا ككنيسة، بقدر ما توفّر لنا من إمكانات، مساعدة حوالي 50 أو 60 منزلًا لناحية تأمين المستلزمات اليوميّة الضروريّة والأدوات الكهربائيّة كالبرّادات والتلفزيونات والغسّالات وأفران الغاز.... ذلك إلى جانب المنظّمات الّتي تولّت عمليّة ترميم وتأهيل المنازل. كما قامت الكنيسة بدور الوسيط بين المنظّمات والمتضرّرين من أجل تسجيل الحاجات وتوزيع المساعدات".

الجمعيّة الخيريّة التابعة للكنيسة السريانيّة كانت أيضًا حاضرة "فساندت المعوّزين من ناحية تسديد بدلات إيجار المنازل والأقساط المدرسيّة... إضافةً إلى تأمين الأدوية والخدمات الطبيّة والإستشفائيّة... لا سيّما وأنّ عقب 4 آب/ أغسطس تفاقمت الأزمة الإقتصاديّة في البلاد".

3.png

يأسف المطران مراد إزاء غياب الدولة التامّ بعد الإنفجار وتمنّى لو أنّها قامت بأقلّ واجباتها تجاه الشّعب اللّبنانيّ، فهل الكنيسة حلّت مكان الدولة في إغاثة المتضرّرين؟ يشدّد سيادته أنّ "الكنيسة قامت بدور كبير جدًّا لكن بقدر الإمكانات المحدودة والمتاحة أمامها، لا بل كانت بديلا عن الدولة ومسؤوليّاتها في محطّات عدّة". الأكثر إيلامًا بالنّسبة له كان "هؤلاء المتبرّعين الدائمين الّذين أضحوا اليوم في صفوف المعوّزين يتلقّون بدورهم المساعدات نتيجة لأزمة المصارف والإنهيار الإقتصادي".

صحيح أنّ المبادرات الماديّة مهمّة وأساسيّة في مساعدة المتضرّرين لكنّ "العائلات بحاجة أيضًا إلى من يطمئّنّ عنها، إلى من يصغي إليها ويعزّيها بكلام يريحها ويشفي قلبها الموجوع. لذا عمدْتُ إلى زيارة منازل أبناء الأبرشيّة بشكل شخصيّ كي يشعروا بحضور الكنيسة إلى جانبهم، ما بثّ نوعًا من الفرح والرّجاء في قلوب كُثر منهم... كما كان باب المطرانيّة مفتوحًا دائمًا أمام كلّ معوّز من دون إتّباع أي بروتوكول معيّن، لا سيّما وأنّ رسالة الكنيسة تكمن في خدمة الإنسان".

يروي المطران مراد أنّه لطالما عمل من أجل تعزيز العلاقة بينه وبين المؤمنين السّريان من خلال التواصل الدائم في ما بينهم لذا " هم يدركون أنّ الكنيسة تحضنهم دائمًا، وليس فقط في محنة كارثة إنفجار مرفأ بيروت". من هنا يخبر سيادته أنّ "السّريان منتشرين في كلّ المناطق اللّبنانيّة ومعظمهم يشارك في الصّلوات والقداديس الإلهيّة في الكنائس القريبة منه لكنّهم يعودون في المناسبات والإحتفالات اللّيتورجيّة الكبيرة إلى كنيستهم الوحيدة في المتحف بإعتبارها بيتًا وملجأً لهم". بالتّالي باتت كنيسة السّريان الكاثوليك الملاذ الآمن لأبنائها أينما كانوا.

مقابل كلّ الخسائر الماديّة يختم سيادة المطران شارل مراد حديثه بالعودة إلى حيث توقّف الزّمن، عند مأساة كارثيّة غير متوقّعة، ويصف حال النّاس آنذاك، حيث "فقدوا الفرح المعتاد ودخلوا في يأس كبير فليس سهلًا أن يخسروا ذكرياتهم وكلّ ما يملكونه خصوصًا منازلهم، مكان الراحة والأمان، لا سيّما وأنّ كرامتهم باتت مستباحة. عاش المتضرّرون إنكسارًا نفسيًّا عميقًا أثّر بشكل كبير على حياتهم، كما شعروا بإحباط جرّاء الظّروف العامّة الّتي يمرّون بها".

يضيف سيادته بأمل كبير "الرّبّ يسوع المسيح يعرف كلّ ما في داخل الإنسان. تجربة 4 آب/ أغسطس شكّلت إختبارًا للجميع، وأتاحت لنا الفرصة لأن نجدّد نظرتنا إلى الحياة والتعاضد في ما بيننا، والأهم أنها عمّقت إيماننا".  

هذا الإيمان الّذي لطالما كان منوطًا بالسّماء فنحن "نَفْتَخِرُ أَيْضًا فِي الضِّيقَاتِ، عَالِمِينَ أَنَّ الضِّيقَ يُنْشِئُ صَبْرًا، وَالصَّبْرُ تَزْكِيَةً، وَالتَّزْكِيَةُ رَجَاءً، وَالرَّجَاءُ لاَ يُخْزِي، لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا" (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 5: 3-5).

دائرة التواصل والعلاقات العامة

Previous
Previous

بين الإحباط والرّجاء لن ننسى كارثة آب

Next
Next

سيادة المطران شاهي بانوسيان: الشعب الأرمنيّ في كلّ العالم سارع لتقديم المساعدات لإخوته في لبنان