في اليوم الدولي للأُسرة وفي سنَتِها البابويّة

الكنيستان الكاثوليكيّة والأرثوذكسيّة هل تساندان العائلات وكيف؟

85630237-6213-4c85-ad46-e3bd59c66ac2.jfif

يحلّ اليوم العالمي للأسرة في 15 أيار/مايو من كل سنة ويعود هذه السنة مع نسبة مرتفعة من الظُلم والعنف وتحت تأثير التخويف وخطاب الكراهيّة... وفوقها كلّها فيروس خبيث من سلالة كورونا واسموه كوفيد 19! فيروس زاد الطين بلّة، ويترافق مع أزمات وظروف معيشية تخنق الأُسر في عالمنا العربي. لذا تقع العائلة اليوم في دوّامة من التعقيدات الّتي تؤثّر سلبًا على نمط حياتها وتفاعل أفرادها ومدى إمكانيّتهم على التواصل والتعاون معًا من أجل تحسين الروابط الّتي تجمعهم و بالتّالي تطوير المجتمعات.

31acfa72-7b49-4d55-b7d0-58948d0c81e1.jfif

الّا أنّ قداسة البابا فرنسيس أراد أن يخصّص هذه السنة الإستثنائيّة للعائلات علّها تكون فسحة أمل ورجاء في عالم يفتقد إلى السّلام والعدالة والمحبّة وقبول الآخر والغنى بالتنوّع...؛ حيث أطلق "سنة العائلة - فرح الحبّ" وافتتحها يوم الجمعة 19 آذار/ مارس 2021 لمناسبة عيد القدّيس يوسف، داعيًا الجميع "إلى دَفع رعويّ متجدّد وخلّاق لوضع العائلة في قلب انتباه الكنيسة والمجتمع".

لكن مع العمل على التنشئة الروحيّة والإنسانيّة بتوازٍ مع التنشئة الوطنيّة والثقافيّة، ما هي التحدّيات الّتي تواجهها العائلة عمومًا اليوم والأسر المسيحيّة خصوصًا؟ وما هي أهميّة تربية الأولاد على القيَم الإنسانيّة الضروريّة لبناء مجتمع آمن ومستقبل واعد؟ وماذا عن دور الكنيسة في مرافقة العائلات ومساندتها؟

أسئلة عدّة يجيب عنها مسؤول مكتب رعويّة الزواج والعائلة في الكنيسة المارونية، قُدس الأباتي سمعان بو عبدو من جهة، ورئيس قسم الإنتاج في المركز الإنطاكيّ الأرثوذكسيّ للإعلام قُدس الأب أثناسيوس شهوان، في مقابلتين إلكترونيّتين مع دائرة التواصل والعلاقات العامة في مجلس كنائس الشرق الأوسط.


سيادة الأباتي سمعان بو عبدو:

الكنيسة تساعد العائلات لكنّها لا تحلّ مكان الدولة بل لها مهام رعائيّة أخرى

dfab4e9a-644d-407c-8777-94b814093ce8.jfif

في التحدّيات الّتي تواجهها العائلة اليوم جزء سيادة الأباتي سمعان بو عبدو الواقع إلى جزئين، الأوّل يتجسّد في العوامل الخارجيّة الّتي تدخل إلى قلب الأسرة وتؤثّر على جميع أفرادها، فيما الثّاني يكمن في علاقة الزوج والزوجة وكلاهما مع الأولاد. بالتّالي يشرح أنّ العائلات المقيمة في لبنان تقع أمام تحدّيات خارجيّة عدّة بسبب الأزمات الإقتصاديّة والماليّة، الحجر الصحّي الّذي فرضه وباء كورونا وتداعياته، الوضع السياسي المتأزّم، الهجرة...، إضافةً إلى انفجار مرفأ بيروت الّذي عمّق جرح اللّبنانيّين وأدّى إلى تزعزع حال العائلة نفسيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا...

أضاف بو عبدو "عقب كارثة 4 آب/ أغسطس الّتي شكّلت ضربة قاضية على المجتمع اللّبناني، قمنا في مكتب رعويّة الزواج والعائلة في بكركي، بزيارة بعض العائلات في منازلها في بيروت حيث لمسنا مدى قسوة الواقع الّذي يواجهونه في ظلّ غياب تامّ للدولة، ما يؤدّي إلى زعزعة كيان الإستقرار النفسي والإجتماعي والعائلي".

من الناحية الداخليّة الّتي تتعلّق بالعلاقات بين الوالدين وأولادهما "نلاحظ تفاوت في فهم بعض المفاهيم كالحبّ، الجنس، التواصل والحوار..."، فالمهمّة التربويّة تُعتبر من أصعب الواجبات وأهمّ التحدّيات الأساسيّة، وفق ما وصف. كما "نشهد اليوم تغيّرات إجتماعيّة جديدة تنعكس على التغيّر الأنتروبولوجي للإنسان وتسهم بعضها في تغيير مفاهيم العائلة... فالأنتروبولوجيا تعتبر أنّ الله خلق الإنسان ذكرًا وأنثى على صورته ومثاله وأعطاهما مهمّة منذ البدء".

يتابع بو عبدو مشدّدًا على أنّ "العائلة هي المكان الوحيد للتربية على السّلام، حيث يتعلّم الفرد كيفيّة التعامل مع ذاته ومع الآخر بسلام وكذلك قبول الشخص المختلف، أفكاره ومواقفه، وبالتّالي تحقيق الأهداف نفسها مع سائر أفراد المجتمع والعائلات، من أجل بناء مستقبل واعد...". إذًا، دور العائلة يكمن في تربية الأولاد على أساس العيش بأخوّة مع سائر الديانات وقبول الآخر كإنسان ومواطن وأخ.

أمّا الكنيسة فهي تقوم، حسب بو عبدو، بدور كبير في خدمة العائلة إجتماعيًّا وتربويًّا وماديًّا. أمّا التحضير للزواج مثلًا فأصبح في صلب أولويّات الكنيسة المارونيّة في إطار الخدمة الرعويّة، وكذلك تقوم الجماعات العائليّة الموجودة في بعض الرّعايا بمساندة الأسر ومرافقتها، إضافةً إلى برامج عدّة ينفّذها مكتب "الإصغاء والمرافقة" حيث يقوم المسؤولون بتهيئة مثل هذا المكتب في الأبرشيّات المارونيّة اللّبنانيّة، وتدريب أشخاص على الإصغاء والمرافقة للقيام بهذه المهام إلى جانب فريق من المتخصّصين. إذًا "الكنيسة تساعد لكنّها لا تحلّ مكان الدولة الّتي لا تقدّم أي خدمة".

من هنا تطرّق الأباتي إلى دور مكتب رعويّة الزواج والعائلة في بكركي، وكشف أنه "يضمّ متطوعين لّوجستيّين ومفكّرين وأشخاص يقدّمون وقتهم ودعمهم الفكري والعملي". وأضاف "عقب البحث واستشارة المحكمة الروحيّة الكنسيّة المارونيّة رأينا ضرورة العمل على تهيئة أشخاص من أجل تعزيز قدراتهم في مساندة العائلات في الأزمات النفسيّة والإجتماعيّة والصّعوبات". أمّا على صعيد الوساطة العائليّة فيقوم المكتب بدورات تدريب وسطاء وتخريجهم. كما "أنجزنا للمرّة الأولى كتاب باللّغة العربيّة تحت إسم ‘نحو مراكز إصغاء ومرافقة عائليّة’".


قدس الأب أثناسيوس شهوان:

الصّلاة في قلب العائلة تًشعر الطفل بأنّ منزله امتداد للكنيسة

4ecb3ab9-4b1c-4963-be18-ffc5635b0aef.jfif

انطلاقًا من علم الإجتماع تحدّث رئيس قسم الإنتاج في المركز الإنطاكيّ الأرثوذكسيّ للإعلام قدس الأب أثناسيوس شهوان عن العائلة حيث "تُعتبر الأسرة بمثابة مجتمع صغير يمتاز بالتواصل مع العالم الخارجي والـ inter communication". كما أشار إلى أنّ "كلّ عصر له أمراضه وتحدّياته، أمّا العلاج الوحيد يكمن في الإتّحاد بالرّبّ يسوع المسيح". ويتابع "عندما يتّحِد الإنسان كفرد بالمسيح يحصل على تواصل ثلاثيّ، مع الله، الّذي يتجسّد بالتواصل مع الآخر ونفسه".

التحدّي الأكبر في عصر الإتّصال برأي شهوان هو فقدان الإتّصال بسبب الإنغلاق على النفس شارحًا أنّه لدى انقطاع التواصل مع الرّبّ "نفتقد إلى الإنفتاح على الآخر ونرفض التواصل معه". من هنا يستنتج أنّ ما ينطبق على الفرد ينطبق أيضًا على العائلة، مشدّدًا على ضرورة إعادة التواصل مع الله، لنعكس ذلك بالتّالي على علاقتنا بعضنا ببعض ومع أنفسنا.

أمّا التربية فيتلقّاها الطفل عبر أُطرٍّ عدّة، وفق ما شرح الأب شهوان. من جهّة في المدرسة والمنهج الأكاديمي، وفي الإختلاط الاجتماعي من خلال بناء روابط الصّداقة... ومن جهّة أخرى في المنزل عبر التنشئة الّتي يقدّمها الأهل. كلّ هذه العوامل يعيشها الطفل في عالم متطوّر من خلال الإنترنت وأجهزة الكومبيوتر والهواتف الخليويّة وشاشات التلفزيون... والّتي تسهم كلّها في بناء شخصيّته.

لكن ضبط كلّ هذه العوامل يتحقٌّق، بحسب الأب أثناسيوس في المعقل الأوّل أي العائلة، فـ"من الضروريّ أن يعيش الوالدين الحدّ الأدنى على الأقلّ من كلمة الله من خلال تصرّفاتهما وعلاقاتهما مع الآخر والأولاد. الّا أنّ العنصر الفردي يبدأ بالظّهور حين يفتقد أعضاء العائلة التواصل والحوار في ما بينهم نتيجة المتاعب الخارجيّة...". لذا يذكر أنّ "المسيحيّة تقوم على التجسّد وهذا يعني الحضور والإصغاء والإتّصال والتواصل؛ والصّلاة في قلب العائلة تبثّ نوعًا من الطمأنينة والهدوء الداخلي للأولاد". إذًا، للأهل دور مهمّ في الحضور والمرافقة والوعي والتشديد على معاني الصّداقة والأخوّة والعلاقة بالإنسان الآخر...

على صعيد الكنيسة يقول الأب شهوان "أنّه يقع على عاتقها دور في مرافقة العائلات وتنفيذ برامج توعية بمساعدة متخصّصين وأشخاص ذات خبرة. كما يقوم بعض الكهنة ببرامج رعائيّة، لقاءات، إرشادات... لتحقيق الأهداف المرجوّة". أمّا المركز الأنطاكي الأرثوذكسي للإعلام فله أيضًا مهام في هذا الإطار حيث يقوم بنشر الرّسائل والأفلام الصغيرة والموادّ... التي نتوجّه من خلالها إلى الأولاد وأهلهم وبالتّالي إلى العائلة، حيث تساعدهم في الحصول على إجابات عن أسئلتهم... إضافة إلى محاضرات شهريّة حول مواضيع ذات صلة؛ حيث " نلمس النتائج عبر تعليقات أو استفسارات شخصيّة، أو من خلال طلب بعض العائلات موادّ معيّنة...".

إذًا "من الضروريّ أن يشعر الطفل بأنّ منزله يشكّل امتدادًا للكنيسة الّتي تقوم أيضًا بدور المربّي إلى جانب الأهل، لنكون جميعنا بالتّالي مجتمعين تحت راية يسوع المسيح".


دائرة التواصل والعلاقات العامة

Previous
Previous

المناسبات الدينيّة والتفاعُل الإجتماعيّ

Next
Next

"صعد إلى السّماء وجلس عن يمين اللّه الآب"