المناسبات الدينيّة والتفاعُل الإجتماعيّ
د. ميشال أ. عبس
الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط
يحتفل العالم الإسلاميّ هذا الأسبوع بعيد الفطر وهو يأتي بعد صيام ثلاثينيّ طيلة شهر رمضان من التقويم الهجريّ.
في وجود مجتمعات متعدّدة الأديان – والعالم برُّمتِه أصبح هكذا - لا بدّ من أنّ يتفاعل أبناء مختلف الديانات مع أبناء مجتمعاتهم من الديانات الأخرى وذلك في سياق التفاعل الإجتماعيّ الذي أضحى القاعدة الأساس للإجتماع البشريّ.
في العلاقات الإجتماعيّة، ليس التفاعل دينيًّا بقدْرِ ما هو تفاعلٌ ثقافيٌ إجتماعيٌ تتصرّف بموجبه كلّ الجماعات الدينيّة التي تحيَا على مدى جغرافيّ واحد أو ضِمن كيان سياسيٍّ واحد.
هذا التفاعل لا بدّ أن يقرّب بين الناس، ليس على المستوى الدينيّ، الإيمانيّ، الماورائيّ، بلّ على مستوى التجليّات الإجتماعيّة - الثقافيّة لهذا الدين أو ذاك. في هذا السياق نجد أنّ عددًا كبيرًا جدًا من الأُسَر المُسلِمَة يُزيّن شجرة الميلاد ويشترك أبناء هذه العائلات باحتفالات الميلاد، لا بل يكونون السبّاقين إلى المعايدة، كما نرى كمّ مِن المسيحيّين يشارك في الإفطارات الرمضانيّة، لا بل يُقيمها ويدعو أصدقاءه أو زملاءه المُسلمين وغير المُسلمين إليها.
مع تصاعد إستخدام وسائل التواصل الإجتماعيّ، نَشهَدُ توسّعًا غير مسبوق لهذا المنحى في السلوك الإجتماعيّ والذي يعتبر سليمًا لا بلّ ضروريًا. لقد أصبح الناس يبتكرون في إيجاد أو توليف وسائل معايدة يعتمدونها لمعايدة من ليس من دينهم. في هذه الظاهرة تقدّم ملموس نحو علاقات إجتماعيّة صحيّة وواعدة. أمّا المعنى المخبّأ لهذا السلوك فهو التالي: أنا لست من دينك ولا أعتنق مذهبك لكنّي أحترِمُ ما تعتقد به وهأنذا أقوم بتهنئتك لأنّك صديقي أو جاري أو زميلي في العمل وأفرحُ لفرَحِك لأن بيننا مودّةً واحترامًا ومواطنة!
هذه هي القاعدة الحميدة للعلاقات بين الناس في المجتمعات المتعدّدة الأديان والإثنيّات والأعراق.
إنّ نسبة الهجرة والنزوح في العالم لن تترُك مجتمعًا واحدًا آحاديّ اللّون لا عرقيًّا ولا دينيًّا. ومصيرُ البشريّة أن تعيش مكوّناتِها مع بعضها البعض. إذا لم تصِل البشريّة إلى هذا النمط من التفاعل الإجتماعي القائم على الإشتراك في الحياة فإن ما ينتظرها هو مستقبل مطبوع بصراعات من كل الأنواع لا تُحمَد عُقباها بوجود أسلحة الدمار الشامل.
قد لا يعني الصوم الرمضاني الثلاثينيّ شيئًا للمسيحيّين على الصعيد الدينيّ، وقد لا يعني الصوم الأربعينيّ القياميّ شيئًا للمُسلمين، فتلك واجبات دينيّة لا تعني إلّا أبناء المُعتقَد، أمّا تمظهُرِها الإجتماعي فهو يتعدّى الحيِّز الدينيّ البحت وصولاً إلى الحيِّز الإجتماعيّ والثقافيّ.
أن يُعايد الإنسان مواطِنه أو صديقه أو زميله في العمل الذي ينتمي إلى دين آخر، فهذا أمرٌ لا يَمَسّ جوهر العقيدة الإيمانيّة للإنسان بل على العكس، فإنّه يُعطي عنها صورة جميلة للشريك في الوطن والمجتمع.
إنّ القبول بالفروقات الدينيّة هو تصرّفٌ راقٍ وكلُّ إناء ينضَحُ بما فيه. الأساس في كل ذلك أن يعلم كلُّ إنسان أنّ حدوده هي مَصلَحة الجماعة التي تعيش في وطن واحد وضمن دولة واحدة حيث يسود حكم القانون الذي يحدِّد الحيِّز الذي لا يمكن لأي إنسان تخطّيه. حدود كلّ إنسان هي السِلم الأهليّ والسلام الإجتماعي وما ينطبق على الوطن ينطبق على كلّ المعمورة.
إنّ هذا النمط من التصرّف يؤسّس لمجتمع سويّ، يتصاعد فيه التناضج الإجتماعي وازدهار الحياة وتسود فيه الإلفة بين الناس وتنتقل فيه النزاعات المجتمعيّة من الدينيّ أو العرقيّ ذات الطابع البدائي الغرائزي إلى نزاعات منطقيّة وعلميّة تتعلّق بمجالات تطوّر المجتمع مثل حماية البيئة مقابل مُفسديها، أو حسن توزيع الدخل القومي مقابل إستغلال ذوي الدخل المحدود، أو تطوّر المناهج الدراسيّة من أجل تحضيرٍ أفضل للمتخرّجين للولوج إلى سوق العمل وغيرها من مجالات النزاع البنّاء السليم.
يتطلّب بِناء المجتمع المتنوِّع ثقافيًّا أو إثنيًّا أو دينيًّا مسار تفاعل إجتماعيّ سَديد، على أنّ يترافق ذلك مع مناهج دراسيّة تحضِّر الفرد لأن يكون مواطنًا أفضل، لا يرى في مواطنه انتماءه الطائفيّ السياسيّ بل يرى قيَمَه وخدمته لمجتمعه وللإنسانيّة.