ذكرى الإبادة الأرمنيّة: تاريخ يدفعنا الى التفكير في وضع المسيحييّن في الشرق

أعلن الرئيس بايدن أن الإمبراطورية العثمانية ارتكبت إبادة جماعية، وقطعت هذه الخطوة العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة. قال: "في هذا اليوم من كلّ عام، نتذكّر حياة كلّ من ماتوا في الإبادة الأرمنيّة في العهد العثماني ونجدّد التزامنا بمنع حدوث مثل هذه …

أعلن الرئيس بايدن أن الإمبراطورية العثمانية ارتكبت إبادة جماعية، وقطعت هذه الخطوة العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة. قال: "في هذا اليوم من كلّ عام، نتذكّر حياة كلّ من ماتوا في الإبادة الأرمنيّة في العهد العثماني ونجدّد التزامنا بمنع حدوث مثل هذه الفظائع مرة أخرى". مصدر الصورة: CNN.

تقرير فؤاد قازان

ترجمة ماري يحشوشي

في 24 نيسان/ أبريل، يوم ذكرى الإبادة الجماعيّة للأرمن، إعترفت إدارة بايدن رسميًّا بالإبادة الأرمنيّة في عهد الإمبراطورية العثمانيّة على أنّها إبادة جماعيّة. أثار ذلك بالطبع غضب تركيا، فالرئيس بايدن هو أوّل رئيس أميركي يعترف بأن ما حدث أبعد من مجزرة إنما هو إبادة. فخلال الجزء الأوّل من القرن العشرين، قُتل نحو مليون ونصف مليون شخص تنفيذًا لجزء من مخطّط تطهير عرقي وضعه كبار القادة الأتراك حينذاك. وكان الجزء الآخر من الخطّة تهجير من بقي إلى مناطق أخرى من الإمبراطورية. هكذا أرغم حوالى 1.5 مليون من النساء والأطفال وكبار السّن من الشعب الأرمني على ترك بيوتهم والإنطلاق في مسيرة الموت في الصحراء السوريّة بلا طعام ولا ماء. ما أسفر عن تدمير أكثر من ألفيّ عام من الحضارة الأرمنيّة والمسيحيّة. وما زاد في عُمق المأساة طرد السريان والروم الأرثوذكس المسيحيين وتدمير الحضارة التي بنوها على يد المجرم نفسه وإنشاء دولة تركيّة عرقيّة موحّدة من دون أرمن ومسيحيّين من طوائف مختلفة.

صحيح أنّ الإمبراطورية العثمانيّة قد زالت، لكن آثار الفظائع التي ارتكبتها ما زال صداها يتردّد عبر التاريخ حتى اليوم. وعلى ضوء الذكرى 106 للإبادة الأرمنيّة قد يكون من المفيد إنعاش الذاكرة عبر عرضٍ مختصر لوضع المسيحيّين في الشرق الأوسط اليوم تبعًا لبعض الوقائع والأرقام.

تحذّر منظمة "المساعدة للكنيسة المحتاجة" Aid to Church in Need من إختفاء الوجود المسيحي في الشرق الأوسط في غضون 10 سنوات مع استمرار الإضطهاد والنزاع في تهديد وتشتيت المجتمعات المسيحيّة – وقد تكون هذه المدّة أقصر في الدول التي تشكّل محطّ نزاع مثل العر…

تحذّر منظمة "المساعدة للكنيسة المحتاجة" Aid to Church in Need من إختفاء الوجود المسيحي في الشرق الأوسط في غضون 10 سنوات مع استمرار الإضطهاد والنزاع في تهديد وتشتيت المجتمعات المسيحيّة – وقد تكون هذه المدّة أقصر في الدول التي تشكّل محطّ نزاع مثل العراق. مصدر الصورة: المساعدة للكنيسة المحتاجة.

خلال السنوات العشر الماضية، تشير الإحصاءات إلى إنخفاض عدد المسيحيّين في مختلف دول الشرق الأوسط، ففي العراق مثلًا، كان يعيش نحو 1.4 مليون مسيحي بحسب إحصاءات الحكومة العراقيّة لعام 1987. اليوم، يقدّر عدد المسيحييّن في العراق بين 200 و300 ألف شخص. أمّا في فلسطين، فيشكّل المسيحيّيون حوالى 1٪ من السكّان، 36% في لبنان و10% في سوريا. أمّا السبب الأساس لهذا التدهور فهو أن لدى المسيحيّين عمومًا معدلّات ولادات أقلّ ووضعهم الإقتصاديّ أفضل وبالتالي فإنّهم يتمتعّون بفرص أكبر لمغادرة بلدانهم غير المستقرّة. وهكذا يقرّر العديد من المسيحييّن الهجرة إلى الغرب حيث الثقافة المسيحيّة، بحثًا عن حياة أفضل. كما يخشى الكثيرون عودة ظهور حركات سياسيّة إسلاميّة متطرّفة كداعش مثلًا. فبالنسبة للمسيحيّين، إنّ هزيمة داعش لا تعني إنتهاء الإسلام المتطرِّف، ولا تزال الظروف الإجتماعيّة والإقتصاديّة والثقافيّة التي ولّدت داعش والجماعات المماثلة الأخرى قائمة.

في بلدان عدّة في المنطقة ، تجنح القوانين والممارسات السياسيّة إلى تقويض حقوق الإنسان الأساسيّة والمساواة  بين جميع المواطنين - وهو واقع يثقل كاهل المسيحييّن خصوصًا فقوانين التكفير الرائجة تستخدم لمحاكمة الأفراد بدلًا من الحرّيات الدينيّة الأساسيّة، لا سيما في المجتمعات المسيحيّة. وغالبًا ما يتعرّض المسيحيّيون - إلى جانب الأقليّات الدينيّة الأخرى وغير المؤمنين وحتى المسلمين العلمانييّن - للتهديد بالسجن بسبب أيّ تعليق سلبي ضد الإسلام أو التبشير بأديان أخرى في دول عدّة في الشرق الأوسط.

حتى بعد هزيمة داعش والجماعات المتطرّفة الأخرى، لا يزال المسيحيّيون يتعرّضون للإضطهاد. مصدر الصورة www.churchinneed.org.

حتى بعد هزيمة داعش والجماعات المتطرّفة الأخرى، لا يزال المسيحيّيون يتعرّضون للإضطهاد. مصدر الصورة www.churchinneed.org.

أمّا في البلدان التي تمتاز بأطر قانونيّة تهدف لتحقيق التوازن بين سكانها من طوائف مختلفة، فإنها تعاني من ضعف مؤسسّاتي. ففي المناطق الريفية في جنوب مصر، وهي منطقة معروفة في صعيد مصر، تسجّل حوادث خطف لمواطنين مسيحيّين من دون أن تتمكّن الشرطة والسلطات المعنيّة من حمايتهم، وذلك أمر يُقلِق المسيحيّين. في دول أخرى مثل سوريّا والعراق التي تشهد صراعًا شديدًا وحروبًا داخليّة، تُرِك المسيحيّيون عُرضة للخطر بشكل خاص.

ولعلّ أبرز التحدّيات التي تؤثر على الوجود المسيحي هي الإنقسامات الداخليّة بين الكنائس وضعف التنسيق بينها لحل قضايا محدّدة تؤثّر على مجتمعاتها. فالانقسام في بعض الكنائس بين القيادات ورجال الدين والعلمانيين حول توزيع واستخدام موارد الكنيسة وممتلكاتها، يؤدي إلى جدال وانقسام مستمرين. كما يشعر المواطنون المسيحيّيون العاديّون أنّ الكنائس لا تقدّم لهم المساعدات التي يحتاجونها، معتبرين أنّها ملزمة بذلك لما لها من ممتلكات وأوقاف.

يفيض الكلام حول هذا الموضوع لكثرة الدراسات والمعلومات حوله، إلّا أنّ البيانات المتاحة تشير إلى حقيقة واحدة: مسيحيّيو الشرق الأوسط في خطر. على الرغم من توقيع وثيقة الأخوّة الإنسانيّة للسلام العالمي والتعايش، وزيارة قداسة البابا فرنسيس إلى العراق، واعتراف الولايات المتحدة بالإبادة الأرمنيّة، وعلى الرغم من التدخّل العسكري الروسي لشلّ داعش، إنّ الوجود المسيحي في المنطقة في تراجع مستمرّ لأسباب كثيرة منها ما ذُكِر ومنها ما لم يتسنَ ذكره. فإذا لم تتجّه المؤسّسات المسكونيّة نحو التضامن، لن تكون النماذج الجديدة للإبادة الأرمنيّة /المسيحييّة مستبعدة.

دائرة التواصل والعلاقات العامة


المراجع:

- Savelsberg, J. J. Knowing About Genocide: Armenian Suffering and Epistemic Struggles. Oakland: University of California Press, 2021. DOI: https://doi.org/10.1525/luminos.99

- Amanda Ufheil-Somers "Iraqi Christians: A Primer," Middle East Report 267 (Summer 2013)

- Minority Rights Group International, World Directory of Minorities and Indigenous Peoples - Palestine : Christians, May 2018, available at: https://www.refworld.org/docid/49749cd12.html [accessed 27 April 2021]

Christians in Syria and the civil war, November 2014 https://www.researchgate.net/publication/279186094_Christians_in_Syria_and_the_civil_war

- Brian Katulis, Rudy deLeon, and John Craig , The Plight of Christians in the Middle East , Center For American Progress, March 2015,  https://cdn.americanprogress.org/wp-content/uploads/2015/03/ChristiansMiddleEast-report.pdf

Previous
Previous

"ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ"

Next
Next

مِن المشرق إلى العالم وفي السبت العظيم المقدّس