مِن المشرق إلى العالم وفي السبت العظيم المقدّس
نور المسيح يفيض في موعد إلهيّ تاريخي
ترى ماذا يحصُل في كنيسة القيامة؟
تقرير ايليا نصراللّه
"إستنيري إستنيري يا أورشليم الجديدة لأنّ مجد الرّبّ قد أشرق عليك..."، عبارات يتلوها وينشدها المؤمنون بفرح عظيم في سبت النّور، تتجسّد في ظاهرة إلهيّة منتظرة سنويًّا. أعجوبة ترسّخ الإيمان المسيحيّ وتنعشه، بحيث يفيض النّور البهيّ من مهد المسيحيّة، القدس وبالتّحديد من كنيسة القيامة؛ ليكون بداية فصح جديد من المشرق، الأرض الّتي ولد فيها المسيح وترعرع وقام من بيت الأموات إلى العالم أجمع، "فافرحي الآن وتهلّلي يا صهيون. وأنت يا نقيّة يا والدة الإله، إفرحي بقيامة ولدك".
أعجوبة النّور هذه تتحقّق في نفس المكان والتوقيت من كلّ سنة بحيث تصادف في سبت النّور الّذي يسبق أحد الفصح الشرقيّ. عادةً، تعجّ كنيسة القيامة بمئات المؤمنين من الطوائف كافّة، يأتون من مختلف أنحاء العالم للمشاركة في هذا الحدث الإلهيّ التاريخيّ مباشرةً من كنيسة القيامة حاملين الشموع بترقّب، الّا أنّ فيروس كورونا حال دون هذه المشاركة عام 2020. كما أنّ المؤمنين عمومًا والمسيحيّين خصوصًا حول العالم يبقون مسمّرين أمام الشاشات منتظرين انبثاق النّور المقدّس بشوق وابتهاج كبيرين.
أمّا بالنّسبة للتحضيرات الخاصّة بانبثاق هذا النّور في القدس فتبدأ في الصباح الباكر حيث تعمد السلطات الحاكمة إلى تفتيش القبر المقدّس لتثبت عدم وجود أي أداة أو مادّة قد تسمح بإشعال النّار، لتقوم بالتّالي السلطات المسؤولة بختم القبر بالشّمع والعسل حيث تطبع عليها الجهات الّتي تتشارك المسؤوليّة ختمها الخاصّ.
علمًا أنّه قد أُطلق على هذا اليوم المبارك إسم "سبت النّور" لأنّ السيّد المسيح أنار بقيامته كلّ الّذين عاشوا في الظّلمة ليحملهم من الموت واليأس إلى الحياة والرجاء، لا سيّما أنّ الكتاب المقدّس يشير إلى أنّ "الشّعب الجالس في الظلمة أبصر نورًا عظيمًا".
بحسب التقليد يدخل بطريرك الروم الأرثوذكس في المدينة المقدّسة وسائر أعمال فلسطين والأردن بزيّاح إلى كنيسة القيامة من المدخل الداخلي لكنيسة القدّيس يعقوب يرافقه لفيف من رؤساء الكهنة، والكهنة والشمامسة... وتقرع الأجراس حزنًا. عقب جلوس البطريرك على الكرسيّ البطريركيّ يُقدم إليه ممثّلو مختلف الكنائس كالأرمن والأقباط... ويقبّلوا يمينه كي يكون لهم أن يحصلوا على النّور المقدّس من يده. تجدر الإشارة أنّ قندلفت كنيسة القيامة يحمل إناء الزيت الّذي يبقى مشتعلًا خلال كلّ السنة الّا في هذا اليوم كي يستضيء من النّور المحيي.
بعدها يقوم البطريرك والمشاركون بتطواف على ثلاث دفعات حول القبر المقدّس حاملين الرايات والصلبان والمراوح. أمّا الدخول إلى القبر فيجري بعد التطواف بإجراءات معيّنة حيث يخلع البطريرك ملابسه الأسقفيّة الّا قميصه الأبيض ليقوم بعدها حاكم القدس ومدير الشرطة بتفتيشه للتأكّد أمام الحضور بأنّه لا يخبئ معه أي أداة تشعل النّار. على الأثر يسود الصّمت والترقّب في أرجاء الكنيسة ويدخل البطريرك إلى القبر حاملًا رزمةً من 33 شمعة مطفأة لتستنير بالنّور الإلهي. علمًا أنّ العدد 33 يرمز إلى عمر السيّد يسوع المسيح.
يروي غبطة البطريرك الأرثوذكسي على كرسي أورشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث أنّ داخل القبر يركع أمام الحجر المقدّس الّذي وضع عليه جسد المسيح ويصلّي بتقوى وخوف دون توقّف إلى حين حصول أعجوبة فيض النّور المقدّس من داخل هذا الحجر. ويصف أنّ النّور هذا يكون بدايةً أزرق اللّون لتتغيّر من ثمّ ألوانه، وهذا لا يمكن شرحه في ضمن العلم البشريّ، لا سيّما أنّ انبثاقه يكون أشبه بخروج الغيم من البحيرة، على حدّ تعبيره، أي كأنّه غيمة رطبة ولكنّه نور مقدّس. كما أنّ هذا النّور لا يحرق ويظهر كعمود منير تضاء منه الشّموع، بحيث يعطيه البطريرك ثيوفيلوس الثالث لبطريرك الأرمن والأقباط وجميع الحاضرين فور خروجه.
في هذا السياق، لا بدّ من الإشارة إلى أنّه تمّ ذكر حوادث فيض النّور المقدّس في أوائل القرن الميلادي الأوّل مع عدد من المؤلّفين، منهم القدّيسان يوحنّا الدمشقي وغريغوريوس النيصصي اللّذان شرحا أنّه بعد قيامة المسيح بسنة 34 ميلادي رأى الرّسول بطرس النّور المقدس في كنيسة القيامة. كما عرض رئيس دير في روسيا الأرشمندريت دانيال في مذكّراته الّتي دوّنها بين العامين 1106 و1107 ما شاهده عندما كان متواجدًا في القدس ووصف ما قام به البطريرك الأرثوذكسي داخل القبر وبعد انبثاق النور...
دائرة التواصل والعلاقات العامة
المراجع:
موقع جريدة الجمهوريّة: https://bit.ly/3np6Pvc
موقع د. جوزيف زيتون: https://bit.ly/32PmsD1
موقع قناة MTV اللّبنانيّة: https://bit.ly/3sQDI57