الشباب يعيدون بيروت الى الحياة
لم يكن شهر آب من سنة 2020 في لبنان كسائر الأشهر الّتي عاشها اللّبنانيّون، فمنذ 4 آب/ أغسطس 2020 تحوّلت بيروت إلى مدينة منكوبة ودفنت الأحلام تحت الرّدم والرماد. وودّعت العاصمة الفتيّة أبدًا أبطالها الشّباب، منهم من خلال مآتم مهيبة ومنهم في باحة المطار الحزينة. هكذا انتهى شهر آب/ أغسطس، على وقع دموع أمّهات احترقت قلوبهنّ على رحيل أبنائهنّ كل في طريق.
لكن، مع كلّ نهاية تلوح في الأفق بداية جديدة. ووسط كلّ هذه الأحداث الأليمة يبقى الأمل مصدر القوّة الوحيد للكثير من الشّباب الّذين اختاروا البقاء في وطنهم، بين أهلهم وأخوتهم المتألّمين. بيروت تستمدّ اليوم من كلّ شاب وشابة القوّة والرّجاء كي تقف شامخة من جديد.
لبّى شباب لبنان واجبهم الوطنيّ وأسرعوا إلى إغاثة بيروت كي تنهض من كبوتها، وذلك عبر منظّمات غير حكوميّة وجماعات شبابيّة منتسبين إليها أو انضمّوا إليها في هذا الوقت العصيب. إذْ، وبُعيد الإنفجار، امتلأت الشّوارع بالمتطوّعين الّذين هبّوا لانقاذ حبيبتهم بيروت وإزالة الرّكام وحطام الزجاج والخشب...، إضافةً إلى مساندة المتضرّرين معنويًّا وماديًّا من خلال نداءات وحملات جمع للتبرّعات. ومن بين هذه المجموعات حركات شبابيّة مسيحيّة تواصل مبادراتها ونشاطها التطوّعي.
إذْ، وبدعوة من مكتب رعويّة الشّبيبة في الدائرة البطريركيّة المارونيّة وضمن مبادرة "كلّنا بيروت"، شاركت شبيبة الأبرشيّات والحركات الرسوليّة والكشفيّة في الكنيسة المارونيّة بأعمال التطوّع في جميع المجالات كتنظيف الرّكام والبناء والرعاية الطبّية وغيرها، وذلك بالتّضامن والتّنسيق مع شبيبة كاريتاس ورعويّة الشّبيبة في أبرشيّة بيروت. كما أطلق مكتب رعويّة الشّبيبة وجمعيّة شباب الرّجاء بالاشتراك مع جامعة سيّدة اللّويزة ومبادرتها Bridging Hearts حملة جمع المواد العينيّة لدعم البيروتيين، متّخذين شعار "بتضامننا نشهد للرّجاء الكامن في قلوبنا". وتلبيةً لنداء غبطة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الرّاعي، اتّحدت شبيبة الكنيسة المارونيّة، يوم السّبت 8 آب/أغسطس 2020، بالصّوم والصّلاة على نيّة كلّ ضحايا الإنفجار.
بدورهم، تطوّع أعضاء أخويّات شبيبة العذراء في لبنان للقيام بمختلف الأعمال الإغاثيّة في المناطق المتضرّرة معتبرين أنّ كلّ فرد منهم يساهم بتغيير ما، وذلك كما يذكرون في أحد أناشيدهم "ما بيكفي تهتّم وتسأل، صدّق دورك رئيسي".
من جانبها، أطلقت حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة حملة جمع التبرّعات من خلال لائحة حسابات معتمدة من قِبَلها لتلقّي التحويلات الماليّة الداخليّة والخارجيّة. وتواصل هيئة الطوارئ الإجتماعيّة في الأمانة العامة للحركة نشاطها الإغاثي بالتّعاون مع المركز الصحيّ الإجتماعيّ في بيروت وأعضاء الحركة. إذْ، ساهم المتطوّعون من كافّة مراكز حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة في أعمال التنظيف ونقل الزجاج لإعادة تدويره، كما في ترميم وصيانة أضرار بعض المنازل من ناحية الألومينيوم والزجاج والخشب. وتفقّد الشّباب العائلات المحتاجة لتقديم الدعم المادي والمعنوي والطبيّ لها، واستطاعات هيئة الطوارئ تقديم مراكز سكنيّة مؤقّتة عدّة إلى عائلات فقدت منازلها. علاوةً على ذلك، نظّم مركز بيروت بالتّعاون مع اللّجنة الدوليّة للصّليب الأحمر ومستوصف حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة في بيروت جلسات دعم نفسي لمساعدة المواطنين على التّعامل مع هول الصّدمة والضغط النفسيّ.
بدوره، حرص مجلس كنائس الشرق الأوسط على مشاركة الشّباب في المبادرات الّتي أطلقها من أجل مواجهة تداعيات انفجار مرفأ بيروت، من خلال بناء منصّة عمل مسكوني شبابيّة. وإيمانًا بدورهم الفعّال في المجتمعات، عقدت دائرة الشؤون اللّاهوتيّة والعلاقات المسكونيّة، في 25 و26 آب/ أغسطس 2020، اجتماعين الكترونيين شارك فيهما شبّان وشابات ممثّلين كنائسهم لمناقشة هواجسهم وتطلّعاتهم، وطرح حلول من أجل التّعامل مع هذه الكارثة الّتي أصابت بيروت. على أن تستمرّ هذه اللّقاءات من أجل الوصول إلى الأهداف المرجوّة.
بعد مرور شهر على انفجار مرفأ بيروت، أسرعت المنظّمات والجماعات الشّبابيّة إلى العمل الميدانيّ حيث استطاع الشّباب عبرها إنهاء المراحل الأولى من عمليّة الإغاثة، لكنّ الأضرار كبيرة والعائلات المشرّدة كثيرة... فمن خلال أملهم ودورهم الرّيادي على الأرض تعهّد الشّباب أن يكون هدفهم الوحيد إعادة الحياة إلى أيقونة الشّرق. إذًا، لنبقى جميعًا في وطننا، متمسّكين بأرضنا، مساندين بعضنا بعضًا في هذه الظّروف الإستثنائية، بقسوتها فلا بدّ أنّ "يُشرق مِنَ الظُّلمَةِ نورٌ" (2 كو 4 : 6).