عظة غبطة البطريرك الكاردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي في الأحد السابع من زمن القيامة
تجدون في التّالي عظة غبطة البطريرك الكاردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، في الأحد السابع من زمن القيامة، يوم الأحد 12 أيّار/ مايو 2024، في الصرح البطريركي - بكركي، لبنان.
"الآن تمجّد إبن الإنسان، وتمجّد الله به" (يو13: 31).
1. هذه الكلمة قالها الربّ يسوع أثناء عشائه الفصحيّ الأخير مع تلاميذه، عندما ناول يهوذا الإسخريوطيّ لقمة، فخرج للحال لكي يسلمه لطالبي قتله، لقاء ثلاثين من الفضّة. فقال يسوع: "الآن تمجّد إبن الإنسان، وتمجّد الله به" (يو13: 31).
كان يعني أنّ الله تمجّد بيسوع الإبن الذي بفيضٍ من حبّه أطاع إرادة الآب، وحقّق تصميمه الخلاصيّ بموته على الصليب، لفداء البشريّة جمعاء. وكان يعني أنّ إبن الإنسان، الكلمة الإلهيّة المتجسّد، رمّم بإنسانيته المقدّسة صورة الله في كلّ إنسان ينفتح على نعمة الفداء. وهكذا يتمجّد الله بهذا الإنسان الجديد الذّي يحبّه على ما يقول القدّيس إيريناوس: "مجد الله الإنسان الحيّ".
إحتفلنا الخميس الماضي بعيد صعود ربّنا يسوع المسيح إلى السماء فتمجّدت بشريّته ومن خلالها تمجّدت بشريّتنا. ما يعني أنّه قدّم ترشيحنا للسماء، فبات علينا أن نسلك بموجب تعليمه ووصاياه من حبّنا له لكي نستحقّ المشاركة في مجد السماء. ولهذا ترك لنا وصيّة محبّة بعضنا بعضًا كما أحبّنا هو (يو 13: 34).
2. يسعدنا أن نحتفل معًا بهذه الليتورجيا الإلهيّة التي تحييها "جماعة إيمان ونور" وهي تقوم اليوم بحجٍّ إلى هذا الصرح البطريركيّ. وتقيم بعد القدّاس ساعة تسابيح.
تعنى جماعة "إيمان ونور" بمساعدة الأشخاص ذوي الإعاقات العقلية وعائلاتهم ليجدوا مكانهم في المجتمع وفي الكنيسة. كان هذا هو الهدف الأساسي لرحلة الحج إلى لورد في عيد الفصح 1971.
في تلك الرحلة التقويّة، خاف منهم أهالي المنطقة لأوّل وهلة معتقدين أن هؤلاء الأشخاص المجروحين بذكائهم سوف يؤذونهم. فأقفلوا المتاجر، وسيّرت الشرطة دورياتها في الشوارع. ولكن على عكس ذلك عاشت المنطقة يوماً مسيحياً حقيقياً بإيمان قوي. فعرف الجميع أن المجروح في ذكائه هو “على صورة الله”، وبالتالي له الحق في العيش الكريم من دون شفقة أو تخوف منه. وعند انتهاء الحج، شعرت هذه الجماعة بالحاجة إلى الإنتشار وبضرورة اللقاء باستمرار لتأمين الفرح لأولادهم وإعطائهم معنى لحياتهم. وكان بعد الزيارة أن تابعت الجماعات لقاءاتها ودُعيت باسم "إيمان ونور".
في سنة ١٩٧٥، استقبل القدّيس البابا بولس السادس جماعة "إيمان ونور" في كاتدرائية القديس بطرس، وقال لهم: "أنتم محبوبون من الله كما أنتم...، لكم مكان مختار في الكنيسة".
3. إنتشرت جماعات إيمان ونور وتوزّعت على أكثر من سبعين بلداً، تضم حاليا حوالي 1290 جماعة موزعة على 51 مقاطعة، في 86 دولة و 38 لغة مختلفة.
بدأت جماعات إيمان ونور في لبنان سنة 1980، وتوجد فيه حاليا مقاطعتان:
مقاطعة لبنان الجنوبي والأردن وتضم 6 أقاليم: الجنوب، البقاع، بيروت، المتن الجنوبي، المتن الشمالي والأردن. مرشد المقاطعة: الخوري طوني كرم، منسق المقاطعة: بشير قدسي وماري حيّار قدسي.
ومقاطعة لبنان الشمالي الغربي وأرمينيا وإيران وتضم 9 أقاليم: إيران، ارمينيا، المتن، المتن العالي، المتن الساحلي، كسروان العالي، الفتوح كسروان، سيدة البحار جبيل، وبشري. مرشد المقاطعة: الأب زكي صادر اليسوعي. منسق المقاطعة: جان القسيس. يضم لبنان حوالي 76 جماعة. كل جماعة تتكون من اربع اقطاب وهي: الأخوة والأهل والأصدقاء والمرشد.
4. ويطيب لي أن أرحّب بكم جميعًا، وأوجّه تحيّة خاصّة إلى عائلة المرحوم الوزير السابق سجعان قـزي الذّي ودّعناه منذ سنة، لكنّ ذكره حيّ في الخواطر والقلوب. وكان بالنسبة إلينا شخصيًّا مستشارًا ثقافيًّا وسياسيًّا غنيًّا بالمعرفة والإطلاع والوضوح في الرؤية. وهذا ما كان يظهر في افتتاحيّات الخميس من كلّ أسبوع في صحيفة النهار، وكان الجميع ينتظرونها للإستنارة بمعلوماته الواسعة ونظرته الثاقبة للأمور وقدرته في التحليل وجرأته في قول الحقيقة من دون مساومة أو مسايرة لأحد. نصلّي لراحة نفسه في هذه الذبيحة الإلهيّة، ونجدّد التعازي الحارّة لزوجته السيّدة داليا حليم بارود وابنتيه وشقيقيه وشقيقته وسائر ذويهم وأنسبائهم الكرام.
ونوجّه تحيّة خاصّة لعائلة الشهيد باسكال رشوان سليمان منسّق منطقة جبيل في القوّات اللبنانيّة الذي ودّعناه منذ شهر مع زوجته وابنته وابنيه ووالدته وشقيقيه وسائر أنسبائه وزملائه في حزب القوّات اللبنانيّة وأهالي ميفوق العزيزة وقضاء جبيل كلّه، وقد عمّ الحزن مختلف المناطق. نصلّي لراحة نفسه، وعزاء أسرته وجميع محبّيه ومعارفه الأحبّاء. في ذاك اليوم المملوء حزنًا، أعطت زوجته المهندسة الدكتورة ميشلين يوسف وهبة للجميع أمثولة في الإيمان والرجاء، إذ قالت: "نحن أبناء القيامة. المسيح قام ونحن أبناء الرجاء، وبه نصمد." ولن نتزعزع.
5. وفي هذا الأحد تحيي الكنيسة اليوم العالميّ الثامن والخمسين لوسائل التواصل الإجتماعيّ. وقد أسّسه القدّيس البابا بولس السادس سنة 1966. إعتاد البابوات على توجيه رسالة للمناسبة. وقد وجّه قداسة البابا فرنسيس كالعادة رسالة لهذه السنة بموضوع: "الذكاء الإصطناعيّ وحكمة القلب للتواصل البشريّ الكامل"، تحت عنوان كلمة من سفر الأمثال "فإنّ الحكمة تدخل قلبك" (أمثال 2: 10).
تتألّف الرسالة من أربع نقاط: 1) إنطلاقًا من القلب؛ 2) الفرصة والخطر؛ 3) ننمو في الإنسانيّة؛ 4) أسئلة لليوم وللغد.
6. نوجز أهمّ ما جاء في الرسالة. يُعتبر الذكاء الإصطناعيّ تطوّرًا كبيرًا أدّى إلى تغيير جذريّ في وسائل الإعلام والإتصالات، ومن خلالها في بعض أسس حياتنا الإجتماعيّة والإنسانيّة. هذا الأمر يضعنا أمام أسئلة جوهريّة وأساسيّة، هي:
- ما هو الإنسان؟ ما هو دوره؟ ما هي خصوصيّته؟ ما هو مستقبله؟
- أين يقف دور العقل في عصر الذكاء الإصطناعيّ؟
- هل يؤثّر هذا الذكاء غلى النموّ الثقافيّ، وعلى توجّه هذا النموّ نحو الخير؟…
هذه العظة نُشرت على صفحة البطريركيّة الأنطاكيّة السريانيّة المارونيّة على موقع فيسبوك، لقراءة المزيد إضغط هنا.