غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان يشارك في القدّاس الحبري الّذي احتفل به قداسة البابا فرنسيس، مرسيليا - فرنسا

في تمام الساعة الرابعة من بعد ظهر يوم السبت ٢٣ أيلول/ سبتمبر ٢٠٢٣، شارك غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، في القدّاس الحبري الّذي احتفل به قداسة البابا فرنسيس في استاديوم ملعب كرة القدم الكبير Stade Vélodrome، وذلك في ختام زيارته الرسوليّة إلى مدينة مرسيليا - فرنسا.

شارك في القدّاس أيضًا عدد من الكرادلة والمطارنة من فرنسا ومن مختلف الدول الأوروبيّة، وكذلك عدد من المطارنة ممثّلين الكنائس الكاثوليكيّة الشرقيّة، وعدد كبير من الكهنة والرهبان والراهبات، وجماهير غفيرة جدًّا من المؤمنين الّذين ملأوا مدرّجات الملعب وساحاته والساحات المحيطة، وقد زاد عددهم على سبعين ألف شخصًا.

ومن الكنيسة السريانيّة الكاثوليكيّة، شارك في القدّاس سيادة: مار ديونوسيوس أنطوان شهدا رئيس أساقفة حلب، ومار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد وأمين سرّ السينودس المقدّس، ومار اسحق جول بطرس مدير إكليريكيّة سيّدة النجاة البطريركيّة بدير الشرفة، لبنان، ومسؤول راعويّة الشبيبة، ومار يوليان يعقوب مراد رئيس أساقفة حمص وحماة والنبك، والمونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركيّة.

وشارك أيضًا في القدّاس فخامة رئيس الجمهورية الفرنسيّة إيمانويل ماكرون، وعمدة مدينة مرسيليا Benoit Payan، وعدد من المسؤولين المدنيّين الفرنسيّين.

وبعد الإنجيل المقدّس، ألقى قداسة البابا فرنسيس موعظة حثّ فيها المؤمنين على أن "نتذكّر على الدوام، حتّى في الكنيسة، أنّ اللّه هو علاقة، ويزورنا غالبًا من خلال اللّقاءات البشريّة، عندما نعرف كيف ننفتح على الآخر، عندما يكون هناك ارتكاض لحياة الأشخاص الّذين يمرّون بقربنا كلّ يوم، وعندما لا يبقى قلبنا فاترًا وغير مبالٍ إزاء جراح الأشخاص الأكثر هشاشة".

وأشار قداسته إلى أنّ "الملك داود، بعد أن أسّس مملكته، قرّر أن ينقل تابوت العهد إلى أورشليم. عندها، وبعد أن دعا الشعب، قام وانطلق لكي يحضر تابوت العهد، ثمّ، وخلال المسيرة كان يرقص أمامه مع الشعب، ويبتهج فرحًا بحضور الربّ. على خلفيّة هذا المشهد يخبرنا الإنجيلي لوقا عن زيارة مريم لنسيبتها أليصابات: في الواقع، قامت مريم أيضًا وانطلقت نحو منطقة أورشليم، وعندما دخلت بيت أليصابات، اعترف الطفل الّذي كانت تحمله في حشاها بوصول المسيح، فارتكض فرحًا، وبدأ يرقص كما فعل داود أمام تابوت العهد. لذلك يتمّ تقديم مريم كتابوت العهد الحقيقي، الّذي يُدخِل الربّ المتجسّد إلى العالم. إنّها العذراء الشابّة الّتي تذهب للقاء المرأة العجوز العاقر، وبما أنّها تحمل يسوع، تصبح علامة زيارةِ اللّه الّذي ينتصر على كلِّ عقم. إنّها الأمّ الّتي تصعد نحو جبال يهوذا، كي تقول لنا إنَّ اللّه ينطلق نحونا، ليبحث عنّا بمحبّته، ويجعلنا نبتهج فرحًا".

ولفت قداسته إلى أنّه "في هاتين المرأتين، مريم وأليصابات، تنكشف زيارة اللّه للبشريّة: إحداهما شابّة والأخرى مسنّة، إحداهما عذراء والأخرى عقيمة، لكنّ كلاهما حامل "بشكل مستحيل". هذا هو عمل اللّه في حياتنا: هو يجعل ممكنًا حتّى ما يبدو مستحيلًا، ويولِّد الحياة حتّى في العقم".

وتوجّه قداسته إلى الحاضرين بالقول: "لنسأل أنفسنا بصدق القلب: هل نؤمن بأنّ اللّه يعمل في حياتنا؟ هل نؤمن بأنّ الربّ، بطريقة خفيّة وغير متوقَّعة في كثير من الأحيان، يعمل في التاريخ، ويصنع العجائب، ويعمل أيضًا في مجتمعاتنا المطبوعة بالعلمانيّة الدنيويّة وبنوع من اللّامبالاة الدينيّة؟ هناك طريقة لكي نميِّز ما إذا كانت لدينا هذه الثقة في الربّ. يقول الإنجيل: فلمّا سمعت أليصابات سلام مريم، ارتكض الجنين في بطنها. هذه هي العلامة: ارتكض. إنَّ الّذي يؤمن، والّذي يصلّي، والّذي يقبل الربّ، يرتكض في الروح، ويشعر أنّ شيئًا ما يتحرّك في داخله، فيرقص فرحًا".

وتوقّف قداسته عند "ارتكاض الإيمان، فخبرة الإيمان تولِّد أوّلًا ارتكاضًا إزاء الحياة. الإرتكاض يعني أنّنا قد لُمِسنا من الداخل، وأن نشعر بارتعاش داخلي، وبأنّ شيئًا ما يتحرّك في قلبنا. إنّه عكس القلب الفاتر والبارد، والّذي يستقرّ في حياة هادئة، ويحبس نفسه في اللّامبالاة، وينغلق، ويتصلّب، ويصبح غير حسّاس تجاه كلّ شيء وكلّ شخص، حتّى تجاه التهميش المأساوي للحياة البشرية، والتي يتمُّ رفضها اليوم في العديد من الأشخاص الذين يهاجرون، وكذلك في العديد من الأطفال الذين لم يولدوا بعد، والعديد من المسنّين المتروكين. إنَّ القلب البارد والفاتر يجرّ الحياة قُدُمًا بشكل آلي، بدون شغف وبدون دوافع وبدون رغبة".

ونوّه قداسته إلى أنّه "يمكننا في مجتمعنا الأوروبي أن نمرض من جميع هذه الأمور: التهكّم، وخيبة الأمل، والإستسلام، وعدم اليقين، والشعور العام بالحزن. وقد أطلق عليها أحدهم إسم "أشكال الشغف الحزينة": إنّها حياة بدون ارتكاض. أمّا الّذي خُلِق للإيمان، فيعترف بحضور الربّ، مثل الطفل في حشا أليصابات. ويعترف بعمله في ازدهار الأيّام، وينال عيونًا جديدة كي ينظر إلى الواقع، ويرى يوميًّا، حتّى في وسط التعب والمشاكل والآلام، زيارة اللّه، ويشعر بأنّه يرافقه ويعضده".

وذكّر قداسته أنّ "مدننا الكبرى والعديد من الدول الأوروبيّة مثل فرنسا، الّتي تتعايش فيها ثقافات وأديان مختلفة، تشكّل تحدّيًا كبيرًا ضدّ سخط الفرديّة وضدّ الأنانيّة والإنغلاقات الّتي تنتج أشكال الوحدة والآلام. لنتعلّم من يسوع أن نتأثّر بالّذين يعيشون قربنا، ولنتعلّم منه، هو الّذي، إزاء الجموع المتعَبة والمُنهَكة، شعر بالشفقة وتأثّر، وأحسَّ بارتكاضات رحمة أمام الجسد الجريح للأشخاص الّذين كان يلتقي بهم"…

هذا الخبر نُشر على صفحة البطريركيّة السريانيّة الأنطاكيّة على موقع فيسبوك، لقراءة المزيد إضغط هنا.

Previous
Previous

السينوداليّة: المسؤوليّة الأولى

Next
Next

عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الرَّاعي في القدّاس الإلهي لمناسبة يوبيل الـ 50 على تأسيس الأبرشيّة المارونيّة في أستراليا