عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الرَّاعي في أحد الثالوث الأقدس

تجدون في التالي عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الرَّاعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، في أحد الثالوث الأقدس، يوم الأحد ٤ حزيران/ يونيو ٢٠٢٣، في الصرح البطريركي، بكركي - لبنان. كما تجدون ألبوم صور في أسفل النصّ.

"إذهبوا: تلمذوا، وعمّدوا، وعلّموا" (متى 28: 19-20)

1. ساعة صعد ربّنا يسوع المسيح إلى السماء، وختم رسالته على الأرض، سلّمها إلى رسله أساقفة العهد الجديد قائلًا: "كما أرسلني أبي، أرسلكم أنا أيضًا" (متّى 28: 18)، مانحًا إيّاهم سلطانًا مثلّثًا: الكرازة بكلمة اللّه، وتقديس النفوس بنعمة الأسرار، ورعاية المؤمنين بالمحبّة والحقيقة. ووعدهم بأنّه يكون "معهم جميع الأيّام، إلى انتهاء العالم" (متّى 28: 20). ما يعني أنّهم بإسمه وبشخصه يقومون برسالتهم المثلّثة، وأنّهم في حالة إرسال إلهيّ دائم: "إذهبوا: تلمذوا كلّ الأمم، وعمّدوهم بإسم الآب والإبن والروح القدس، وعلّموهم حفظ ما أوصيتكم به" (متّى 28: 19-20).

2. تحتفل الكنيسة اليوم بعيد الثالوث الأقدس، وهو ينبوع رسالتها. ويأتي العيد بعد إنجاز تصميم الله الخلاصيّ، الذّي أعدّه الله الآب، فأرسل ابنه الوحيد متجسّدًا لفداء البشر، وأرسل الروح القدس لتحقيق ثمار الفداء في كلّ مؤمن ومؤمنة (الستور العقائديّ في الكنيسة، 2-14). فانطلقت الكنيسة تبدأ رسالتها المثلّثة باسم الثالوث القدّوس، وتنهيها بمجده يومًا بعد يوم حتى نهاية الأزمنة.

عندما نقول "الكنيسة" نعني كلّ تراتبيّتها: الأساقفة والكهنة والشمامسة معاونيهم، بحكم الدرجة المقدّسة والرسامة، ونعني جميع المؤمنين والمؤمنات بحكم المعمودّية والميرون، بالإضافة إلى المكرّسين والمكرّسات بحكم النذور المقدّسة.

3. يسعدنا أن نحتفل معكم بعيد الثالوث الأقدس، أساس إيماننا. ويطيب لي أن أحييكم جميعًا، وأوجّه تحيّة خاصّة إلى عائلة عزيزنا المرحوم وفيق الكلّاب الذي ودّعناه بكثير من الأسى في جبيل العزيزة منذ حوالي شهر، مع زوجته السيّدة برت جوزف الكلّاب وابنه وابنته وسائر أنسبائه. إنّنا نصلّي لراحة نفسه، ولعزاء أسرته ومحبّيه.

ونحيي السيّدة دانيا حليم بارود زوجة عزيزنا المرحوم الوزير السابق سجعان ميلاد القزّي الذي ودّعناه بكثير من الأسى معها ومع ابنتيه وسائر أفراد العائلة منذ أقلّ من شهر في أدما والعقيبة. وكانت لوفاته موجة حزن واسعة في لبنان، وخاصّةً بالنسبة إلينا شخصيًّا وإلى الكرسيّ البطريركيّ. نصلّي لراحة نفسه وعزاء أسرته.

4. إيماننا بسرّ الثالوث الأقدس يعّلمنا أنّ الله الواحد في جوهره وطبيعته ليس منفردًا، بل هو مثلّث الأقانيم: آب وابن وروح قدس، ويتميّز الواحد عن الآخر لا في الطبيعة فإنّهم جوهر واحد، بل بالعلاقة الواحد بالآخر. فالإبن مولود أزليًّا من الآب وغير مخلوق كالشعاع من الشمس، والروح القدس منبثق من الآب بواسطة الإبن مثل نور الشمس وحرارتها. أفعال الثالوث القدّوس مشتركة، وهي الخلق والفداء والتقديس، ولكن كلّ واحد من الأشخاص الإلهيّة الثلاثة يقوم بالفعل الخاصّ به: الآب أنجز الخلق، والابن الفداء، والروح القدس التقديس. الثالوث الأقدس لا يعني إذًا ثلاثة آلهة، بل إلهًا واحدًا بثلاثة أقانيم. ونشبّهه بالشمس التي هي واحدة في كيانها، ولكنّها ثلاثة مترابطة ومتكاملة فنقول: المصدر (ونسميّه الآب) والشعاع (ونسميّه الإبن) والنور والحرارة (ونسمّيهما الروح القدس).

5. الثالوث الأقدس هو السرّ المحوريّ للإيمان المسيحيّ والحياة المسيحيّة، فهو المصدر والينبوع لكلّ أسرار الإيمان، والنور الذي يضيئها (التعليم المسيحيّ 234)، بحسب كلام الربّ يسوع: "عمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس" (متى 28: 19). وأصبح جزءًا من القدّاس الإلهيّ في افتتاح قسم الذبيحة المعروف بالنافور: "محبّة الله الآب؛ ونعمة الإبن الوحيد، وشركة الروح القدس وحلوله تكون معكم".

حدّدت المجامع المسكونيّة الأوّلى عقيدة الثالوث الأقدس باستعمال ثلاث لفظات (التعليم المسيحيّ، 252-255):

الأولى "الجوهر" أو "الطبيعة" للدلالة على الكائن الإلهيّ في وحدانيّته. فنقول الثالوث الواحد. نحن لا نؤمن بثلاثة آلهة بل بإله واحد في ثلاثة أقانيم، نؤمن بالثالوث المتساويّ في الجوهر.

الثانية، "الشخص" أو "الأقنوم" للدلالة على الآب والابن والروح القدس في تمايزهم الحقيقيّ الواحد عن الآخر، من جهة علاقاتهم الأصليّة: الآب هو المصدر الذي يلد ولا يخلق، والابن هو المولود، والروح القدس هو المنبثق. فنقول الوحدانيّة الإلهيّة ثالوث.

الثالثة، "العلاقة" للدلالة على أنّ واقع التمايز قائم في الارتباط بين الأشخاص: الآب مرتبط بالابن، والابن بالآب، والروح القدس بالإثنين، والجوهر واحد. وكلّ واحد منهم هو كلّه في الآخر كالمثلّث في الرياضيّات.

6. إنّنا نعبّر عن إيماننا بالثالوث الأقدس في إشارة الصليب. نبدأ بها كلّ عمل: "بإسم الآب والإبن والروح القدس" استلهامًا واستنجادًا واستنادًا؛ وننهي "بالمجد للآب والإبن والروح القدس" تمجيدًا وشكرًا وتسبيحًا. كم من مرّة رأينا مشاركين في ألعاب رياضيّة يرسمون إشارة الصليب عند بدء اللّعب، فضلًا عن آباء وأمّهات يرسمونها قبل بدء الطعام أو على أطفالهم قبل النوم، أو عند ذهاب رجالهم وأولادهم إلى الدرس أو العمل أو السفر؟ وكم شاهدنا من أطبّاء يرسمون إشارة الصليب قبل البدء بعمليّة جراحيّة.

كلّهم يفعلون ذلك لكي يستمدّوا من الثالوث القدّوس النور والحكمة والقوّة والنجاح في ما يفعلون. وهذا كافٍ لكي يتمّوا عملهم على أحسن حال…

هذه العظة نُشرت على صفحة البطريركيّة الأنطاكيّة السريانيّة المارونيّة على موقع فيسبوك، لقراءة المزيد إضغط هنا.

Previous
Previous

‎قداسة البطريرك مار إغناطيوس أفرام الثاني يحتفل بالقدّاس الإلهي لمناسبة عيد العنصرة في كاتدرائيّة مار جرجس البطريركيّة في باب توما، دمشق

Next
Next

غبطة البطريرك كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث يترأّس عيد القدّيسين قسطنطين وهيلانه في بطريركيّة الرّوم الأرثوذكس الأورشليميّة