رسالة قداسة البابا فرنسيس لمناسبة اليوم العالميّ التاسع والخمسين للصّلاة من أجل الدعوات ٢٠٢٢

رسالة قداسة البابا فرنسيس لمناسبة اليوم العالميّ التاسع والخمسين للصّلاة من أجل الدعوات ٢٠٢٢

"إنَّ نظرة اللّه هي على الدوام نظرة حبّ، تبلغنا وتَلمسنا، وتحرّرنا، وتحوِّلنا، وتجعلنا أشخاصًا جددًا" هذا ما كتبه قداسة البابا فرنسيس في رسالته لمناسبة اليوم العالميّ التاسع والخمسين للصّلاة من أجل الدعوات ٢٠٢٢.

تحت عنوان "مدعوّون لبناء العائلة البشريّة" صدرت ظهر يوم الخميس 5 أيّار/ مايو رسالة قداسة البابا فرنسيس لمناسبة اليوم العالميّ التاسع والخمسين للصّلاة من أجل الدعوات ٢٠٢٢ كتب فيها: "أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، فيما لا تزال رياح الحرب والقمع الباردة تعصف في زمننا ولا زلنا نشهد غالبًا ظواهر الاستقطاب، بدأنا ككنيسة مسيرة سينودسيّة: لأنّنا نشعر بالحاجة الملّحة إلى السير معًا من خلال تعزيز أبعاد الإصغاء والمشاركة والمقاسمة مع الآخرين. ومع جميع الرجال والنساء ذوي الإرادة الصالحة، نريد أن نساهم في بناء العائلة البشريّة، وأن نشفي جراحها ونوجِّهها نحو مستقبل أفضل. في هذا المنظور، وبمناسبة اليوم العالمي التاسع والخمسين للصّلاة من أجل الدعوات، أودّ أن أتأمّل معكم في المعنى الواسع "للدعوة"، في إطار كنيسة سينودسية تصغي إلى اللّه وإلى العالم".

تابع البابا فرنسيس يقول إنَّ المسيرة السينودسية، أي السير معًا، هي دعوة أساسيّة بالنسبة للكنيسة، وفي هذا الأفق فقط يمكننا أن نكتشف ونقيّم الدعوات والمواهب والخدمات المختلفة. في الوقت عينه، نحن نَعلَم أنّ الكنيسة قد وجِدت لكي تُبشِّر، فتخرج من ذاتها وتنثر بذرة الإنجيل في التاريخ. لذلك، فإنّ هذه الرّسالة ممكنة بالتّحديد بتضافر جهود جميع المجالات الرّعويّة، وقبل ذلك، بإشراك جميع تلاميذ الرّبّ. في الواقع، "بنعمة المعمودية التي نالها يُصبح كلّ عضو في شعب اللّه، تلميذًا مرسلًا. إنَّ كلّ مُعمَّد، مهما كانت وظيفته في الكنيسة، ومستوى تنشئته في الإيمان، هو رائد نشيط للبشارة". لكن علينا أن نتنبّه من العقليّة التي تفصل بين الكهنة والعلمانيّين، وتعتبر الكهنة رائدي الرّسالة والعلمانيّين مجرّد منفذين لها؛ كما علينا أن نسير قدمًا بالرّسالة المسيحيّة كشعب اللّه الواحد، علمانيّين ورعاة معًا. إنَّ الكنيسة بأسرها هي جماعة مبشِّرة.

أضاف الحبر الأعظم يقول لا يجب أن تُفهم كلمة "دعوة" بالمعنى الضيّق، الذي يشير فقط إلى الذين يتبعون الرّبّ يسوع في طريق تكرُّس خاصّ. جميعنا مدعوون لكي نشارك في رسالة المسيح في جمع البشريّة المشتّتة ومصالحتها مع اللّه. وبوجه عام، كلّ إنسان، حتى قبل أن يلتقيَ بالمسيح ويعانق الإيمان المسيحيّ، ينال مع عطية الحياة، دعوة أساسيّة: كلّ فرد منا هو خليقة، أرادها اللّه وأحبّها، وفكَّر اللّه فيها بشكل فريد وخاص، وهذه الشرارة الإلهيّة، التي تسكن في قلب كلّ رجل وكلّ امرأة، نحن مدعوون لكي ننميها خلال مسيرة حياتنا، ونساهم في تنمية بشريّة يحرِّكها الحبّ والقبول المتبادل. نحن مدعوون لكي نكون حراسًا لبعضنا البعض، ونبني أواصر التوافق والمقاسمة مع الآخرين، ونعتني بجراح الخليقة حتى لا يُدمَّرَ جمالها. باختصار، لكي نصبح عائلة واحدة في بيت الخليقة المشترك الرائع، في انسجام تنوّع عناصره. بهذا المعنى الواسع، نجد أن "الدعوة" ليست فقط للأفراد، بل هي أيضًا للشعوب والجماعات والمجموعات من مختلف الأنواع.

تابع الأب الأقدس يقول في هذه الدعوة المشتركة الكبرى، تندرج الدعوة الخاصة التي يوجّهها اللّه إلينا، إذ يبلُغُ حياتنا بحبّه ويوجّهها إلى هدفها النهائي، إلى ملء يذهب أبعد من عتبة الموت. هكذا أراد اللّه أن ينظر إلى حياتنا ولا يزال ينظر إليها. تُنسب إلى مايكل أنجلو بوناروتي هذه الكلمات: "كلّ صخرة في داخلها تمثال، ومهمّة النحات هي أن يكتشفه". إذا كانت هذه نظرة الفنان، فإنّ نظرة اللّه إلينا هي أكبر من ذلك بكثير: ففي فتاة الناصرة رأى والدة الإله؛ وفي صّياد السمك سمعان بن يونا رأى بطرس، الصّخرة التي سيَبني عليها كنيسته؛ وفي العشار لاوي رأى الرّسول والإنجيلي متى؛ وفي شاوول، الذي اضطهد المسيحيّين بشدّة، رأى بولس رسول الأمم. إنَّ نظرة اللّه هي على الدوام نظرة حبّ، تبلغنا وتَلمسنا، وتحرّرنا، وتحوِّلنا، وتجعلنا أشخاصًا جددًا. هذه هي ديناميكية كلّ دعوة: تبلغنا نظرة اللّه الذي يدعونا. وبالتالي فالدعوة، مثل القداسة، ليست خبرة استثنائيّة محفوظة لقليلين. كما توجد القداسة في الأشخاص الذين يعيشون بقربنا، كذلك الدعوة هي أيضًا للجميع، لأن اللّه ينظر إلى الجميع ويدعو الجميع.

أضاف قداسة البابا فرنسيس يقول مَثَلٌ من الشّرق الأقصى: "إنَّ الرجل الحكيم، إذ ينظر إلى البيضة، يعرف أن يرى فيها نسرًا؛ وينظر الى البذرة ويرى فيها شجرة كبيرة؛ وينظر إلى الخاطئ ويعرف أن يرى فيه قديسًا". هكذا ينظر اللّه إلينا: في كلّ فرد منا يرى اللّه إمكانيات، قد نجهلها أحيانًا، ويعمل طوال حياتنا بلا كلل لكي نتمكّن من أن نضعها في خدمة الخير العام. هكذا تُولَد الدعوة، بفضل فنِّ النحات الإلهيّ الذي يجعلنا "بيديه" نخرج من ذواتنا، لكي تظهر فينا التحفة التي نحن مدعوون لأن نكونها. إن كلمة اللّه التي تحرّرنا من الأنانيّة، هي قادرة على أن تطهرنا وتنيرنا وتخلقنا من جديد. لنُصغِ إذن إلى الكلمة، لكي ننفتح على الدعوة التي يوكلها اللّه إلينا! ولنتعلّم أيضًا أن نصغي إلى إخوتنا وأخواتنا في الإيمان، لأنّه في نصائحهم ومثالهم يمكنها أن تختبئ مبادرة اللّه، الذي يدلُّنا على دروب جديدة لكي نسلكها.

تابع الأب الأقدس يقول إنَّ نظرة اللّه المُحبّة والخَلّاقَة قد بلَغتنا بطريقة فريدة في يسوع. في حديثه عن الشّاب الغنيّ، يكتب مرقس الإنجيليّ: "حَدَّقَ إِليهِ يسوع فأَحبَّه". إنَّ نظرة يسوع هذه المليئة بالمحبّة تتوجّه إلى كلّ فرد منّا. أيّها الإخوة والأخوات، لنسمح لهذه النظرة بأن تلمسنا ولنسمح ليسوع بأن يحملنا أبعد من ذواتنا! ولنتعلّم أن ننظر أيضًا بعضنا إلى بعض، بطريقة تجعل الأشخاص الذين نعيش معهم ونلتقي بهم - أيًّا كانوا – يشعرون بأنّهم مقبولون ويكتشفون أنّ هناك شخص ينظر إليهم بمحبّة ويدعوهم إلى تطوير جميع إمكانيّاتهم. تتغيّر حياتنا عندما نقبل هذه النظرة. ويصبح كلّ شيء حوار دعوة، بيننا وبين الرّبّ، وإنما أيضًا بيننا وبين الآخرين. حوارٌ إذا عشناه بعمق، يجعلنا نصبح أكثر فأكثر ما نحن عليه: في الدّعوة إلى الكهنوت، لكي نكون أداة لنعمة المسيح ورحمته، في الدّعوة إلى الحياة المكرّسة، لكي نكون تسبيحًا لله ونبوءة بشريّة جديدة، في الدّعوة إلى الزّواج، لكي نكون عطيّة متبادلة ووالدِين ومربِّين للحياة. وبشكل عام، في كلّ دعوة وخدمة في الكنيسة، التي تدعونا لكي ننظر إلى الآخرين وإلى العالم بعَينَي اللّه، من أجل خدمة الخير ونشر المحبّة، بالأعمال والأقوال…

هذه الرسالة نُشر على موقع فاتيكان نيوز، لقراءة المزيد إضغط هنا.

Previous
Previous

غبطة البطريرك يوحنا العاشر يختتم زيارته الرعائيّة إلى أبرشيّة حماه بترأّسه القدّاس الإلهيّ في كنيسة القدّيس جاورجيوس، حماه، ويلتقي أسرة مكتب التعليم الدينيّ وعائلات الشّهداء بالمدينة ويؤكّد

Next
Next

غبطة البطريرك يوحنا العاشر أوّل بطريرك يتفقّد رعايا البياضية، البيضاء، دير ماما، عين حلاقيم، حزور، تين السبيل، برشين، في الريف الغربي لمحافظة حماه