عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي في قدّاس تجديد وتقديس البيعة
تجدون في التالي عظة غبطة بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي، في قدّاس تجديد وتقديس البيعة، يوم الأحد 7 تشرين الثّاني/ نوفمبر 2021 في بكركي، لبنان:
"طوبى لك يا سمعان بن يونا فإنّه لا لحم ولا دم أظهر لك ذلك، بل أبي الذي في السماوات" (متّى 16: 17)
1. تبدأ اليوم السنة الطقسيّة. ونفتتحها بإنجيل الإيمان بالمسيح وهو إيمان الكنيسة. وعليه بناها المسيح الربّ، كما على صخرة. فكما أعلن سمعان بطرس إيمانه في قيصريّة فيليبس، مجيبًا على سؤال يسوع عمّن هو بالنسبة إليهم، وكان مميّزًا، قال له يسوع: "طوبى لك يا سمعان بن يونا فإنّه لا لحم ولا دم أظهر لك ذلك، بل أبي الذي في السماوات. وأقول لك أيضًا أنت الصخرة، وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها" (متى 16: 17).
نلتمس اليوم من الله نعمة الإيمان في بداية هذه السنة الليتورجيّة، لكي نعيشها على هدي أنوار هذه العطيّة الإلهيّة التي بدونها نخطئ الطريق.
2. يسعدني أن أرحّب بكم جميعًا، وبخاصّة بأهالي موقوفي أحداث عين الرمانة المؤسفة. وأوجّه التحيّة لأولاد المرحومين صبحي ونديمة فخري اللذين قتلهما أمام دارتهما في بتدعي مجموعة من الأشرار في المنطقة، حاولوا سلب سيّارات أولاد المغدورين صباح الخامس عشر من تشرين الثاني 2014. وما زالت القضيّة عالقة أمام القضاء، فيما بعضٌ من أفراد المجموعة موقوفون، والأخرون فارّون من وجه العدالة. عدد المتّهمين 21 شخصًا. نأمل أن تتمكّن العدالة من إنهاء النظر في هذه الجريمة النكراء واتخاذ قرارها الجزائي الحاسم والنهائيّ. نقدّم هذه الذبيحة الإلهيّة لراحة نفسي الزوجين صبحي ونديمة فخري، وعزاء أولادهما وعائلاتهم.
3. كما أنّ في السنة الشمسيّة، تدور الأرض حول الشمس في أربعة فصول، لتستمدّ منها النور والحرارة الضروريّتين للحياة، كذلك في السنة الليتورجيّة، الكنيسة تدور حول المسيح شمسها، في فصول تُسمّى أزمنة، لتستمدّ منه نور الكلمة والإيمان، وحياة النعمة والتقديس، وقوّة الشهادة للمحبّة والحقيقة.
4. يحدّد قداسة البابا بندكتس السادس عشر الإيمان بأنّه "عطيّة من الله، نعمة منه، إلهام من الروح القدس الذي ينير عقل الإنسان، ويحرّك قلبه نحو الله، فيرى الحقيقة ويقبلها في عقله مقتنعًا بها، وفي قلبه محبًّا لها، ويُخضع إرادته لها عاملًا بموجبها.
"أنت هو المسيح ابن الله الحيّ". هذه هي الحقيقة التي ولّدتها النعمة عند سمعان بطرس. آمن على ضوئها، بأنّ يسوع هو المسيح المنتظر الذي تكلّم عنه الأنبياء، وأنّه ابن الله الذي صار إنسانًا ليكلّمنا عن الله، ويكشِف لنا وجهه.
5. إنّ محيط قيصريّة فيلبس أوحى صورًا من المكان وضّحت المعنى اللاهوتي في جواب سمعان-بطرس، وفي إعلان يسوع. فالمكان مؤلّف من صخور شاهقة ينتهي معها جبل حرمون، ومن تحتها ينبع نهر الأردنّ. ويوجد في سفح يمينها بقايا أثريّة من قصر قيصريّة فيلبس، ومن جهة الشمال بالمقابل بقايا أثريّة لهيكل الإله الوثني "بان" ومنه تسمّى المحلّة اليوم "بانياس".
إعلان بطرس "أنت المسيح ابن الله الحيّ" إقرار بأنّه حيّ إلى الأبد ولا ينتهي بالموت مثل فيليبس قيصر، وأنّه إله حيّ لا مثل "بان" الإله الحجر الذي اندثر.
كذلك جواب يسوع لسمعان مستمدّة صورته من المكان. فسمّى سمعان "صخرة" لا تضمحلّ، وأسّس الكنيسة كبيت على هذه الصخرة، وهي كنيسة أبديّة خلافًا لقصر فيليبس ولهيكل الإله الوثنيّ الحجريّ والمندثرين. ونهر الأردنّ النابع هناك هو علامة أنهار الحياة الجارية من الحمل المذبوح، كما جاء في رؤيا يوحنّا الرسول.
6. المؤمن الحقيقيّ، من أيّ دين كان، يرفع عقله وقلبه بالصلاة إلى الله ويستلهم نوره، لكي يحسن التصرّف، وتكون أعماله تمجيدًا لله. لو رفع المسؤولون في العالم والشعوب قلوبهم بالصلاة إلى الله لعملوا جاهدين من أجل تعزيز الأخوّة وإحلال السلام. وإنّا في المناسبة نهنّئ رئيس وزراء العراق السيد مصطفى الكاظمي بنجاته من محاولة الإغتيال. ونرجو للعراق العزيز وشعبه الإستقرار والأمان. ولو كان معطّلو الحكومة عندنا وبالتالي ممتهنو تعطيل المؤسّسات الدستوريّة، والحياة الإقتصاديّة، وإفقار الشعب، مؤمنين حقًّا بالله، لخافوه خوفًا مقدّسًا، وسارعو إلى مرضاته عبر تأمين خير الشعب كلّه، وعبر تعزيز المؤسّسات العامّة وتنشيطها. لكنّنا نرى العكس تمامًا، وبخاصّة عندما تبوء بالفشل جميع الوساطات الداخلية والخارجية، وتغلب كفّةُ التعطيل وإفقار المواطنين …
هذه العظة نُشرت على صفحة البطريركيّة الأنطاكيّة السريانيّة المارونيّة على موقع فيسبوك، لقراءة المزيد إضغط هنا.