السِجِّل ما زال مفتوحًا- متى يُقفل السِجِّل؟

في ذكرى الراعيين المخطوفين

د. ميشال أ. عبس

الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط 

إلى ثلاثة ملايين ونصف المليون من شهداء المسيحيين المستقيمي الرأي الأناضوليين يمكننا إضافة إسم: بولس يازجي، الراعي الشهيد،

إلى نصف المليون من شهداء المسيحيين السوريان يمكننا أيضًا إضافة إسم: يوحّنا إبراهيم، الراعي الشهيد ايضًا،

قد يكونان أحياء، ولكنّهما شهيدان أحياء إذ أيّ حياة لهما خلال أو بعد كلّ هذا الإحتجاز؟

بعد أن عجزت القوى الأرضيّة عن إنبائنا عن مصيرهما، هلاّ سألنا الفرقدان؟

أيّها النجمان العاليان المترّفعان، هل رأيتما راعيين إختفيا وهما يتفقّدان رعيتيهما؟

أنتما اللذان تهتدي بكما الناس، هل شهدتما ماذا حلّ بالراعيين؟

تاهت أخبارهما بين كذب ورياء ولامبالاة!

أضعناهما في زواريب السياسة المحليّة وبين مؤامرات السياسة الدوليّة وأطماع المستكبرين!

هل أرادا أن يكونا على صورة أبرشيّتيها المخطوفتين منذ عقود، غير معروفيّ المصير؟

إنّها لمرارة لا حدود لها، لا يستطيع احتمالها إلّا الراسخون في الإيمان.

عندما تتفكّك المجتمعات لا يستطيع الإنسان أن يعدّ ضحاياه وخسائره، وهذا ما حلّ بالمشرق الأنطاكي.

تفسّخ وتشرذم وتآمر؛ وأفضى الأمر إلى مسيحيّة مخطوفة تسكن في قلب التنين.

هل هذا نتيجة التسامح والمحبّة المتجذّرة في المسيحيّة؟

هل هذا نتيجة أنّنا أدرنا الخدّ الأيسر؟

هل هذا نتيجة ان "أغفر لهم يا أبتاه"؟

صدّقوني، إنّهم يدرون ما يفعلون!

إنّهم يفعلون ما يفعلونه عن سابق تصوّر وتصميم وسابق إصرار وترصُّد!

إذا قبلت أقلّ مما تستحق فسوف تحصل على أقلّ مما قبلت به. لا تنسوا هذه القاعدة.

كيف يمكن أن يختفي راعيين جليلين مُسالمين لمنطقة سِلمُها الأهليّ هو أحوج ما يكون إليهما ولا تتحرّك المعمورة لاستردادهما سالمين مكرّمين إلى أهلهما وناسهما؟

إلّا إذا كانت الرعيّة هي المقصودة عبر الرّاعي، وهكذا يبدو.

ليس جديد أن تكون الرعيّة هي المقصودة عبر راعيها.

"السيفو" المسلول لم يوفّر لا حياة ولا حضارة، وهو ما زال يقطر دمًا،

لو تستطيع الأرض اأن تنبينا عمّا في جوفها من بشر وحجر لأبكت الصخور،

لو يستطيع الفرقدان الشهادة لأخبرانا ما يكفي لصياغة معاجم،

لو استطاعا النطق لأخبرانا ملاحم من التضحية والشهادة،

لأخبرانا قصص الهلع والوجع،

لأخبرانا قصص قرى ومدن أُبيدت وقوافل من النزوح يقضي أكثرها على الطريق،

كلّه نتيجة تقاطع تفسّخ مجتمعي ومصالح دوليّة،

أصحاب المصالح الدوليّة هم أنفسهم من يملكون من تقنيات المراقبة والرصد ما يمكِّنهم أن يحصوا على الناس أنفاسهم، ألا يستطيعون إفادتنا عن مصير الراعيين؟

ولكن يبدو أنّ المطلوب هو الريبة، الغموض، التعمية،

هذه مشاعر منتجة في عالم المكائد والمؤامرات الذي يطبع ما نسميه المصالح الدوليّة،

هذه المشاعر تفعل فعلها في مخيّلة الناس فتحبطها وقد تفضي بها إلى المجهول،

وهذا هو المطلوب.

المطلوب أن نكون شهداء في أمّة شهيدة، نقدّم الذبيحة تلو الأخرى إلى ما لا نهاية.

المطلوب أن يبقى سجّل شهدائنا مفتوحًا.

أمس مرّت ذكرى قتل رئيس أساقفة القسطنطينيّة وبطريرك المسكونة غريغوريوس الخامس،

أمس ودّعت كنيسة الكرازة المرقسيّة في الإسكندرية القمص أرسانيوس وديد، وقبله كانت ذكرى شهداء طنطا والمرقسيّة والبطرسيّة... وفي كل يوم ذكرى لشهيد!

إلى متى سيبقى السِجِّل مفتوحًا؟

متى يُقفِل السِجِّل؟

Previous
Previous

مومنتوم أسبوعيّة إلكترونيّة من مجلس كنائس الشرق الأوسط

Next
Next

في ذكرى مرور 9 أعوام على خطف المطرانين يازجي وإبراهيم