الأسبوع العظيم المقدّس

رحلة توبة وصلاة من ظلمة الخطيئة إلى فرح القيامة

خاصّ: إعلام مجلس كنائس الشرق الأوسط

ها هو الأسبوع العظيم أو أسبوع الآلام يطلّ وشرقنا ما زال جريحًا متألّمًا ينتظر قيامة تنقذه من أحزانه. وها هم أبناء المنطقة يستعدّون لعيد الأعياد وموسم المواسم، ينتظرون بشوق فرح القيامة بقلوب مُفعمة بالإيمان والرجاء. وليس لهم سوى هذا الرجاء بالربّ يسوع الّذي منه يستمدّون كلّ قوّة وعزيمة في ظلّ التحدّيات الّتي تحيط بهم.

ولكن ما من تحدّيات تُهزم أمام قوّة الصلوات الّتي يترافق خلالها المؤمنون في مسيرة صوم وتأمّل تتوّج بإحدى أقدس المحطّات المسيحيّة: الأسبوع العظيم. وما أعظم هذا الأسبوع الّذي يحمل في ليتورجيّته صلوات وتقاليد تنقل المؤمنين من بحر الخطايا إلى ميناء الخلاص، ومن من ظلم الأيّام إلى فرح القيامة.

إحتفالات "الأسبوع العظيم المقدّس" أو "أسبوع الآلام الخلاصيّة" تجسّد أبرز الأحداث الخلاصيّة الّتي افتدانا من خلالها ربّ الأكوان بموته وقيامته. أسبوع يشدّد المؤمنين ويدفعهم إلى فحص الذات وتعميق توبتهم وتعزيز إيمانهم إستعدادًا لفصح المسيح.

 

ميناء الخلاص

يبدأ هذا الأسبوع مع رتبة "الوصول إلى الميناء" في الكنيسة المارونيّة، رتبة "النهيري" في الكنيسة السريانيّة، رتبة "العذارى العشر" في الكنيسة الكلدانيّة، و"صلاة الختن" في الكنيسة الأروذكسيّة.

تُعتبر هذه الرتبة بمثابة جسر ملكوتي ينقل المؤمنين من مسيرة الصوم إلى رحلة أسبوع الآلام، فالميناء هو أوّلًا المسيح ومن ثمّ الكنيسة الّتي تستمدّ منه شرعيّتها وسلطتها ودورها ورسالتها. يُحتفل بهذه الرتبة مساء أحد الشعانين، موعد وصول العريس كما جاء في مثل "العذارى الحكيمات" الّذي يحثّ على السهر والصلاة واكتناز "الزّيت" الّذي ينير المؤمنين ويدفعهم إلى لقاء المسيح.

صلاة الختن في الكنيسة الأرثوذكسيّة جاءت أيضًا تسميتها من مثل العذارى حيث يتكلّم المسيح عن عرس روحي يأتي فيه الختن أي العريس في نصف اللّيل وتكون بعض العذارى بانتظاره لاستقباله بالمصابيح، بينما تكون العذارى الأخريات غير جاهزات فيترُكن خارج وليمة العرس بحسب إنجيل متّى 25: 1-13.

وتُقام هذه الصلاة مساء الأحد، الاثنين والثلاثاء من الأسبوع العظيم حيث تركّز في قراءاتها على ثلاث نماذج تدعو الؤمنين إلى التوبة والاستعداد الداخلي للقاء المسيح، وهي يوسف وشجرة التين العقيمة، العشر عذارى، والمرأة الزانية.

 

شفاء النفس والجسد

أمّا يوم الأربعاء العظيم، فيتابع المؤمنون رحلتهم الخلاصيّة ويواصلون صلواتهم ومشاركتهم في الرتب الكنسيّة، حيث تُقام في هذا اليوم رتبة القنديل أو رتبة تبريك الزيت المقدّس. خلال هذه الخدمة، تُمسح جباه المؤمنين بالزيت المقدّس فيرسم الكاهن علامة الصليب عليها واضعًا يده على رؤؤسهم غفرانًا للخطايا وشفاءً لأمراض الجسد "لمغفرة الذنوب وترك الخطايا وصحة النفس والجسد". علمًا أنّ هذه الرتبة مرتبطة بسرّ مسحة المرضى أو الزيت المقدّس الّذي يُمشح به المرضى على رجاء شفاء النفس والجسد.

 

محبّة لامنتاهية

الخميس العظيم يحمل المؤمنين إلى السرّ الفصحي فيذكّرهم بساعات يسوع الأخيرة مع تلاميذه، وتسليمه ومحاكمته من قبل السلطات اليهوديّة والرومانيّة. تتمحور صلواته حول محبّة الربّ اللّامتناهية وتركّز على أحداث عديدة وهي عشاء الربّ الأخير مع تلاميذه، غسل الربّ لأرجل التلاميذ، صلاة الربّ في الجسمانيّة، وخيانة يهوذا.

يُسمّى هذا اليوم أيضًا خميس الأسرار، خميس الفصح، خميس العهد وخميس الغسل، وتتنوّع الرتب خلاله بحسب مختلف التقاليد الكنسيّة. يُحتفل به عبر تكريس الزيوت المقدّسة، وتقديس الميرون، غسل أرجل اثني عشر شخصًا يمثّلون الرسل الإثني عشر، وكذلك الإحتفال بالإفخارستيا، وخدمة قراءة أناجيل الآلام الاثني عشر. أمّا في بعض التقاليد الشعبيّة فيطوف المؤمنون على الكنائس للسجود أمام القربان المعروض ويزورون سبع كنائس كدلالة للمحطّات الّتي عبر فيها الربّ يسوع في طريقه من بستان الزيتون إلى الجلجلة.

 

من الآلام إلى القيامة

المحطّة التالية في رحلة الأسبوع العظيم هي يوم الجمعة العظيمة حيث تركّز الصلوات والتراتيل على الحزن والآلام والموت وتمجيد جسد المسيح وموته لخلاص البشريّة، ففي الكنائس الكاثوليكيّة تتمحور التراتيل حول فكرة الحزن وفي الكنيسة الأرثوذكسيّة فترسّخ التراتيل تمجيد آلام المسيح وخلاص البشريّة. وبحسب التقاليد الشعبيّة تقطف الأزهار في هذا اليوم ويتوجّه المؤمنون إلى الكنيسة لوضعها في نعش صغير يمثّل نعش المسيح، وترتدي السيّدات اللّون الأسود وتُدقّ أجراس الكنائس حزنًا لإقامة رتبة دفن المسيح.

ليتورجيًّا، تتميّز كلّ كنيسة برتبها وصلواتها فتحتفل الكنيسة المارونيّة مثلًا برتبة رسم الكأس، وهي بحسب المراجع رتبة مناولة بسيطة كان يُحتفل بها في زمن الصوم الأربعيني وتفرغ بعدها الكنيسة من القربان. هذا إضافةً إلى رتبة سجدة الصليب وتلاوة الأناجيل الأربعة مع تطواف بالنعش والسجود بالمطانيّات أمام الصليب، ومن ثمّ يتقدم المؤمنون للتبرّك من الصليب قبل أن يوضع في القبر المعدّ له داخل الكنيسة والمزيّن بالزهور.

أمّا في الكنيسة الأرثوذكسيّة فتُتلى في صبيحة الجمعة العظيمة خدمة "الساعات الملوكيّة"، وتليها صلاة الغروب الّتي تُسمّى أيضًا خدمة "الدفن" أو "إنزال المصلوب". في المساء، تُقام خدمة جنّاز المسيح وتذكار "دفن الجسد الإلهي ونزول ربّنا ومخلصنا إلى الجحيم". تتضمّن الخدمة مزامير السَحر، ترتيل "قانونًا" يتألّف من تسع أوديات تتمحور حول الجنازة إلى الغلبة على الموت، إضافةً إلى ترتيل تقاريظ الجمعة العظيمة.

 

ينتهي الأسبوع العظيم يوم سبت النور، عشيّة عيد الفصح، حيث يرفع المؤمنون صلواتهم وبفرح كبير تأكيدًا على أنّ نور المسيح أضاء ظلمات الجحيم "قم يا الله وأحكم في الأرض لأنَك ترث جميع الأمم!".

وجميع الأمم بانتظار نورك الأزليّ يا ربّ... هذا النور الّذي يمنحهم الأمان والطمأنينة بدفئ حنانك ومحبّتك، راجين أن تكون قيامتك المجيدة انطلاقة لقيامة مشرقنا الّذي يتوق إلى حياة كريمة تُتوّج بالسلام والعدل المرجوّين.

Previous
Previous

دائرة الدياكونيا والخدمة الإجتماعيّة، مكتب لبنان، في مجلس كنائس الشرق الأوسط تنفّذ جلسة توعية صحيّة لمجموعة من المراهقات 

Next
Next

الثلاثاء العظيم المقدّس