من الشرق الأوسط إلى ألمانيا

فادي الحلبي: "لا شيء عنّا من دوننا"

لنعمل على كسر الحواجز ولنعزّز الوعي العميق لمكانة ودور ذوي الإعاقة في الكنسيّة

الشرق الأوسط ما زال بعيدًا عن مفهوم الدمج بكلّ أبعاده!

الصورة: ألبين هيلرت/ مجلس الكنائس العالميّ

دائرة التواصل والعلاقات العامة، كارلسرو – ألمانيا

حقوقهم ليست مختلفة عن حقوق سائر المواطنين، ومشاركتهم الفعّالة ضروريّة في الحياة الروحيّة والإجتماعيّة والإقتصاديّة... الأشخاص ذوي الإعاقة هم ركن أساس في بناء المجتمعات وتطويرها، فلماذا يتعرّضون اليوم إلى الكثير من التهميش؟ سؤال مشروع والأسباب عدّة. الّا أنّ الأهمّ والأكيد أنّ مواهبهم تشكّل نعمًا يستطيعون عبرها زرع الأمل وسط اليأس والتحدّيات. وبعزيمتهم المستمرّة يتمكّنون من خرق جدار التمييز والتشديد على حضورهم ومكانتهم المميّزة في الكنيسة والمجتمع.

ألا يجب إذًا أن تكون الكنيسة أكثر شمولًا ودمجًا لكلّ هؤلاء مهما اختلفوا!. من هذا المنطلق، أطلق مجلس الكنائس العالميّ "شبكة المناصرة للإعاقة في العمل المسكونيّ" أو Ecumenical Disability Advocates Network (EDAN) خلال جمعيّته العامة الـ8، لتكون رؤية هذه الشبكة "كنيسة الجميع وللجميع، ومثالًا لمجتمع شامل بحقّ". وتهدف هذه الشبكة إلى تحسين سُبل عيش الأشخاص ذوي الإعاقة من خلال الدعوة إلى دمجهم ومشاركتهم الناشطة في الحياة الروحيّة والإجتماعيّة والإقتصاديّة والهيكليّة للكنيسة والمجتمع.

أمّا الشرق الأوسط فيبدو بعيدًا عن هذا الموضوع خصوصًا وأنّ كُثر من ذوي الإعاقة يعانون من تحدّيات كثيرة في الحياة الكنسيّة والإجتماعيّة في المنطقة. وما يزيد الطين بلّة هو تفاقم الأزمات المستفحلة الإقتصاديّة والإجتماعيّة والصحيّة والسياسيّة والأمنيّة... الّتي تثقل كاهلهم بشكل أكبر وتجعلهم من الفئات الأكثر ضعفًا. لكن للشرق الأوسط حضور في شبكة EDAN، وذلك من خلال مشاركة فادي الحلبي الفعّالة بها.

ويمكن القول أن فادي كان نجمًا في الجمعيّة العامة الـ11 لمجلس الكنائس العالميّ في كارلسروه، ألمانيا، عندما قدّم عرضًا راقصًا على كرسيه المتحرّك مع شريكته في الرقص كارن أبي نادر، دعا عبره إلى تحقيق العدالة وصون الكرامة الإنسانيّة من خلال عملية الدمج. فادي برفقة كرسيه المتحرّك أو صديقته الوفيّة، يسعى دائمًا إلى تغيير الفكر الشرقي والعالمي تجاه ذوي الإعاقة من أجل تحقيق مجتمع أكثر دمجًا للجميع، وقد شارك بشكل مؤثر في فعاليّات الجمعيّة العامة خصوصًا في الإجتماعات التمهيديّة لـ"شبكة المناصرة للإعاقة في العمل المسكونيّ" أو الـEDAN Pre-Assembly الّتي انعقدت قبيل الجمعيّة العامة حيث رفع هموم هؤلاء في الشرق الأوسط إلى العالم.

في مقابلة خاصّة لموقع مجلس كنائس الشرق الأوسط، على هامش الجمعيّة العامة لمجلس الكنائس العالميّ، يسلّط الحلبي الضوء على هذه الإجتماعات التمهيديّة وأبرز التوصيات الّتي تضمّنها البيان الختاميّ الصّادر عنها. كما يتحدّث عن واقع الأشخاص ذوي الإعاقة في الشرق الأوسط، متطرّقًا إلى سُبل دمجهم في الحياة الكنسيّة والإجتماعيّة.

 الصور: ألبين هيلرت/ مجلس الكنائس العالميّ

بدايةً، كيف تصف فعاليّات الإجتماعات التمهيديّة لـ"شبكة المناصرة للإعاقة في العمل المسكونيّ" EDAN؟ وما هي أبرز نقاط البيان الختاميّ الصّادر عنها؟

الإجتماعات التمهيديّة لـ"شبكة المناصرة للإعاقة في العمل المسكونيّ" EDAN

كانت هذه الإجتماعات التمهيديّة ناجحة خصوصًا أنّ كثر من ذوي الإعاقة شاركوا فيها من مختلف دول العالم. هذا وحضرت أيضًا إعاقات جديدة وللمرّة الأولى. وعلى سبيل المثال الأشخاص الصمّ الّذين كان حضورهم مهمًّا. علمًا أنّ الجمعيّة العامة قدّمت في جلساتها ترجمة خاصّة للصمّ كي يتمكّنوا من متابعة كلّ الفعاليّات، وهكذا تكون الجمعيّة العامة أكثر دمجًا من مؤتمرات سابقة. كذلك شمل الحضور شبيبة من ذوي الإعاقة حيث شاركوا بشكل كبير وكانت إسهاماتهم مهمّة جدًّا. نعتبر أنّ الشّباب سيصبحون في المستقبل المسؤولين في شبكة EDAN حيث سيسعون إلى تطويرها والعمل من أجل انخراطهم في كنائسهم ومجتمعاتهم أينما كانوا.

أمّا بالنسبة للتوصيات الصّادرة عن الإجتماعات التمهيديّة، فقد أصدرت EDAN بيانًا ختاميًّا ركّز بشكل كبير على تمثيل الشبكة في مجلس الكنائس العالميّ كي يكون لها حضورًا في مختلف اللّجان كاللّجان اللّاهوتيّة... ودورًا أكبر وفعّالًا في المؤتمرات والعمل المسكونيّ. ويُعتبر هذا العمل نموذجًا مهمًّا على صعيد تعاون الكنائس مع بعضها وكذلك تعاون الأشخاص معًا. كما تشكّل شبكة EDAN نموذجًا مهمًّا للعمل المسكونيّ وأيضًا مثلًا ومرجعًا يُحتذى به، لأنّها تضمّ أشخاصًا ذوي إعاقة من طوائف وعائلات كنسيّة عدّة أكانوا علمانيّين أو كهنة... ركّز البيان أيضًا على ضرورة تضمين مواضيع الإعاقة في برامج الكليّات اللّاهوتيّة للتوعية على سُبل التعامل مع هذا الموضوع بطريقة سليمة. كذلك أضاء البيان على أهميّة انخراط الأشخاص ذوي الإعاقة في حياة الكنيسة بشكل عام كي يسهموا في رسالتها ودورها في كلّ مكان.

 

ما هي الخطوات العمليّة الّتي تمكّن ذوي الإعاقة من المشاركة الفعليّة في القيادة الكنسيّة أو أخذ القرارات المتعلّقة بالكنائس والمؤسّسات التابعة لها؟

يتمثّل الشعار العالميّ لذوي الإعاقة في "لا شيء عنّا من دوننا". من هنا بات ضروريًّا على الكنائس في العالم والشرق الأوسط، بدءًا من الرعيّة الصّغيرة للمجالس الرعويّة للّجان وحتّى في البطريركيّات...، أن تشمل دائمًا ذوي الإعاقة في القرارات المتعلّقة بحياة الكنيسة والّتي تخصّهم بالدرجة الأولى. يجب أن تتحضّر كنائسنا كي تكون دامجة تبتعد عن كلّ أشكال التهميش للأشخاص ذوي الإعاقة كي يكون لهم حضورًا في حياة الرعيّة ومشاركة كاملة فيها.

تبدأ تلك الخطوات أوّلًا في تأمين بيئة هندسيّة سليمة تسمح لذوي الإعاقة بالوصول إلى الكنيسة وتغيير الفكر السائد. وذلك كي يُنظر بالتّالي إليهم كأشخاص متساويين مع الآخرين، حاضرين ومساهمين في حياة الكنيسة، لهم خبرتهم ومواهبهم الّتي تستطيع أن تغني حياة الكنيسة مثل الآخرين. من هنا لا بدّ من الدعوة للتغيير في طريقة التفكير وإشراك هؤلاء الأشخاص أينما كانوا، إن على المستوى الرعويّ الضيّق أو على مستوى أوسع. وبذلك يستطيعون أن يكونوا حاضرين في كلّ أنشطة الكنيسة وجزءًا من البرامج والخطط والإستراتيجيّات الموجودة.

من الضروريّ أيضًا أن تقدّم المعاهد والجامعات اللّاهوتيّة فرصًا لذوي الإعاقة كي نفهم بشكل أكبر لاهوت الإعاقة. في هذا الإطار، كان مجلس الكنائس العالميّ قد أصدر وثيقتين وهما "كنيسة الكلّ للكلّ" و"هبة الوجود" حيث بات مهمًّا الإرتكاز عليهما والتعمّق فيهما كي نفهم الإعاقة ولاهوتها.  

 

كيف يمكن تسهيل التحاق ذوي الإعاقة بالمعاهد اللّاهوتيّة؟  

من المهمّ أن نلبي طلبات ذوي الإعاقة إذا أرادوا دراسة اللّاهوت تماما كالآخرين أو حتى أن يصبحوا رهبانًا أو كهنة. في كنيستنا تمكّن البعض على الرّغم من إعاقتهم أن يقوموا بواجباتهم الرعويّة، ولكن غالبًا كان ذلك ممكنًا بعد رسامتهم كهنة. وعلى سبيل المثال نذكر الأب ميلاد في لبنان الّذي ينشط بشكل مهمّ في أماكن عدّة كجامعة الرّوح القدس الكاسليك والجنوب... من المهمّ أن نكسر كلّ الحواجز أكانت القانونيّة الموجودة في بعض النصوص أو الحواجز النفسيّة بالدرجة الأولى الّتي يمكن في أوقات عدّة الّا تسمح للأشخاص من متابعة دراستهم اللّاهوتيّة أو أن يكون لهم دعوة مسهّلة للتكرّس كرهبان أو كهنة...

 

ما هي برأيك الحلول للحدّ من التحدّيات الّتي يعاني منها ذوي الإعاقة جرّاء الأزمات المستفحلة والّتي تضعهم في خانة الفئات الأكثر ضعفًا؟

تطال الأزمات الّتي يعاني منها لبنان ودول عربيّة عدّة جميع الناس ولكن لها تداعيات أكثر سلبًا على ذوي الإعاقة، ففي فترة تفشّي جائحة كورونا عانوا من عزلة كبيرة، من حرمان للوصول إلى المعلومات، ومن المساعدة الطبيّة. انعكست عليهم الأزمات بشكل كبير واليوم تأتي الأزمة الإقتصاديّة لتزيد من نسبة انطوائهم وتعثّر وصولهم للتعليم أو العمل أو الخدمات الصحيّة وكلّ الخدمات الّتي تسهلّ عليهم سُبل العيش بالطريقة الّتي يُفترض أن تكون. بات ضروريًّا تعاون الكنائس لكن لا بدّ أيضًا من تعاون الدولة والقطاعين العام والخاصّ. وذلك كي نتمكّن بقدر المستطاع خلال هذه المحنة الّتي يمرّ بها لبنان مثلًا من تأمين مقوّمات الصّمود من جهّة والمقوّمات الّتي تسمح لذوي الإعاقة من الإنخراط شيئًا فشيئًا في المجتمعات والعيش كالآخرين عبر صون حقوقهم الأساسيّة وتأمين حاجاتهم الضروريّة. 

 

 الصور: ألبين هيلرت/ مجلس الكنائس العالميّ

ما هو دور الكنيسة اليوم في مرافقة ذوي الإعاقة؟ وما هي أهميّة مشاركتهم في العمل المسكونيّ؟

بالنسبة لي ولمرافقة ذوي الإعاقة، لا بدّ من أن يكون للكهنة والرهبان والمسؤولين الكنسيّين العلمانيّين الوعي العميق لمكانة ودور هؤلاء، وبالتّالي فهم تحدّياتهم بعيدًا عن أي نظرة مبنيّة على الشّفقة. لذا من الضروريّ أن يتمّ تنفيذ التدريبات اللّازمة من أجل تعزيز الوعي ومعرفة كيفيّة مرافقة ذوي الإعاقة. وكذلك مساعدة الأهل على الإستعداد نفسيًّا وعمليًّا في مرافقة أبنائهم من ذوي الإعاقة، مع الأدوات والمنطق والروحيّة المناسبين، وهذه مسيرة تُنفّذ معهم على مستوى الرعيّة والمؤسّسات الكنسيّة.

 

ما هو واقع ذوي الإعاقة في الشرق الأوسط؟ وهل من مبادرات تطويرية؟

يتغيّر واقع ذوي الإعاقة في الشرق الأوسط بحسب الدول. لذا نجد أن بعضها يصنّف أوضاعهم بالصّعبة حيث يوضعون ضمن الفئات الأكثر تهميشًا. على سبيل المثال، تبلغ نسبة ذوي الإعاقة والّذين حصلوا على شهادة جامعيّة في لبنان حوالي 2.2% من أصل 120 ألف شخص. وكذلك تبلغ نسبة ذوي الإعاقة مع شهادة مدرسيّة ثانويّة 2.9%. وهذا ما يدلّ على واقع التهميش الكبير الّذي يعانون منه إن في لبنان أو حتّى في دول عربيّة أخرى مثل سوريا والعراق وفلسطين...

من جهّة أخرى، استطاعت بعض الدول العمل على تطوير ظروف ذوي الإعاقة من خلال عمليّة الدمج، خصوصًا في دول الخليج الّتي تملك موارد تسمح لها بوضع نظم وقوانين لمساعدة هؤلاء على الإنخراط بشكل أكبر في المجتمع. الّا أنّ الواقع بشكل عام في الشرق الأوسط ما زال بعيدًا عن مفهوم الدمج بكلّ أبعاده مقارنة بالدول الأوروبيّة أو الولايات المتّحدة الأميركيّة وغيرها من البلدان...

 الصور: ألبين هيلرت/ مجلس الكنائس العالميّ

وختم فادي الحلبي مضيئًا على معاهدة حقوق ذوي الإعاقة أوThe Convention for the Rights of Persons with Disabilities (CRPD). يقول "كان لبنان قد وقّع عليها منذ حوالي الشهرين وللمرّة الأولى كدولة عربيّة وذلك لأسباب سياسيّة ليس لها علاقة بمضمون المعاهدة. تشكّل المعاهدة المظلّة الكبيرة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة حيث تُبنى على أساسها التشريعات الوطنيّة الّتي تأخذ بعين الإعتبار كلّ جوانب حياة ذوي الإعاقة أكانت تربويّة أو لها علاقة بإمكانيّة الوصول إلى الخدمات، أو العمل، أو الحقوق السياسيّة أو الإجتماعيّة، أو خدمات التكنولوجيا. تغطّي هذه المعاهدة كلّ هذه الشّؤون وتسعى إلى تعزيز الوصول إلى مجتمع دامج يحترم ذوي الإعاقة على قدر من المساواة مع الآخرين".

Previous
Previous

بين العلمنة والمسيحية... سوء تفاهم

Next
Next

100 عام على حريق سميرنا