أسبوع الصّلاة من أجل وحدة المسيحيّين ينطلق مشرقيًّا في احتفال مسكونيّ من وسط بيروت

 أصحاب الغبطة الكاردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي، البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان والبطريرك يوسف العبسيّ:

الصّلاة والمحبّة أساسيّين في سبيل الوحدة المسيحيّة

تغطية | ايليا نصراللّه

يطلّ "أسبوع الصّلاة من أجل وحدة المسيحيّين" هذه السّنة حاملًا معه آلام وأحزان كثيرة تعبّر عن واقع مسيحيّ بات ضحيّة العولمة والتطرّف وخطاب الكراهيّة. لكن ثُمانيّة صلاة تنطلق حاملةً معها جرعة من الرّجاء والأخوّة والأمل. أسبوع صلاة بين 18 و25 كانون الثّاني/ يناير، يتّحد فيه المسيحيّون قلبًا وروحًا كما جرت العادة سنويًّا، رافعين صلواتهم، مرنّمين ومتضرّعين إلى الرّبّ يسوع من أجل هذه الوحدة الّتي سُلبت منهم على مرّ التاريخ.

إلّا أنّ المشرقيّين ما زالوا متمسّكين بأملهم وسط كلّ الأزمات والنّزاعات الّتي تحيط بهم. وفي أسبوع يُعتبر من أسمى المحطّات المسيحيّة العالميّة والتاريخيّة، عزم مشرقنا الجريح على إيصال رسالة قلبيّة إلى كلّ العالم. رسالة شعارها الرّجاء في ظلّ اليأس، والإيمان في خضمّ الأمجاد العابرة والنّور وسط الظّلام...

"أسبوع الصّلاة من أجل وحدة المسيحيّين" 2022 حمل الرّسالة بعنوان "رأينا نَجمَه في المَشْرق، فَجِئنا لِنَسجُدَ لَه" (مت ٢: ٢). من المشرق، مهد المسيحيّة، قاد نجم الميلاد المجوس في طريقهم ليشهدوا على ولادة مخلّص العالم. لكن هل كان يعلم النجم أنّ نقطة إنطلاقه أصبحت من أكثر المناطق تضرّرًا وعوزًا؟ وهل هي صدفة أن يعود نجم الميلاد اليوم ليكون نجم أسبوع الصّلاة في عصر يعيش فيه المسيحيّون أكثر من أي وقت مضى موجة من الإنقسامات والتشتّت؟

مجلس كنائس الشرق الأوسط أراد أن يكون عرّابًا لهذه الرّسالة فإختارها كموضوع لأسبوع الوحدة هذه السّنة ليعكس أبعادها من خلال إعداده لكتيّب الصّلاة العالميّ. وبهذه المهمّة الّتي أوكله بها المجلس الحبريّ لتعزيز الوحدة المسيحيّة يؤكّد مجلس كنائس الشرق الأوسط أنّه لا بدّ من أن يشرق نورًا بهيًّا ينقل المؤمنين الغارقين بيأسهم إلى شاطئ الرجاء.

 

بيروت تفتتح أسبوع الصّلاة

إحتفالات أسبوع الصّلاة هذه السّنة إفتُتحت مشرقيًّا مع الكنيسة الأرمنيّة الكاثوليكيّة في لبنان فأرادت من قلب بيروت الحزينة التأكيد على أهميّة التكاتف والتواصل وبناء الجسور بين جميع المسيحيّين في سبيل الوحدة المنشودة. إحتفال مسكونيّ شهدته كاتدرائيّة القدّيسَين الياس وغريغوريوس للأرمن الكاثوليك وسط بيروت يوم الأحد 16 كانون الثّاني/ يناير 2022 بدعوة من غبطة البطريرك رافائيل بدروس الحادي والعشرون ميناسيان بطريرك كيليكيا للأرمن الكاثوليك.

إحتفال كنسيّ تكلّل بحضور غبطة البطريرك الكاردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي وغبطة البطريرك يوسف العبسيّ بطريرك الرّوم الملكيّين الكاثوليك، إلى جانب جمع من المطارنة والكهنة والإكليروس ممثّلين مختلف العائلات الكنسيّة.

رُفعت الصّلوات بخشوع وتواضع كبيرين، صلوات نقلتنا والمشاركين إلى رحلة مفعمة بالرّجاء وكأنّ الإحتفال بات عرسًا سماويًّا زيّنته أصوات ملائكيّة أرمنيّة تابعة لجوقة الكاتدرائيّة. أُنشدت الترانيم ممجّدة الخالق ورافقت الصّلوات والمعزوفات الكلاسيكيّة الّتي قدّمتها مجموعة من موسيقيّي الكاتدرائيّة. كلّها عناصر إلهيّة تفصل المؤمن عن عالمه الخارجيّ المضطرب.

ووسط كلّ هذا الفرح المسكونيّ السّماويّ نتساءل ما هي أهميّة الصّلاة من أجل هذه الوحدة؟ وكيف ستتحقّق الوحدة المسيحيّة؟ أسئلة كان لا بدّ من طرحها في نهاية الإحتفال على أصحاب الغبطة البطريرك ميناسيان، البطريرك الرَّاعي، والبطريرك يونان، الّذين أكّدوا لموقع مجلس كنائس الشرق الأوسط على أهميّة المواظبة على الصّلاة خلال كلّ أيّام السّنة والتحلّي بالمحبّة وطول الأناة لأنّ الوحدة آتية يومًا ولو إستغرقت رحلتها وقتًا طويلًا.

 

غبطة البطريرك ميناسيان: الصّلاة سلاح لا يُقهر

صاحب الغبطة البطريرك ميناسيان رأى أنّ "تمسّكنا بالأنانيّة الفرديّة والجماعيّة تبعدنا عن المسار السّليم الّذي علينا أن نسيره. كما أنّ لا يمكننا الوصول إلى وحدة الكنائس من دون الصّلاة فهي السّلاح الوحيد الّذي لا يُقهر. صحيح أنّ الرّبّ يسهّل الطريق نحو الوحدة الّتي أرادها لكنّ المفروض أن نتحلّى بإرادة صالحة لنقترب من هذه الوحدة بين كلّ الكنائس والطوائف". 

وكان غبطة البطريرك قد أكّد في كلمته خلال الإحتفال أنّه علينا اليوم "أن نفكّر بواقعيّة تامّة. علينا اليوم أن نخرج من هذه القعقعة الّتي في قلوبنا، ونأخذ نور مغارةَ بيت لحم، حيثُ وُلد المخلّص ونشر نور الخلاص مبشّرًا إبتداءً من الرّعاة حتّى المجوس وحتّى لنا نحن المعمّدون والمثبّتون بإنتمائنا للمسيح المخلّص، المسيح المولود في كلّ يوم وفي كل كنيسة في سرّ الأفخارستيّة... أنا مع التراث، ولكلّ كنيسة تراثها الخاصّ، ولكنّ الجميعَ مع بعضهم البعض يؤلّفون سمفونيّة متلائمة جميلة تمجّد الخالق".

 

غبطة الكاردينال الرَّاعي: مسألة الوحدة جرح في جسد المسيح

أمّا صاحب الغبطة البطريرك الكاردينال الرَّاعي فتطرّق إلى معاني "أسبوع الصّلاة من أجل وحدة المسيحيّين" معربًا عن سعادته بإفتتاح هذا الأسبوع من كاتدرائيّة القدّيسَين الياس وغريغوريوس للأرمن الكاثوليك.

وقال "خلال كلّ هذا الأسبوع نواصل صلاتنا لأنّ الرّبّ يسوع صلّى قبلنا من أجل وحدة المسيحيّين وأوصانا أن نحافظ عليها. وحدة المسيحيّين ليست موضوعًا موسميًّا بحيث نحتفل بأسبوع الصّلاة سنويًّا. كما أنّه ليس موضوعًا أكاديميًّا يرافقنا في المحاضرات. إنّما هو جرح كبير في جسد المسيح السرّيّ".

وأضاف "لذلك يُطلب منّا جميعنا كمسيحيّين أن نخرج من ذواتنا بروح التواضع كي نرى ما هي نقاط الخلاف لنعالجها بروح المسؤوليّة". وهذا يتطلّب "أن نتنازل عن مصالحنا وكبريائنا وأنانيّتنا وحساباتنا لنستطيع فعلًا تمجيد ربّنا بوحدة الجسد الّذي يشكّل الكنيسة".

ووصف غبطته "أسبوع الصّلاة من أجل وحدة المسيحيّين" بأنّه حدثًا ضميريًّا في حياتنا. الوحدة يحقّقها الرّوح القدس وذلك إن كان لدينا إرادة طيّبة وحسنة. لذا أطلب من الجميع أن ينضمّوا إلى الصّلاة معنا ومع جميع المسيحيّين في العالم".

 

غبطة البطريرك يونان: المحبّة المسيحيّة أساس الوحدة

صاحب الغبطة البطريرك يونان دعا من جهّته إلى الإلتزام بالمحبّة في سبيل الوحدة. وقال "صحيح أنّنا مجتمعون اليوم لكنّ الأهمّ يكمن في أنّنا نعيش المحبّة المسيحيّة الّتي تشكّل أساس الوحدة. لا يمكن للوحدة المنظورة إلّا أن تكون ثمرة الرّوح القدس لأنّنا في التاريخ أصبحنا كنائس متعدّدة لكن غير خلافيّة. نعبّر عن الإيمان نفسه بتقاليدنا وطقوسنا وثقافتنا ولغّاتنا. وعلينا أن نجعل دائمًا من المحبّة هدفًا لنا وأن نحاول إنعاشها بين المؤمنين والمؤمنات. لا تخافوا نحن واحدًا ونتّجه كلّنا نحو الرّبّ بقوّة الرّوح القدس".

 

من بيروت إلى العالم دعا رؤساء الكنائس إلى الصّلاة والعمل من أجل الوحدة الّتي أرادها الرّبّ يسوع المسيح، الّا أنّ تحقيق الوحدة هذه باتت لقسم من المسيحيّين مسألة بعيدة المنال، وذلك على الرّغم من كلّ المبادرات الجارية. لماذا إذًا نقع اليوم على آراء قد تزعزع المساعي في سبيل وحدة المسيحيّين وتعيق الطريق نحوها؟

لربّما يكمن الجواب في التنشئة المسكونيّة الّتي نفقدها اليوم. لذا يبقى دور المنابر الدينيّة والثّقافيّة والإعلاميّة... أساس في تعزيز الرّوح المسكونيّة والإضاءة على مفاهيمها لأنّ الوحدة لا تعني إنصهار الواحد بالآخر وإنّما التعرّف على غنى وتنوّع هذا الآخر لإن غنى المسيحيين يبقى في تنوّعهم.

دائرة التواصل والعلاقات العامة

Previous
Previous

إنّها صلاة من أجل الإنسان

Next
Next

مستجدّات فيروس كورونا كوفيد-19 في الشرق الأوسط