إنّها صلاة من أجل الإنسان

د. ميشال أ. عبس

الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط 

من قلب بيروت جئنا، من الكنيسة الأرمنيّة على اسم القدّيسين إيلياس وغريغوريوس، نُطلق أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيّين، ولم لا، وحدة الإنسان.

من قلب المنطقة التي شهدت تدمير لبنان وتقسيمه وشرذمته جئنا لنقول كلمة الكلمة المتجسّدة، فعل إيمان بالإنسان.

من هذه المنطقة التي شهدت كرًّا وفرًّا بين فئات متقاتلة، بلّ قُلّ بين دول متقاتلة، جئنا في هذا الليل المدلهِّم من تاريخ البشريّة لنقول كلمة طفل المغارة الذي على ثوبه إقترَع الجلّادون والقتلة، كما على ثوب لبنان والمشرق يحاولوا أن يقترعوا اليوم.

تمرّ الإنسانيّة اليوم بأكثر مراحل تاريخها حرجًا على الإطلاق: تهجير وتشرّد، بؤس واستغلال، فقر وجوع وأمّيّة متصاعدة وتلوّث بيئي ولم تنقص هذا المشهد سوى الجائحة التي أتت تتمّمه أو نتيجة له. ما الفرق؟ المهّم أن الجنس البشري مأزوم.

في هذا المشهد الدامي، المدمّي للضمائر والقلوب، تآلف المسيحيّون وتآزروا لكيّ يقيموا أسبوع صلاة لوحدتهم، منطلقة من المشرق، حيث تجسّد المخلّص وحيث كان النجم، المؤشّر والدليل على تلك اللّحظة الفريدة في التاريخ الإنسانيّ.

بين حاضرة الفاتيكان ومجلس الكنائس العالمي ومجلس كنائس الشرق الأوسط كان شعور بالوحدة يسكُن النفوس ويلهِم العقول، فكان ما كان من إنتاج موحَّد في الروحيّة، موَحِّد في المسار، وكان هذا الكتيّب الذي هو بين أيديكم باللغة العربيّة يُعتمد أساس الصلوات في عالمنا العربي، وفي لغات متعدّدة تعدُّد الحضارات والثقافات التي احتضنت العقيدة المسيحيّة وجعلتها دليلها في هذا العالم وفي ما يتعداه.

هذا الكتيّب هو ثمرة عمل دؤوب، قامت به مجموعة من المؤمنين المثقّفين والواعين ضرورة أن نكون واحدًا في المسيح، فكان أن أتى العمل شديد التماسك، عالي الإنسجام، يجسّد المسكونيّة التي لطالما نادينا بها مُذ وعيناها واعتمدناها مصهرًا لفروقات لا يمكن أن تنحدر إلى درك الإنقسامات.

يدُ الله مع الجماعة، يذهب القول الشعبي عندنا، فكيف إذا كانت هذه الجماعة مؤمنة وواعية لأهدافها ومقاصدها الكبرى في الحياة؟

رسالتنا في أسبوع الصلاة أنّ المشرق الذي شهد تجسّد السيّد والذي شهد الإنتشار الأوّل لرسالته، من أورشليم إلى أنطاكيا فغربًا، ومن بيث نهرين فشرقًا، ومن وادي النيل فغربًا، ثم إلى أقاصي المعمورة، رسالتنا أنّ هذه المنطقة، رغم الليل الطويل الذي تعيشه، ما زالت وستبقى نبع النور السماوي الذي لا ينضب.

نحن نجتمع باسمه كلّ يوم، لذلك هو بيننا ومعنا، يلهمنا سواء السبيل ويشدّ أزرنا ويعطينا الأمل بغدٍّ أفضل. هو يرشدنا إلى القرارات الصائبة في كلّ ما نقوم به في مجلس كنائس الشرق الأوسط، لا بلّ هو حاضر في كلّ قرار نتخذه وفي كلّ منحى ننتهجه وفي كلّ إتجاه نسير نحوه. هو الذي ينير لنا الطريق لاختيار الأساليب الفضلى لخدمة لاجئيه ومتعبيه وثقيلي أحماله. هو الذي يوصينا كلّ يوم بإخوته الصغار وهو الذي يذكّرنا في كلّ لحظة بضرورة المغفرة وبأن نحّب أعداءنا ونبارك لاعنينا ونحسن لمن أساء إلينا. هو الذي في سلوكه وسيرته علّمنا أنّ كرامة الإنسان تساوي وجوده وأن ليس عليه أن يستجدي الحقّ.

هنا لا بدّ لنا أن نعلن أن أحبار كنيسة المسيح همّ السند وهمّ العضد، يشكلون حجر الزاوية لكلّ ما نقوم به. همّ لم يبخلوا يومًا في تقديم وتسهيل كلّ ما نحتاج إليه. همّ يجعلوننا نشعر أننا في بيتنا وكنيستنا أينما وأنّى حلّلنا وهم بعدنا الذي نعوّل عليه في سعينا وراء إنجازاتنا.

إنّي، وباسم الزملاء العاملين في مجلس كنائس الشرق الأوسط دون كلل ولا ملل، أتوجّه إلى أحبار الكنيسة، في المشرق ووادي النيل وسائر مناطق الشرق الأوسط، الحاضرين منهم هَهنا والغائبين، بالشكر والإمتنان لكلّ الإحتضان والرعاية والدعم الذين يزّودوننا بهم، ونحن على عهد العمل المشترك سائرون. إنّ إنجازاتنا مدينة بجزء كبير منها لكم.

أمّا بالنسبة إلى الهيئات الدوليّة المسكونيّة منها والعلمانيّة، التنمويّة منها والإعلاميّة، فإنّنا أيضًا نتوجّه إليها بالشكر والإمتنان لكلّ الإهتمام الذي توليه لمنطقتنا ومشاكلنا وحاجاتنا. إنّ التناضج الذي حصل بيننا خلال عقود من الشراكة قد شكّل عروة وثقى لا يمكن تفكيكها.

أسبوع الصلاة من أجل الوحدة نقرأه صلاة محبّة لا تعرف الحدود وقبولاً بالتمايز لا يحتاج إلى التسامح وتقديرًا للتنوّع لا يعرف المداهنة.

أسبوع الصلاة من أجل الوحدة نقرأه توقًا نحو الذي قد لا يشبهنا، لا بلّ الذي قد يختلف عنّا كثيرًا.

أسبوع الصلاة من أجل الوحدة نفهمه وحدة الإنسان في المسيح!

 

ألقيت هذه الكلمة في افتتاح أسبوع الصلاة من أجل الوحدة

بيروت يوم 16/01/2022

Previous
Previous

معًا نتكاتف ونصلّي

Next
Next

أسبوع الصّلاة من أجل وحدة المسيحيّين ينطلق مشرقيًّا في احتفال مسكونيّ من وسط بيروت