لتبقى ملجأً للمنسيّين

دار مار الياس في حلب تنفض عنها غبار الحرب

هذا التقرير متوفّر أيضًا باللّغتين الإنكليزيّة والإسبانيّة.

1.JPG

تقرير لما حلاوة

تصوير إبراهيم ملحم

مكتب سوريا

يتجول جان، البالغ من العمر 68 عاماً، في أرجاء دار مار الياس للمسنين بمساعدة عكازه؛ يتفقّد المكان الذي غادره قبل نحو عشر سنوات هربًا من القذائف الصاروخيّة التي تساقطت بكثرة عليه خلال فترة الحرب في مدينة حلب. يجلس على الكرسيّ في ظل شجرة كبيرة مزروعة في ساحة الدار، ويبدأ بسرد ذكرياته مع المسنّين الذين كانوا يقيمون هنا، قبل أن يغادروا إلى دار أخرى بحثاً عن بيئة آمنة.

يخضع الدار اليوم لأعمال ترميم يقوم بها مجلس كنائس الشرق الأوسط بالتعاون مع هيئة "الكنائس معًا" في هولندا، وذلك ضمن برنامج ترميم وتأهيل المنشآت الكنسيّة والإجتماعيّة جراء الأزمة في سورية.

كانت دار مار الياس للمسنّين تضمّ نحو 20 مسنًّا قبل الحرب، وكانت حياتهم اليوميّة مؤمّنة بالكامل إلى جانب الرعاية الصحيّة من طبابة وأدوية. تأسّست هذه الدار في العام 1963، وكانت تعرف باسم "حوش المقطعين" أي بيت الأشخاص الذين لا يملكون بيتًا يأويهم ولا أسرة ترعاهم، قبل أن يتمّ تغيير اسم الدار إلى "دار مار الياس للمسنّين".

 

إرتفاع عدد العائلات المحتاجة إلى مأوى

يستذكر جان حياته في هذه الدار ويقول: "كنت الأصغر سنًّا بين المقيمين هنا، فكنت أساعدهم على قدر إستطاعتي، فأشتري لهم الخبز في الصباح ونلعب معًا طاولة الزهر ونجتمع لمشاهدة التلفاز... كانت حياتنا جميلة هنا. عندما بدأت الحرب خرجنا من هذه الدار إلى دار أخرى في مدينة أكثر أمنًا، لكن اليوم زاد عدد المسنّين كثيرًا في تلك الدار ولم يعد بإمكاني البقاء هناك، لذا أنا احتاج للعودة إلى هذه الدار لأنها أكبر وتتسّع لعدد لا بأس به من المسنّين".

جاء جان إلى دار مار الياس للمسنّين بعد أن توقّف عمله في مجال صناعة المجوهرات من الفضّة، المهنة التي ورثها عن والده، إذ ليس لديه أبناء يعيلونه ولا يملك بيتًا يسكن فيه مع زوجته. يعاني جان من التهاب مزمن في الأذن الوسطى لذا يحمل عكازًا يحميه من الوقوع إذا ما أصيب بالدوار فجأة.  

2.JPG

شهدت مدينة حلب الكثير من العنف والدمار خلال فترة الحرب، وتأثّرت أبنيتها كثيرًا وأجبر الناس على النزوح إلى مدن أكثر أمنًا سواءً داخل حلب أو خارجها. الكثير من الناس فقدو بيوتهم، ومنهم من فقد أيضًا أحبائه الذي استشهدوا في الحرب. وهناك عدد كبير من العائلات أجبر أبناءها على السفر تاركين خلفهم آباء وأمهات مسنّين لا يوجد من يقدّم لهما الرعاية التي يحتاجونها، الأمر الذي زاد من عدد المسنّين المحتاجين للإلتحاق بدار للرعاية، خصوصًا وأنّ كُثُر من هؤلاء بقيوا بلا مأوى بعد خسارة منازلهم.

متروبوليت حلب وتوابعها للسريان الكاثوليك، مار ديونوسيوس أنطوان شهدا حدثنا عن ذلك قائلاً: " ما جرى في حلب خلال الحرب أمر فظيع جدًا لا يمكن وصفه بالكلمات، ومناظر الدمار التي نشاهدها في مدينة تحكي عن تلك المرحلة المؤلمة. المناطق التي شهدت دمارًا كبيرًا أجبر أهلها على النزوح ومنهم من نزح داخليًّا ومنهم من هجّر إلى خارج البلاد. الحرب ظلمت أسرًا كثيرة، إذ أجبر الشباب على السفر لتأمين حياة أفضل بعيدًا عن الحرب تاركين خلفهم أبوين مسنّين يحتاجان إلى الرعاية والإهتمام، ونحن فكّرنا في حال هؤلاء الأشخاص، لذا نعمل على إعادة ترميم الدار وإضافة طابق آخر لزيادة القدرة الإستيعابيّة لتصل إلى نحو 50 شخص، مع تأمين كافة إحتياجاتهم، فسيكون هناك مصعد وكنيسة للصلاة".

أضاف، "قبل الحرب كان عدد العائلات في رعيتنا يصل إلى 1500 عائلة، لكن بعد الحرب أصبحوا 1100 عائلة، أي أنّ 400 عائلة هجّرت، كما أن 90% من العائلات التي بقيّت تحتاج إلى المساعدة. الكنيسة تقف إلى جانب كلّ المجتمع دون تمييز، وتقدّم المساعدات لكلّ الأسر المحتاجة من سلال غذائيّة وأدوية والمشتقات النفطيّة والمساعدة في العمليّات الجراحيّة، لتأمين حياة كريمة للعائلات التي بقيّت في حلب والتي تأثّرت بالحرب وخسرت كلّ ما تملِك".

أكّد المطران شهدا أنّ مار الياس كان حاميًا للدار التي تحمل اسمه طيلة فترة الحرب، فلم تدمّر الدار بالكامل، وإنما أصيبت بأضرار أقلّ من تلك التي أصابت حيّ السريان الجديد في حلب. بعض الأسطح تضعضعت وسقطت، وتعرّضت الدار للخراب جراء قذائف الهاون التي كانت تتساقط عليها، كما سرق كلّ الأثاث الموجود في الدار.

ختم المطران شهدا حديثه قائلاً: "أعمال الترميم تشجّع الناس على العودة، فإذا ما عادت الحياة إلى ما كانت عليه قبل الحرب، أيّ أنّ عجلة الإقتصاد عادت للدوران كما كانت، سيعود كلّ من غادر حلب. أشكر الإخوة في هولندا على المساعدات التي يرسلونها لنا سواءً أكانت من خلال أعمال الترميم أو مساعدات إغاثيّة للعائلات. أشكر المتبرّعين والمنظّمات التي تعمل معنا لأن مساعداتهم أنقذت آلاف العائلات في حلب...شكراً من القلب لهم ولكل المحسنين".

 

مستقبل أفضل يبنيه أبناء حلب

3.JPG

رازق، مدير دار مار الياس للمسنّين، يقول: "عدد المسنّين الذين يحتاجون إلى مأوى زاد بعد الحرب، لأنّهم فقدوا منازلهم وليس لديهم القدرة على دفع بدل الإيجار، لذا كثر ينتظرون إعادة افتتاح دار مار الياس. من المخطّط أن نزيد من سِعَة الدار، بالإضافة إلى توفير الخدمات الطبيّة للمقيمين. سنقوم أيضًا بتجهيز كنيسة صغيرة للصلاة في الدار. سنعمل كلّ ما بوسعنا حتى لا يشعر المسِّن بالوحدة". 

عمر، المهندس المشرف على أعمال الترميم في دار مار الياس للمسنّين، يقول: "باشرنا في أعمال الترميم من تاريخ 8 آذار 2021 بعد الحصول على الرخص الضروريّة لإعادة الترميم. كان هناك أضرارًا كبيرة في المكان نتيجة أعمال الحرب. أولاً عملنا على فرز ونقل الأنقاض وترحيل مخلّفات المجموعات المسلّحة في هذه الدار، باشرنا بعد ذلك بترميم واجهات المكان ونحن حاليًّا في المرحلة الأخيرة من أعمال ترميم الواجهات. عملنا أيضًا على ترميم الجدران الداخليّة التي كانت متصدّعة لتعود للشكل المثالي. عملنا أيضًاًد على إزالة الطينة القديمة لإظهار جماليّة الحجر وإعادة تكحيله ليستعيد رونقه وشكله التاريخي. قمنا أولاً بغسل الحجر بضغط ماء عالي لإزالة الأوساخ من دون أن يتأذّى، ثم قمنا بتكحيله على مرحلتين وهو حاليًّا في مرحلة الغسل اليدوي للحجر، وسنقوم بعد هذه المرحلة بدهنه بمواد عازلة لحمايته من الأوساخ".

أضاف، "نحن متفائلون كثيرًا بالمستقبل، إذ أنّ وجودنا هنا بعد سنوات طويلة من الحرب والمباشرة بأعمال إعادة الترميم أمر يدعو إلى التفاؤل. الحرب كانت قاسية والأضرار كبيرة جدًا، لكنّنا نراهن على أبناء سورية وحلب سواءً الموجودين هنا أو الذين سافروا لكي يعودوا ويساعدوا في إعادة الإعمار".  

دائرة التواصل والعلاقات العامة

Previous
Previous

بلاد المشرق: أرض الأحزان

Next
Next

مومنتوم أسبوعيّة إلكترونيّة من مجلس كنائس الشرق الأوسط