للربّ الأرض وكلّ ما فيها (المزامير 1:24) - 1
مصر: إمتداد بيئيّ تاريخيّ نحو مستقبل أكثر إستدامة
"أنافورا" بيت اللّه والكنيسة القبطيّة
هذا التقرير متوفّر أيضًا باللّغة الإنكليزيّة.
تقرير ايليا نصراللّه
بمنأى عن الأزمات المستفحلة الّتي تعصف به، يتمتّع الشرق الأوسط بثروة بيئيّة بارزة تشكّل غنى كبيرًا لدُولِه الّتي تسعى إلى حمايتها والحفاظ عليها من جيل إلى آخر رغم كلّ التحدّيات الّتي تواجهها. هكذا تبقى البيئة عنصر إهتمام ونقطة رئيسة في جدول أعمال معظم السّلطات المشرقيّة علّ تكون مصدر تطوير وإزدهار لعجلة الحياة ونمطها، لا سيّما وأنّ المنطقة شهدت إنجازات بيئيّة عدّة على مرّ التّاريخ.
لنتوقّف في هذا الإطار عند نقطة أساس تخصّ كلّ كائن بشريّ على هذه الأرض، فهل تعلمون ما أكثر ما يميّز هذه البيئة الّتي نسكن في أحضانها؟ وهل تدركون أنّنا نتشارك معًا هبة من اللّه لنا؟ يجيب قداسة البابا فرنسيس عن هذه الأسئلة في ما يسمّيه في منشوره Laudato Si’ "البيت المشترك"، لنا جميعًا، أي الأرض وكلّ ما فيها من مخلوقات. من هنا يأتي "موسم الخليقة" الرّامي إلى تعزيز هذا البيت، والّذي يحتفل به المسيحيّون حول العالم من 1 أيلول/ سبتمبر حتّى 4 تشرين الأوّل/ أكتوبر من كلّ سنة.
يشارك المشرق هذه السّنة وللمرّة الأولى بالإحتفالات الخاصّة بهذا المشروع البيئيّ بعد أن قام مجلس كنائس الشرق الأوسط بتعريب الكتيّب العالميّ الخاصّ به والّذي حمل هذه السّنة عنوان "بيت لنا جميعًا؟ تجديد بيت اللّه لذا لا بدّ من الإضاءة على الثّروة البيئيّة، العنصر الأساس في هذا البيت المشترك، في الشرق الأوسط علّنا نواصل العمل والصّلاة من أجل الحفاظ عليها خلال كلّ أيّام السّنة.
سنبدأ بالتعرّف على ثروة كلّ من بلدان هذا الشرق الأوسط بتقارير ومقابلات أسبوعيّة نبدأوها اليوم بالتعرّف على البيئة الطبيعيّة المصريّة الّتي باتت قضيّة تحظى بإهتمام كبير من عام إلى آخر، فما هي أبرز المحطّات البيئيّة الّتي مرّت بها مصر؟ ما هي الإنجازات والمبادرات الهادفة إلى حماية هذه الثّروة؟ وهل من عقبات واجهتها البلاد على هذا الصّعيد؟ وما هو دور الكنيسة والمؤمنين في حماية الخليقة؟
تاريخ يضمن مستقبل بيئيّ سليم
بدايةً وقانونيًّا يتجلّى إهتمام مصر بالقضيّة البيئيّة في التعديلات الدستوريّة الّتي أُقيمت في شهر آذار/ مارس عام 2007 حيث نصّت المادّة 59 على أنّ "حماية البيئة واجب وطنيّ، وينظّم القانون التدابير اللّازمة للحفاظ على البيئة الصّالحة"، لتأتي التوجّهات العالميّة دعمًا لهذا النصّ الدستوريّ مؤكّدة على أنّ الحقّ في بيئة نظيفة يكمن في صميم حقوق المواطن الأساسيّة. كما قد أُصدرت على مرّ الأعوام قوانين وقرارات بيئيّة عدّة كقانون رقم 48 الخاصّ بحماية النّيل عام 1982 والقانون رقم 4 عام 1994 والّذي يُعتبر أهمّ قانون شامل للبيئة في مصر.
أمّا تاريخيًّا، فقد أنشأت مصر جهازًا لشؤون البيئة يهدف إلى تحديد السّياسات البيئيّة وتطبيقها، لتطلق عام 1994 صندوق حماية البيئة بغية التحفيز على الإستثمارات في المجالات البيئيّة. عام 1997 أُنشأت وزارة للبيئة يكمن مهامها في مراقبة مصادر التلوّث ومكافحته بالتّعاون مع أجهزة وجمعيّات أهليّة عدّة مختصّة بالبيئة.
لم تنسَ مصر البحث في سُبل تحقيق إستدامة عمليّة التنمية الإقتصاديّة والإجتماعيّة كما الحفاظ على الثّروات الطبيعيّة للأجيال الجديدة. وذلك عبر برامج عدّة كمكافحة التلوّث بغية حماية نهر النّيل، وبرنامج القوميّ لإدارة المخلّفات والعمل الوطنيّ لمكافحة التصحّر.
إنجازات عدّة في سجلّ مصر البيئيّ
لا شكّ أنّ تاريخ مصر البيئيّ قد شهد على نجاحات وإنجازات عدّة تحرص على بناء مستقبل يحمي البيئة وما فيها من مخلوقات من خلال تحقيق أهداف عدّة. عملت البلاد على تحسين نوعيّة الهواء من خلال وضع شبكة رصد ملوّثات الهواء قيد العمل بهدف جمع البيانات والمعلومات الخاصّة بنوعيّة الهواء عبر 54 محطّة رصد، إضافةً إلى فحص عادم السيّارات... والتحفيز على إستعمال الغاز الطبيعيّ كوقود نظيف للبيئة من خلال مشاريع عدّة لا سيّما على صعيد النّقل العامّ والسّيّارات التّابعة للجهات الحكوميّة...
أُقيمت كذلك شبكة قوميّة لرصد الضّوضاء في القاهرة كما في سائر المحافظات ووُضعت خطّة لتقيّيم المدن الجديدة من أجل إعلانها مدنًا صديقة للبيئة. كما إلتزمت مصر في آليّة التنمية النّظيفة الّتي تشكّل إحدى آليّات بروتوكول كيوتو، هادفةً إلى تحقيق مشاريع بالدول النّامية بغية خفض غازات الإحتباس الحراريّ، وذلك عبر تمويل وتكنولوجيا مقدّمة من الدول المتقدّمة...
كما بذلت مصر جهودًا في سبيل حماية البيئة السّاحليّة من خلال الحدّ من المشاكل الّتي تهدّدها عبر رصد نوعيّة المياه السّاحليّة في البحر الأبيض المتوسّط وطول السّاحل المصريّ للبحر الأحمر، وخليجي السّويس والعقبة. وعملت أيضًا على تنفيذ مشروع الحزام الأخضر والغابات الشّجريّة حول القاهرة الكبرى وهو حزام شجريّ يبلغ طوله 100 كم يضمّ حوالي النّصف مليون شجرة وبتكلفة 100 مليون جنيه مصريّ. يخفّف من نسبة التلوّث في القاهرة ويعتمد على الإستفادة من مياه الصّرف الصّحّيّ الخاصّ بالرّيّ بدلًا من إهدارها في الصّحراء.
مبادرات ومشاريع بيئيّة
في هذا الإطار، إستهدفت مصر أيضًا عنصر الشّباب، مستقبل البلاد، من أجل تحقيق الأهداف البيئيّة المرجوّة. لكن كيف أرادت تقريبهم من مجال البيئة؟ وما هي المشاريع الخاصّة بهم؟ الإجابة تكمن في سلسلة المبادرات وحملات التوعية الّتي تطلقها وزارة البيئة من فترة إلى أخرى كما في عام 2020.
على سبيل المثال نذكر مؤتمر الكلايمثون كايرو العالمىّ Climathon في القاهرة الّذي يهدف إلى تعريف الشّباب على منظومة إدارة المخلّفات وتأثيرها على التغيّرات المناخيّة؛ مبادرة التشجير وزراعة الأسطح الّتي نُفّذت في المركز الثقافيّ التعليميّ بيت القاهرة؛ خلق كيانات شبابيّة بغية العمل في حقل البيئة في مصر عبر دورات تدريبيّة في مجال إدارة المخلّفات وإدماج البعد البيئيّ في مشاريع التخرّج...
إضافةً إلى برنامج تدريبيّ لتنمية أعمال الشّركات الصّغيرة والمتوسّطة في مجال المخلّفات وتشجيع المشاريع الميدانيّة للشّباب المتعلّقة بعمليّات الفرز والجمع والتدوير ممّا يخلق فرص عمل لهم؛ ومبادرات للحفاظ على نظافة نهر النّيل كما نظافة المحافظات كحملة "صحتنا في بيئتنا" في أسيوط...
في العام نفسه، نُفّذت حملة تشجير للكنائس في مدينة منيا القمح، أعلنت عنها وزيرة البيئة د. ياسمين فؤاد، بحيث تشمل زراعة 10 أشجار في كلّ من 13 كنيسة كمار جرجس ومار مينا، وكنائس عدّة في قرى القراقرة والجديدة وكفر الدير وميت بشار وسلامة بشارة وأيوب عوض وكفر سلامة إبراهيم ويوسف سمري وكفر فرج جرجس والصّعيدي. تهدف هذه الحملة إلى تحسين جودة الهواء والتربة، وتجنّب الآثار السّلبيّة لظاهرة التغيّرات المناخيّة.
وفي سنة 2021، أطلقت مصر مشروعًا بيئيًّا يربط المصريّين في الخارج بوطنهم. وذلك من خلال إختيار وزيرة الهجرة السّفيرة نبيلة مكرم لجمعيّة النّادي النّسائيّ المصريّ الدوليّ في نيويورك والتّابع لمجموعة "نيو إيجيبت" كي يشارك في تطوير القرى المصريّة ونشر مفهوم الإستدامة البيئيّة فيها، بإطار حملة وزارة البيئة "صفط تراب.. البداية" في محافظة الغربيّة وتزامنًا مع المبادرتين الرّئاسيّتين "اتحضر للأخضر" و"حياة كريمة".
معضلة سدّ النّهضة
تواجه مصر في الآونة الأخير مشكلة سدّ النّهضة الّتي تبنيه أثيوبيا على نهر النّيل. علمًا أنّ السدّ هذا لن يتحمّل أي فيضان بحسب خبير المياه المصريّ عبّاس شراقي، ومن المتوقعّ أن يجرف الفيضان أجزاء من جسم السدّ ويؤدّي إلى هدم الجزء العلويّ منه وبالتّالي إلى إندفاع جزء من مياه بحيرة السدّ إلى مصر والسّودان. وكانت مصر قد إعتبرت أنّ السّدّ يشكّل تهديدًا وجوديًّا لها.
من جهّته، رفع قداسة بابا الإسكندريّة وبطريرك الكرازة المرقسيّة البابا تواضروس الثاني الصّلاة في أوائل شهر تمّوز/ يوليو 2021 على نيّة نجاح الجهود الدبلوماسيّة للوصول إلى حلّ لمشكلة سدّ النّهضة. وشدّد قداسته على أنّ "طول البال والمفاوضات لن يستمرّا إلى الأبد". موقف قداسة البابا تواضروس الثاني هذا جاء قبيل عظة الأربعاء الأسبوعيّة، من المقر البابويّ في القاهرة، في 7 تمّوز/ يوليو 2021.
الكنيسة القبطية ونموذج بيئي عالمي
الأنافورا: خلوة في قلب البيئة إلى قلب اللّه
في ظلّ كلّ ما تشهده مصر من إنجازات وعقبات على الصّعيد البيئيّ، تضمّ البلاد مركزًا بيئيًّا مميّزًا للخلوة والصّلاة. وهو "الأنافورا" الّذي أنشأه أسقف القوصيّة ومير، أسيوط الأنبا توماس، حيث يقع بين القاهرة والإسكندريّة ويبتعد حوالي السّاعة عن وادي النّطرون، ويهدف إلى تعريف العالم الخارجيّ على الكنيسة الأرثوذكسيّة. يتميّز بطابعه البسيط في التصميم وطريقة الحياة فيه، يضمّ مساحات خضراء متنوّعة وأشجار مختلفة...، ويرتكز على الأشغال اليدويّة في الملابس والطّعام والشّراب...
يشمل الأنافورا أقسامًا عدّة كبيوت خلوة على شكل علامة إستفهام دلالةً على أنّ الّذي يأتي للخلوة يحمل في داخله تساؤلات بينه وبين اللّه ليجد خلالها الإجابات المطلوبة؛ "أنسطاسيا" والّتي تعني في اللّغة اليونانيّة "القيامة" وهو مركز لتدريب الخدّام و الشّباب على القيادة الرّوحيّة والفنون القبطيّة والطقوس اللّاهوتيّة والتاريخ الكنسيّ...؛ "أنامنيسيا" أي "الذّكرى" يضمّ بانوراما لتاريخ الكنيسة والكتاب المقدّس؛ "كينونيا" أي "الشّركة" ويهدف إلى تكريس الشّباب الّذين يرغبون بالإنضمام إلى حياة البتوليّة للخدمة؛ "أكسيا" ويعني "مستحقّة" وهو مكان لتكريس الفتيات ويتعلّمن فيه فنّ كتابة الأيقونات والصّلبان؛ و"الفيلّا" الّذي يشمل دور للطّعام، مكتبة، صالة إستراحة، ومركز للمؤتمرات والدراسات.
يبقى الأنافورا مضيئًا بالشّموع ليلًا ولا يعتمد كثيرًا على الكهرباء، وكذلك تبقى الكنيسة مضاءة ليلًا بالشّموع. يضمّ الأنافورا أيضًا مجسّم لسفينة نوح، مبنى يشبه مدينة القدس قديمًا، كنيسة القيامة... ومعرض للمنتجات اليدويّة...
مع كلّ المبادرات والمشاريع الّتي تهدف إلى حماية الثّروة البيئيّة في مصر، تسعى البلاد للإنضمام إلى الخارطة البيئيّة العالميّة. وذلك من خلال رئاسة مصر لمؤتمر التنوّع البيولوجيّ دوليًّا وقيادة العالم في وضع خارطة الطّريق حتّى عام ٢٠٥٠، وفق ما أكّدت وزيرة البيئة د. ياسمين فؤاد. إضافةً إلى أنّ مصر ستترأّس أكبر مؤتمر للأمم المتّحدة في شأن تغيّر المناخ وبالتّالي البدء في التحضير لإستراتيجيّة وطنيّة بهذا الشّأن.
دائرة التواصل والعلاقات العامة
المراجع:
موقع البوّابة الإلكترونيّة محافظة القاهرة: https://bit.ly/2Wdf2JA
موقع فيتو: https://bit.ly/3kicL8j
موقع صدى البلد: https://bit.ly/3DdZCWi
موقع مصراوي: https://bit.ly/3AZSjj6
موقع الأرض: https://bit.ly/3mpTlB2
صفحة المتحدّث الرّسمي بإسم الكنيسة القبطيّة في مصر: https://bit.ly/3zAj1Pa
موقع RT Arabic:
موقع DW: