الأمين العام المساعد لحركة الشبيبة الأرثوذكسيّة ورئيس مركز جبل لبنان المهندس ايلي كبّه: الصّوم يساعد الشّباب في مواجهة مشاكلهم ويخفّف من قلقهم

كأبناء الكنيسة نتميّز لأنّنا لا ننكسر ولا ننهزم أمام الجحيم

Elie Kebbe.png

مقابلة: ايليا نصراللّه

يُعتبر زمن الصّوم الأربعينيّ من أكثر المواسم المحمّلة بالصّلوات والإحتفالات الكنسيّة والإجتماعات الروحيّة المتنوّعة الّتي تدفع المؤمنين إلى المشاركة بها بإلتزام مستمرّ لا سيّما عنصر الشّباب الّذي لطالما تميّز حضوره بالطاقة الإيجابيّة والحيويّة والأمل... هؤلاء الشّباب الّذين يشعرون عادةً بفرحة لا توصف خلال لقاءاتهم وتحضيراتهم لأسبوع الآلام وعيد القيامة حيث يبذلون جهودهم من أجل بثّ الرّجاء في قلوب كُثر من الإخوة.

لكن تفشّي فيروس كورونا قلب حياة النّاس رأسًا على عقب وأرغمهم على تغيير بعض عاداتهم وتقاليدهم؛ فهل من تداعيات على حضور الشّباب الكنسيّ لاسيّما خلال فترة الصّوم الأربعينيّ؟ ماذا عن الإلتزام بهذا الصّوم؟ وما هي الهواجس الّتي يعاني منها الشّباب المسيحيّ اليوم؟ أسئلة بحثنا عن أجوبتها مع الأمين العام المساعد لحركة الشبيبة الأرثوذكسيّة ورئيس مركز جبل لبنان المهندس ايلي كبّه في مقابلة خاصّة مع دائرة التواصل والعلاقات العامّة في مجلس كنائس الشرق الأوسط، حيث أضاء أيضًا على أهميّة العمل الإجتماعيّ والمهامّ الإنسانيّة الّتي تقوم بها حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة، إضافةً إلى دور الشّباب المسيحيّ في ظلّ عالم يسود فيه الحقد والكراهيّة والشرّ.   

 

ما هو مدى التزام الشّباب اليوم بالطقوس اللّيتورجيّة الكنسيّة؟ وهل مفهوم الصّوم واضح بالنسّبة لهم؟

قبل تفشّي فيروس كورونا كانت نسبة التزام الشّباب والأطفال في الصّلوات والقداديس الإلهيّة والإجتماعات الحركيّة كبيرة وواضحة جدًّا، لكن مع الظّروف الإستثنائيّة الّتي فرضها الوباء تظهر مشكلة جديدة على الصّعيد الكنسيّ، فنسبة المشاركة هذه أصبحت ضئيلة في العديد من الرعايا. مع العلم أنّ بعض الأهل يتجنّبون المشاركة في الطقوس الكنسيّة حضوريًّا بسبب الخوف من العدوى، بل يفضّلون الصّلاة من منازلهم إلكترونيًّا عبر تطبيق فيسبوك. كما أنّ البعض الآخر يقول أنّ أولاده أيضًا لم يعاودوا نشاطهم وحضورهم والتزامهم المعتاد بسبب الخوف والضغوطات اليوميّة والدراسة إلكترونيًّا... من جهّة أخرى وبحسب الزيارات الّتي أقوم بها إلى الرعايا فقد لاحظت أنّ حضور الشّباب ما زال مقبولًا في بعض الكنائس، وذلك على الرّغم من مختلف الأزمات الّتي تواجهها البلاد والّتي تشكّل عبئًا عليهم.

أمّا بالنّسبة للصّوم وفهم معانيه فنسبة الشّباب الّذين يلتزمون به ما زالت كبيرة. إذْ، لا يتعارض الصّوم مع الظّروف الّتي نمرّ بها، لكن ما تغيّر اليوم هو المشاركة حضوريًّا في الصّلوات. كما ألاحظ أنّ مفهوم الصّوم واضح عند معظم الشّباب، فعلى سبيل المثال لا يواجه أعضاء حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة أي مشكلة تتعلّق في فهم المعاني الخاصّة بهذا التقليد، وذلك لأنّ الكهنة والمرشدين يتطرّقون دائمًا إلى أهميّته وإلى مواضيع عدّة ذات صلة كالحياة الروحيّة والصّوم كخبرة كنسيّة وتقليل كميّة الطعام وخدمة الفقير...   

ما هي هواجسهم ومشاكلهم اليوم؟ وماذا عن إلتزامهم بالصّوم؟  

يعاني الشّباب اليوم من هواجس جمّة كالمستقبل المجهول والدراسة الجامعيّة والظّروف العصيبة الّتي تمرّ بها البلاد... أمّا الصّوم فيساعدهم في مواجهتها خصوصًا أنّ الصّلوات واللّقاءات كثيفة خلال هذا الزمن وهي بالتّالي تخفّف من قلقهم ويأسهم. من هنا تُعتبر فترة الصّوم إيجابيّة، تحمل معها الطمأنينة لهؤلاء الشّباب بعيدًا عن الإضطرابات، فيشعرون بوجود الإخوة جانبهم ضمن عائلة كنسيّة وحركيّة.

بالنّسبة للبعد الرّوحيّ أعتقد أنّه غائب اليوم خصوصًا أنّ المجتمع في حال ضياع. الشّباب يشاركون في الأنشطة الكنسيّة والحركيّة لكنّ المشاركة هذه تقتصر على الصّعيد الإجتماعيّ فقط. من جهّة أخرى، كُثر من النّاس يستمدّون التعزية من البعد الرّوحيّ لا سيّما الّذين فقدوا كلّ ما يملكوه نتيجة الظّروف المتدهورة حيث اتّكالهم الوحيد أصبح على الله وعلى المثابرة في الصّلاة، وهذا عادةً نلاحظه عند الفئات العمريّة المتقدّمة.

أمّا الشّباب فيعانون من حال انتظار، مستقبل مجهول ومصير غامض، والهواجس الّتي تحيط بهم كثيرة، لذلك أعتقد أنّنا لا نستطيع أن نلمس اليوم نتيجة إيجابيّة تتعلّق بالبعد الرّوحيّ عند هذه الفئة العمريّة. كما أنّنا نلاحظ غياب للقراءة الإنجيليّة والبعد الروحيّ بسبب غرقهم في دوّامة من الأزمات واليأس وعدم الاستقرار بعيدًا عن الرفاهيّة واللّقاءات المعتادة مع الأصدقاء؛ فالظّروف الصّعبة والإستثنائيّة الّتي نمرّ بها لا سيّما الصحيّة أثّرت سلبًا على حياتهم الروحيّة. كما أنّ الإرشاد أيضًا لم يعد موجودًا اليوم كما كان في الأعوام الفائتة بسبب الظّروف الرّاهنة، لا سيّما وأنّه مهمّ جدًّا لمتابعة الشّباب ومرافقتهم. 

كيف تصف مشاركتهم في الإحتفالات المهيّئة لأسبوع الآلام وعيد القيامة؟ وهل من تحضيرات هذه السّنة؟

نلاحظ هذه السّنة غياب المشاركة اليوميّة في الصّلوات حضوريًّا في الكنيسة وكذلك الحماس المعتاد لعيد الفصح، لا سيّما أنّنا لا نعلم بعد إن كنّا سنستطيع المشاركة حضوريًّا في صلوات أسبوع الآلام وعيد القيامة وإن كانت الإصابات بفيروس كورونا سترتفع أو تنخفض، فما زال الخوف من العدوى يهيمن على المؤمنين.

إذًا، أعتقد أنّ التحضيرات للإحتفالات الخاصّة بأسبوع الآلام وعيد الفصح خفيفة بشكل كبير، فعلينا انتظار مستجدّات الظّروف السّائدة. لكن في حال شهدنا تقدّمًا إيجابيًّا سنشجّع الشّباب إلى معاودة التحضيرات كي يستعيدوا حماسهم من جديد، لكن أعتقد أنّ التحضيرات هذه تبقى ضعيفة نسبةً للأعوام الفائتة؛ فالأنشطة على صعيد العمل الإجتماعي كثيرة والندوات واللّقاءات الإفتراضيّة عبر تطبيق زوم كثيفة لكن يبقى الحضور ضعيفًا.

صحيح أنّ الصوم يحمل الإنسان إلى حال مميّزة لكن الدخول إلى الكنيسة هو الّذي يعطي النكهة الكاملة لهذه الفترة، فالتخفيف من الحضور إلى الكنيسة والمشاركة في الصّلوات والتحضيرات يوثّر سلبًا على مسيرتنا في هذا الصّوم. علمًا أنّ النّاس تتّكل على الكنيسة باعتبارها فسحة أمل ورجاء...

كي تصف عمل الشّباب الإجتماعيّ في ظلّ الظّروف العسيرة الّتي تمرّ بها البلاد؟

في هذا الإطار سأتطرّق إلى نشاط مركز جبل لبنان في حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة الّذي يضمّ أسرة للعمل الإجتماعيّ الّتي تضاعف دائمًا جهودها في المهام الإنسانيّة. كما أنّ بعض الأسر كالعمّال والعائلات والسيّدات تقوم كلّ منها أيضًا بنشاط إجتماعيّ؛ فأسرة العائلات مثلًا تنفّذ مشروعًا لمؤازرة العائلات الّتي تحتاج إلى دعم في دفع الأقساط المدرسيّة. أمّا أسرة العمّال فقد اهتمّت بمساعدة المصابين بفيروس كورونا وتأمين الأوكسيجين... وتجدر الإشارة أنّ بعض الفروع الحركيّة قامت أيضًا بجمع التبرّعات لمساندة المحتاجين في دفع فرق الضمان أو مستحقّات وفواتير المستشفيات... 

من جهّة أخرى، فإنّ مستوصف الحركة في بيروت ما زال في نشاط دائم ومستمرّ لمساعدة أكبر عدد ممكن من النّاس. كما أنّ مركز طرابلس يقوم بتوزيع حصص غذائيّة شهريّة على العائلات المحتاجة والمعوّزة، وكذلك مركز حلب، سوريا. علمًا أنّ أبرشيّة حمص تواصل عملها الإجتماعيّ بالتّعاون مع جمعيّات مانحة عدّة.

من هنا نلاحظ مدى حماس واهتمام الناس بهذا العمل، وذلك لأنّ الحاجة اليوم قد أصبحت كبيرة وهائلة. كما أنّ عقب تفشّي فيروس كورونا وانفجار مرفأ بيروت وتفاقم الأزمات الإقتصاديّة أصبح الشاب الكنسيّ والحركيّ يشعر بشكل أكبر مع وجع الآخرين ويدرك مدى حاجاتهم خصوصًا المقرّبين منه. إذْ، ارتفعت اليوم نسبة العمل الاجتماعيّ مقارنةً بالعام الفائت، فالشّباب والعائلات يعبّرون بشكل ملحوظ عن اهتمامهم بسائر الإخوة وبالعائلات المحتاجة على الرّغم من أنّهم أيضًا يواجهون الظّروف الصّعبة. 

في هذا الإطار، كيف تصف أهميّة دور الشّباب المسيحيّ؟

أصبح لكلّ عضو ومسؤول في الكنيسة دورًا مهمًّا لأنّ العالم بحاجة إلى شهادة وقدوة، فكلّ المسؤولين الكنسيّين والمرشدين يستطيعون تحقيق تغيير في حياة النّاس عبر حماسهم الدائم ومن خلال التأكيد على أنّ الله موجود دائمًا قربنا، وبالتّالي التشديد على أنّ كلّ فرد باستطاعته تطوير ذاته للتحرّر من الضغوطات والمتاعب الخانقة، فنحن واقفون على صخرة لا تتزعزع.

إذْ، كلّ مسؤول في الكنيسة عليه مضاعفة جهوده والوقوف جانب النّاس لا سيّما أنّهم ينتظرون الإفتقاد والمبادرة والمساعدة الروحيّة والإجتماعيّة والمعنويّات... ففي ظلّ عالم يسود فيه اليأس والشرّ نتميّز كأبناء للكنيسة بقوّتنا وروحنا لأنّنا لا ننكسر ولا ننهزم أمام جحيم الظّروف الّتي تحيط بنا. إذْ، يكمن دورنا في نشر كلمة الله وبثّ الرّوح الإيجابيّة بين الجميع، فالرّبّ رافع رأسنا...

دائرة التواصل والعلاقات العامة

Previous
Previous

مستجدّات فيروس كورونا كوفيد-19 في الشرق الأوسط

Next
Next

هل نحن في مرحلة التعافي؟