في 8 آذار/مارس، تحيّة البابا فرنسيس للمرأة من العراق هل تزيح عنها نير الذكوريّة؟
تقرير ايليّا نصرلله
بحسب ما أفاد صحافيون رافقوا قداسة البابا فرنسيس في رحلته إلى بغداد، أنّه اطلَع قبل وصوله الى أرض الرافدين على تقارير حول "المتاجرة" بالنساء إبان سيطرة داعش على جزء من المدن العراقية، ما أثّر به وآلمه.
كما وأعلن البابا فرنسيس أنّه قبل أن يقرّر زيارة العراق كان قد قرأ كتاب الشابة الأيزيديّة ناديا مراد، حول حكاية سبيها. كشف بعدها أن قصة ناديا كانت من بين الدوافع الأساس لقرار زيارته العراق.
لذا في كلمته في كنيسة الطاهرة الكبرى في قره قوش تحدّث عنهنّ، قال: "أودّ أن أشكر من عمق قلبي كلّ الأمهات والنساء في هذا البلد، النساء الشجاعات اللواتي يواصلن إعطاء الحياة بالرّغم من الانتهاكات التي يتعرّضن لها والجراحات التي تصيبهنّ. فلتحترم النساء وليمنحن الحماية! ليحظين بالاهتمام ويمنحن الفرص".
بهذه العبارات شكر البابا فرنسيس كلّ السيّدات خصوصًا العراقيّات على جهودهنّ وتضحياتهنّ في ظلّ الآلام والمصاعب الّتي يواجهنّها لا سيّما مع تفاقم الأزمات والحروب في العراق والشرق الأوسط.
كلام قداسة البابا هذا أتى عشيّة اليوم العالمي للمرأة في 8 آذار/مارس، وتزامنًا مع ختام زيارته الرسوليّة إلى العراق حيث نوّه، من منطقة قره قوش العراقيّة، بدور المرأة مطالبًا بإعطائها الفرص كي تعزّز قدراتها وتطوّر مهاراتها؛ لتكون رسالته هذه موجّهة إلى كلّ النّساء من قلب العراق الجريح إلى العالم أجمع.
يدرك البابا فرنسيس كم عانت وتعاني نساء هذا الشرق منذ عقود، وكمّ مرّرنَ بانتكاسات وانتهاكات لكرامتهن وحقوقهنّ. هذه المرأة التي تعتبر الأضعف في المجتمعات العربيّة. كما دفعت ثمنًا باهظًا إبّان الحروب والصّراعات الّتي نشبت في المنطقة لتعمّق جرحهنّ وتزيد من اضطرابهنّ ويأسهنّ. لكن قسم منهنّ لم تستسلمن بل واجهن العقبات ووقفن في وجه كلّ من يحاول تهميشهن لتكنّ مصدر قوّة لكثيرات من اللّواتي غرقن في الخوف والإستسلام.
نساء بطلات على غرار مريم، المرأة التي وضعت بداية جديدة لتاريخ البشريّة والمسيحيّة من خلال طاعتها لمشيئة لله وعزيمتها وتواضعها. وعلى الرغم من كلّ الصّعاب الّتي مرّت بها، قد تكون هذه السيّدة المجيدة مثالًا لكثيرات من اللواتي استمدّين منها الأمل والرجاء والعزيمة في ظلّ أزمنة يهيمن فيها الحزن واليأس والكراهيّة والعنف...
هي الفتاة البسيطة الّتي كانت مخطوبة لرجل من بيت داود، هي الشّابة الّتي عاشت في النّاصرة متميّزةً بصمتها، هي المرأة الّتي لم يكن أحدًا يعرفها بعد، تصلّي باستمرار غارقة في حوار دائم مع الله، متواضعة القلب... هي السيّدة العذراء مريم الممتلئة نعمة والنقيّة من كلّ خطيئة... الفائقة قُدسها الّتي لم تكن تدرك بدايةً الرسالة والدعوة اللّتين أوكلتا إليها من قبل الله.
"ها أنذا" كان جوابها حين جاء إليها رئيس الملائكة جبرائيل في الناصرة ليبشّرها. وبقلب منفتح على الله قبلت مشيئته واستعدّت لإعداد الأحداث العظيمة الّتي سيدخل الله بها في العالم. وبجوابها هذا جعلت الخليقة أجمع ترتدي حال من الفرح اللّامتناهي، حيث حدّدت بداية التاريخ الجديد الّذي تجلّى بولادة يسوع المسيح، ومن ثمّ موته وقيامته...
باستعدادها هذا، أصبحت مريم العذراء أيقونة للطّاعة والخير والصّلاح، جاهزة لتخوض البحر الهائج، متّكلةً على الله ومنتظرة توجيهه لينير دربها ويقودها إلى حيث يريد.
نلاحظ أحيانًا أثناء قراءتنا للكتاب المقدّس، أنّها تبدو غائبة وأحيانًا أخرى تظهر في اللّحظات الحاسمة منفتحة على صوت الله لتكون حاضرة كأمّ وتلميذة. في هذا الإطار والمعنى كان لقداسة البابا فرنسيس في مقابلته العامة، يوم الأربعاء 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، تحت عنوان "العذراء مريم المرأة المصليّة"، إشارة إلى أنّه فيها يتعزّز الشّعور النسائي الطبيعي من خلال اتّحادها الفريد مع الله في الصّلاة".
لم تكن السيّدة مريم مجرّد أمّ بل إمرأة شجاعة ورمز للإرادة الصّالحة والرجاء حيث يستمدّ كثيرون منها الطاقة الإيجابيّة والأمل. إذْ، قال البابا فرنسيس في المقابلة العامة نفسها: صلّت مريم "مع التلاميذ الذين مرّوا بمعثرة الصليب. صلّت مع بطرس الّذي استسلم للخوف وبكى نادمًا"؛ مضيفًا "مريم موجودة هناك، مع التلاميذ، وسط الرجال والنساء الذين دعاهم إبنها لإنشاء جماعته. لم تكن مريم كاهنًا بينهم، لا! بل كانت أمَّ يسوع التي صلّت معهم، في الجماعة، كواحدة من الجماعة". وبصلاتها رافقت مريم يسوع في كلّ مراحل حياته وصولًا إلى موته وقيامته، كما الكنيسة الناشئة في أولى خطواتها وبداياتها.
وما أعظم أن يختار ابن الله امرأة لتكون أمًّا له وللبشريّة "يرفعها إلى السّماء سلطانةً على السّماء والأرض ويقول لها من أعلى صليبه: يا امرأة، هذا ابنك، وليوحنّا الّذي يمثّل الرسل والكنيسة والكون كلّه: هذه أمّك، فكرّس أمومة العذراء مريم لكلّ إنسان من أبناء الأرض"، هذا ما ذكره رئيس أساقفة بيروت الأسبق سيادة المطران بولس مطر في عظته الّتي ألقاها خلال القدّاس الإلهي الّذي احتفلت به رعويّة المرأة في أبرشيّة بيروت المارونيّة لمناسبة يوم المرأة العالمي.
لكن مع تكاثر الصّراعات والخلافات لا سيّما في شرقنا الحزين لم تعد السيّدات تجدن فرصًا لتثبيت وجودهنّ ودورهنّ. فهلّ سيلقى صوت البابا فرنسيس الصدى وتتمكن مجتمعاتنا من حماية نسائهن هذا الهيكل المتقدّس؟ وهل ستختار نساء الشرق التمثّل بمريم العذراء وتكُن رياديّات، مُحبّات متميّزات بعطائهن اللّامتناهي في ظلّ عالم يسود فيه الحقد والعدائيّة والفساد...؟ وهل ستتمكّنّ من التصدّي لظُلم المجتمع الذكوريّ المتعاظم مع تعاظم التيارات الأصوليّة والعنف والتحريض والكراهيّة؟
لمَ لا؟ لمَ لا تكون المرأة قائدة، سيّدة حرّة وهي المُعلّمة والطبيبة والمحامية والمزارعة... الناجحة!
علينا الّا ننسى إذًا أنّ الكتاب المقدّس في سفر التّكوين علّمنا، وفق ما أشار سيادة المطران مطر، أنّ "اللّه خلق آدم وجبله من طين وتراب ونفخ فيه روحًا منه تعالى، ثمّ استلّ عضوًا من آدم وصنع منه المرأة ليقول لنا أنّ المرأة والرجل من طينة واحدة، أنّهما متساويان أمام الله... والكنيسة كرّست هذه المساواة في الوجدان، والكنيسة عظّمت المرأة تعظيمًا خاصًّا بعد أن عظّمها الربّ...".
دائرة التواصل والعلاقات العامة
المراجع:
موفع زينيت: https://bit.ly/2PMF9E2
موقع أبونا: https://bit.ly/38G5TNd
موقع دايلي ليبانون: https://bit.ly/3cjn2NB