على خطى بولس ننتقل من الظّلمة إلى النّور
"أطلب إليكم أن تسلكوا بكلّ تواضع ووداعةٍ وبطول أناةٍ محتملين بعضكم بعضًا في المحبّة"
تقرير ايليا نصراللّه
"سمِعتُم بسيرتي الماضية في ديانة اليهود وكيف كنتُ أضطهدُ كنيسة الله بلا رحمة وأحاول تدميرها" (غل 1: 13). بهذا الكلام العلنيّ اعترف بولس الرّسول بخطيئته والتزامه اليهوديّة في رسالته إلى أهل غلاطية. وبهذا الإعتراف ندرك إثبات عمل النعمة فيه وعلى حضور الله كقوّة محرّرة وخلّاقة من جديد. وبقوله "فَمَنْ هُوَ بُولُسُ؟ وَمَنْ هُوَ أَبُلُّوسُ؟ بَلْ خَادِمَانِ آمَنْتُمْ بِوَاسِطَتِهِمَا، وَكَمَا أَعْطَى الرَّبُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ" ( كو 5:3) يثبت بولس أنّ الفضل في التبشير هو الله الّذي ينمّي الإيمان في النفوس ويعزّزه بروحه.
بعد أن كان بولس يهوديّ متعصّب وعقب اضطهاده كنيسة الله مرّات عدّة اعترف أنّ الله خلقه من أحشاء أمّه ليكون رسولًا مبشّرًا باسم يسوع المسيح. لذلك التجأ بعد عِمادته في دمشق إلى بلاد العرب ليتعمّق خلال سنتين بيسوع المسيح وإنجيله، بدلًا من الذهاب مباشرةً إلى أورشليم.
علمًا أنّه بحسب الشروحات الّتي أُقيمت حول رسائله، تبيّن أنّ بولس مفكّرعبقريّ محبّ، تميّز بغنى بشريّ وروحيّ، وعاش المعنى الحقيقيّ للصّداقة. كما أنّه شجاع، لا يعرف الكذب، حمل همّ النّاس وقدّم نفسه ليسوع المسيح، مهتمًّا بمشاركة الجميع في الإيمان. كما أنّه الرسول الوحيد الّذي يتمّ تذكار ارتداده عبر عيد ليتورجيّ، يُحتفل به في 25 كانون الثاني/ يناير من كلّ سنة، والّذي يصادف أيضًا اليوم الأخير من "أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيّين".
بولس الرسول والارتداد من اليهوديّة إلى المسيحيّة
ولد القدّيس بولس، مواطنًا رومانيًّا، في مدينة طرطوس أي تركيا الحاليّة، ويُقال بين الخامسة والعاشرة ميلاديّة. سُمّي شاؤول في العبريّة كإسم أوّل ملك في إسرائيل، وبولس في الرّومانيّة. منذ العاشرة من عمره، صبّت اهتماماته في دراسة الشريعة اليهوديّة، وعندما بلغ الرّابعة عشرة انطلق إلى أورشليم ليتابع دراسته، وكان تلميذ غاملائيل الفرّيسي، أحد أشهر معلّمي اليهود في هذه الحقبة.
اعتبر بولس أنّ الكنيسة النّاشئة تهدّد الديانة اليهوديّة الرسميّة فحاربها وعمل ضدّها وأظهرغيرة قويّة على الشريعة مدافعًا عن تقاليدها. ظهر للمرّة الأولى عندما كان يراقب شهيد الكنيسة الأوّل أسطيفانوس أثناء رجمه بطريقة عنيفة أدّت إلى وفاته، خلال حراسته لثياب الرّاجمين. كما أنّه شعر يومًا بعد يوم بخطر كبير بسبب وجود المسيحيّين، فرأى أنّه عليه كيهوديّ متديّن محاربة اسم يسوع المسيح بكافّة الطرق، "وَكُنْتُ أَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ أَبْذُلَ غَايَةَ جَهْدِي لأُقَاوِمَ اسْمَ يَسُوعَ النَّاصِرِيّ (أع 9:26). لذلك سعى إلى أخذ موافقة كهنة اليهود من أجل إرسال المسيحيّين إلى دمشق ليتمّ نقلهم بالتّالي إلى أورشليم.
الّا أنّ مجرى الأحداث لم يأتِ لصالح اليهوديّة لأنّ المسيح حوّل بولس من عدوّ له إلى رسول مختار، وكان الطريق إلى دمشق هو العامل الّذي قلب حياته رأسًا على عقب. وذلك من خلال مشاهدته رؤية أدّت إلى فقدان نظره وتغيير حياته. إذْ، أبرق عليه من السّماء نور عظيم وظهر له يسوع المسيح متكلّمًا معه حيث أقنعه بأنّه المسيح الموعود القائم من بين الأموات. بالتّالي كانت دمشق المدينة السوريّة الّتي وُعد بولس أن يستعيد بصره فيها وذلك من قبل حنانيا الّذي عمّده آنذاك، فأصبح منذ ذلك اليوم يُعرف بإسم بولس.
ومن هنا جاء التعبير "على خطى بولس" ليُستخدم في حالات عدّة، وهو يدلّ على الانتقال من الخطيئة والظّلام إلى الخلاص والنّور. علينا إذًا أن نعمل من أجل خلاص أنفسنا ومن أجل توبتنا أوّلًا، قبل أن ندعو إخوتنا إلى الدخول في طريق التوبة. علمًا أنّ من أبرز أقوال بولس الرسول "أطلب إليكم أن تسلكوا بكل تواضع ووداعةٍ وبطول أناةٍ محتملين بعضكم بعضًا في المحبّة مجتهدين أن تحفظوا وحدانيّة الروح برباط السّلام". إذْ، المسيحيّون اليوم بأمسّ الحاجة أن يتّحدوا بقلب واحد كي يتخطّوا الظّروف العصيبة الّتي تمرّ بها بلادهم والأيّام المريرة الّتي يعيشونها، لا سيّما في الشرق الأوسط.
دير القدّيس بولس الرسول - دمشق
في السياق عينه، من أشهر الأديرة الّتي تقع في الشرق الأوسط دير "رؤية القدّيس بولس الرسول البطريركي" في تل كوكب الّذي بُني عام 1962 على أنقاض دير يعود إلى أولى القرون المسيحيّة. وهو يقع على بعد 18 كلم من دمشق، وبالتّحديد على الطريق الّتي تقودنا إلى القنيطرة. والجدير ذكره أنّ في هذا الدير ترك بولس ثوب شاؤول المضطهد ليرتدي شخصيّة أهمّ مبشّر بالعقيدة الجديدة بين اليهود والوثنيّين، وذلك على الرّغم من كلّ أساليب العنف الّتي واجهها من أجل الحفاظ على حياته مع المسيح. علمًا أنّ هذا الدير يشهد قدّاسًا احتفاليًّا في 29 حزيران/ يونيو من كلّ سنة، لمناسبة عيد الكرسيّ الأنطاكيّ عيد شفيع الدير، حيث كان يُعتبر في حقبة سابقة مقامًا روحيًّا صغيرًا.
يشكّل ارتداد بولس مثالًا لطريق الوصول إلى الوحدة الكاملة. وبحسب البابا بنديكتوس السادس عشر أشار في تأمّل 25 كانون الثاني/ يناير 2009 أنّ الوحدة تتطلّب " ارتدادًا: من الإنقسام إلى الشّراكة، ومن الوحدة المجروحة إلى الوحدة المتعافية والشّاملة. وهذا الإرتداد هِبَة من المسيح القائم من بين الأموات، كما حصل مع القدّيس بولس… فالله بذاته دعاه على طريق دمشق، والله الآن يتوجّه إلى كلّ فرد من أبناء كنيسته سائلًا إيّاه: لمَ قسمتني؟؟ لمَ جرحتَ وحدة جسدي؟".
مراجع للتعرّف والتعمّق في لاهوت القدّيس بولس الرسول
علاوةً على ذلك، صدرت منشورات وكتب عديدة عن القدّيس بولس الرسول، حياته، أقواله وتعاليمه... وكُثر من المعنيّين والمتخصّصين والمؤمنين اهتمّوا بالتعمّق بسيرته وتعاليمه. فمثلًا كتاب "بولس الرسول في تعليم البابا بنديكتوس الـ16"، سلسلة صفحات روحيّة، لقداسة البابا بنديكتوس 16 (لتحميل الكتاب: https://bit.ly/36b2Dbn ). وكتاب "تأمّلات وتعليقات على رسالة القدّيس بولس الأولى إلى تيموثيئوس للقدّيس يوحنّا الذهبي الفم، نقلته للعربيّة سعاد سوريال المحامية (لتحميل الكتاب: https://bit.ly/39dhcgn). كما نذكر أيضًا كتاب "دعوة بولس الرسول" للقدّيس يوحنّا الذهبي الفم والّذي قام بتعريبه د. سعيد حكيم يعقوب (لتحميل الكتاب: https://bit.ly/2Ya4I2P). وكتاب "كيف نقرأ رسائل القدّيس بولس اليوم لتوماس ر. شراينر، ترجمات سلسلة مدرسة الإسكندريّة للدراسات المسيحيّة، وترجمة القسّ يوحنّا عطا محروس (لتحميل الكتاب: https://bit.ly/39ika3j).
دائرة التواصل والعلاقات العامة
المراجع:
موقع مجلس كنائس الشرق الأوسط: https://bit.ly/2My17Jq
موقع بطريركيّة بابل للكلدان: https://bit.ly/36hv4V0
موقع الوكالة الوطنيّة للإعلام: https://bit.ly/2KT9uPd
موقع الأنبا تكلا هيمانوت: https://bit.ly/36jGMhI
موقع المركز الدائم للتنشئة المسيحيّة: https://bit.ly/36yl5uL
موقع نورست: https://bit.ly/36gEm3n
موقع مكتبة الكتب المسيحيّة: https://bit.ly/39k8vks
موقع زينيت: https://bit.ly/3oiHl1r
موقع أبونا: https://bit.ly/36jSLfs