"أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيّين"
ثمانيّة صلاة بين كرسيّ بطرس وارتداد بولس
يشارك المسيحيّون حول العالم خلال الأسبوع الحالي، بين 18 و25 كانون الثاني/ يناير، في محطّة تاريخيّة يتّحدون خلالها عبر الصّلاة المشتركة الّتي تعمّق روح الشرِكَة بينهم وتجسّد روحيّة الوحدة في التنّوع بين كلّ الكنائس.
"أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيّين" تقليد يُحتفل به منذ عقود وفي التاريخ نفسه من كلّ سنة، حيث يحمل كل سنة عنوانًا ورسالة للتأمل، وهذه السنة عنوانه "الثبات في حب الله في المصالحة مع الذات" (يوحنّا:15، 1-17). علمًا أنّ المسيحيّين اليوم لا سيّما في الشرق الأوسط بأمسّ الحاجة إلى الوحدة خصوصًا في مواجهة الظّروف العصيبة الّتي تمرّ بها بلادهم.
جذور "أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيّين"
ظهرت فكرة وحدة المسيحيّين عام 1740 في اسكتلندا مع الجماعة الخمسينيّة البروتستنتيّة الّتي كان هدفها الأساس دعوة كلّ الكنائس إلى المشاركة في الصّلاة وتجديد الإيمان، حيث طالب القسّ الإنجيليّ جوناثان إدوارد بتحديد يوم للصّوم والصّلاة من أجل هذه الوحدة.
أمّا عام 1820، فأصدر القسّ هالداين ستيوارت "مقترحات" من أجل وحدة المسيحيّين الشاملة بواسطة حلول الروح القدس، وبالتّالي دعا القسّ الأنغليكانيّ الّذي انضمّ إلى العائلة الكاثوليكيّة لاحقًا إغناطيوس سبنسر، عام 1840، إلى تأسيس "إتّحاد الصّلاة من أجل الوحدة". في السياق عينه، أكّدت الجمعيّة العامّة لأساقفة الكنيسة الإنغليكانيّة في لامبث، عام 1867، على ضرورة الصّلاة من أجل هذه الوحدة وذلك من خلال التشديد على أهميّتها في المقرّرات الّتي أصدرتها، وعبر التذكير بها في الإجتماعات الّتي عقدتها لاحقًا. وعام 1894 شدّد قداسة البابا لاون الثالث عشر في كتابات عدّة على أهميّة تطبيق "ثُمانيّة" الصّلاة من أجل الوحدة في زمن العنصرة.
أمّا عام 1908 فبدأ القسّ الفرنسيسكانيّ بول واتسن بالاحتفال للمرّة الأولى بثمانيّة الصّلاة من أجل الوحدة في نيويورك، متمنّيًا أن تعتمد كلّ الكنائس هذه الصّلاة المشتركة. من هنا، عمدت حركة "إيمان ونظام" المنبثقة عن المجلس المسكونيّ للكنائس، وأمانة سرّ المجلس الحبري البابويّ من أجل وحدة المسيحيّين، عام 1926، إلى نشر مقترحات عدّة من أجل هذه الصّلاة. كما بدأ الكاهن الكاثوليكيّ بول كوتورييه، عام 1935، بالترويج لهذا الأسبوع إنطلاقًا من " الوحدة الّتي أرادها المسيح، وبالوسائل الّتي يريدها".
وبعد أعوام عدّة، بدأ المركز المسكونيّ "الوحدة المسيحيّة" في ليون، فرنسا، عام 1958، وبالتّعاون مع "إيمان ونظام" بتحضير أسبوع الصّلاة. وعام 1964 قام قداسة البابا بولس السادس وغبطة البطريرك إتيناغوراس الأوّل بتلاوة صلاة المسيح "ليكون الجميع واحدًا" (يوحنّا 17-21) ، مع بعضهما، في أورشليم. علمًا أنّه في العام نفسه، صدر القرار حول العمل المسكونيّ في إطار المجمع الفاتيكانيّ الثاني الّذي أثنى على أنّ الصّلاة تشكّل روح الحركة المسكونيّة مشدّدًا على الاستمرار في الاحتفال بأسبوع الصّلاة من أجل الوحدة. وتجدر الإشارة أنّه منذ عام 1966 عمدت هيئة "إيمان ونظام" على إعداد النصّ الرسميّ لهذا الأسبوع.
إذْ، تمّ للمرّة الأولى، عام 1968، الإحتفال بأسبوع الصّلاة بحسب هذا النصّ الموحّد، ليصبح موعدًا سنويًّا يحتفل به المسيحيّون حول العالم بين 18 و25 كانون الثاني/ يناير من كلّ سنة. أمّا بالنّسبة للقسّ بول واتسن فالوحدة تكمن بالعودة إلى الكنيسة الكاثوليكيّة الرومانيّة. من هنا أخذ تاريخ هذا الأسبوع أهميّته الرمزيّة، فـ18 كانون الثاني/ يناير يدلّ على اليوم الّذي كان يُحتفل خلاله بعيد كرسي بطرس، بينما 25 كانون الثاني/ يناير يرمز إلى عيد ارتداد القديس بولس، رسول الأمم. علمًا أنّه عقب اندماج "مؤسّسة التفكير" رسميًّا إلى الكنيسة الكاثوليكيّة وافق قداسة البابا بيوس العاشرعلى ثمانيّة الصّلاة من أجل الوحدة، ليعود المسيحيّون "فيتّحدوا" بالكنيسة الكاثوليكيّة.
رؤساء الكنائس يدعون إلى وحدة المسيحيّين وتفعيل الحركة المسكونيّة
صحيح أنّ العقائد والتقاليد والصّلوات تختلف من كنيسة إلى أخرى، لكن كُثر من المعنيّين والمؤمنين عبّروا عن رغبتهم بتحقيق وحدة المسيحيّين وتوحيد الكنائس. أمّا رؤساء الكنائس فأثنوا بدورهم، وعلى مرّ الأعوام، على الصّلاة المشتركة بين جميع المسيحيّين وعلى تعزيز الحوار وبناء الجسور بينهم. وهذا ما يشكّل الهدف الأساس في رسالة مجلس كنائس الشرق الأوسط الّذي لطالما سعا إلى تعميق الشركة الروحيّة بين الكنائس وتوحيد كلمتها وجهودها.
خلال عظته الأسبوعيّة الّتي استضاف فيها "أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيّين" في كنيسة السيّدة العذراء مريم والأنبا رويس بالكاتدرائيّة المرقسيّة بالعباسيّة عام 2020، لفت قداسة بابا الإسكندريّة بطريرك الكرازة المرقسيّة تواضروس الثاني إلى أنّ " الأصل في المسيحيّة هو المسيحيّة الواحدة". وأضاف "أنّه نتيجة خطايا البشر وحبّ الذّات والأفكار الضيّقة وعدم قبول الآخر انتشر في العالم ما نسمّيه بهذا الانقسام، حيث ظلّت الكنيسة واحدة دون انفصال لمدّة 5 قرون". وعن "الإجتماع من أجل الوحدة" قال البابا تواضروس الثاني أنّه "بمثابة أمل ليكون الجميع واحدًا. والاستنارة لا يملكها كلّ أحد، فقد يملك الإنسان الإيمان ولكنّه لا يملك الاستنارة".
بدوره، أوضح غبطة بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنّا العاشر مفهوم الوحدة المسيحيّة في كلمة ألقاها خلال الصّلاة الّتي أقيمت في كاتدرائيّة القدّيس جاورجيوس للسريان الأرثوذكس في دمشق، ضمن إطار سلسلة الصلوات في أسبوع الوحدة المسيحيّة، بعد دعوة من غبطة بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس مار إغناطيوس أفرام الثاني. إذْ، أشار البطريرك يوحنّا العاشر أنّ الوحدة المسيحيّة "لا تعني امحاء الواحد بالآخر ولا تعني اقتناص الآخر إلى الحظيرة. الوحدة هي أن نقول كلّنا وبفم واحد: "كلّنا أخطأنا وأعوزنا مجد الله"... مخطئ من يظنّ أنّ الوحدة تقتنى فقط بالحوار البشري، على أهميّته. الوحدة المسيحيّة هي ضرورة وجود، وبرهان مسيحيّة، قبل أن تكون حصيلة حوارات... تبنى (الوحدة) وتستكمل بمقدار ما يسعى كلّ منّا للاتّحاد بالمسيح والانشداد له".
في السياق عينه، أكّد قداسة البابا فرنسيس في ختام مقابلته العامّة في 16 كانون الثاني/ يناير 2019 وقبل انطلاق "أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيّين" 2019 الّذي اتّخذ عنوان "وأظهر لنا أهلها عطفًا نادرًا " (أعمال الرسل 28:2)، " أنّنا هذه السّنة أيضًا مدعوّون إلى الصّلاة كي يعود المسيحيّون جميعًا عائلة واحدة في تماشٍ مع المشيئة الإلهية "فليكونوا بأجمعهم واحدا" (راجع يوحنّا 17، 21)". أمّا بالنّسبة للمسكونيّة، فشدّد فرنسيس في ندائه هذا على أنّ هذه الحركة "ليست أمرًا اختياريًا" مضيفًا أنّ " النيّة هي بلوغ شهادة مشتركة للعدالة الحقيقيّة ومساعدة أكثر الأشخاص ضعفًا، وذلك من خلال إجابات ملموسة وملائمة وفعّالة".
والجدير ذكره أنّ "أسبوع الصّلاة من أجل وحدة المسيحيّين" يتميّز باحتفالات سنويّة تتجلّى بنشر كتيّب خاصّ بها يتضمّن تأمّلات وصلوات من مختلف الكنائس، إضافةً إلى عقد لقاءات وحوارات مختلفة. لكن وبسبب التداعيات الناجمة عن فيروس كورونا في كلّ أنحاء العالم، تمّ تأجيل بعض هذه الإحتفالات واستُبدلت بصلوات وندوات افتراضيّة إنطلاقًا من الكتيّب الّذي تمّ نشره بلغّات عدّة والّذي تولّى تعريبه مجلس كنائس الشرق الأوسط.
إذًا لنصلِّ معًا في هذا الأسبوع كي نكون جميعنا واحدًا كما أنّ الآب فيك يا ربّ وأنت فيه. دعنا أيها المخلّص أن نجتمع كلّنا فيك وتُصعد قلوبنا وأفواهنا بلا انقطاع صلاتك من أجل وحدة المسيحيّين!
دائرة التواصل والعلاقات العامّة
المراجع:
موقع زينيت: https://bit.ly/2M55JGm
موقع كنيسة الإسكندريّة للأقباط الكاثوليك بمصر: https://bit.ly/3p0f3tJ
كتيّب أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيّين: https://bit.ly/3pbf5PT
موقع المصري اليوم: https://bit.ly/35Te3Ak
موقع بطريركيّة أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس: https://bit.ly/3sFbcV9 - https://bit.ly/3sLJFBR
موقع فاتيكان نيوز: https://bit.ly/3sC5Eej