بيروت وكنائسها تصرخ وجعًا
3 أسابيع مضت على انفجار مرفأ بيروت، والشّعب اللّبناني يواجه تداعيات هذه الكارثة الّتي خلّفت أضرارًا ماديّة ومعنويّة كبيرة. 22 يومًا واللّبنانيّون يكافحون ويبذلون الجهود من أجل إعادة إعمار عاصمتهم بيروت الّتي تمرّ بأزمات عدّة منذ أعوام. عمليّة إزالة تحطّم الزجاج والخشب والدمار تتواصل في الممتلكات العامّة والخاصّة وفي الكنائس والمؤسّسات التّابعة لها. لكن الخسائر والأضرار تبقى فادحة لا سيّما في الكنائس، والمستشفيات والمدارس.
إيمانًا منهم بأنّ أصحاب الأيادي البيضاء لن تتوقّف عن دعمها الإنسانيّ خصوصًا في هذه الظّروف الصّعبة، أسرع رؤساء الكنائس في بيروت، إثر الإنفجار، إلى إطلاق نداءات إغاثيّة وحملات جمع التبرّعات لإعادة إعمار الكنائس وكلّ المراكز التّابعة لها. كما استقبلوا وفودًا رسميّة ودوليّة عبّرت عن تضامنها مع الشّعب اللّبنانيّ معلنةً وضع كلّ إمكاناتها لإغاثة بيروت وأهلها.
إذْ، استقبل سيادة راعي أبرشيّة بيروت للرّوم الأرثوذكس المتروبوليت الياس عودة شخصيّات رسميّة عدّة، أهمّها سفيرة اليونان في لبنان السيّدة كاثرين فونتولاكي الّتي أعربت عن أسفها إزاء الإنفجار والنتائج الكارثيّة الّتي نتجت عنه، مثنيةً على وقوف اليونان إلى جانب المتروبوليت عودة والمطرانيّة وعلى استمرار بلادها بدعم بيروت. وأشارت فونتولاكي إلى وصول سفينة يونانيّة إلى مرفأ بيروت محمّلة بمستلزمات طبيّة ومساعدات إنسانيّة. علمًا أنّ اليونان كانت من أوائل الدول الّتي أرسلت فرق البحث والإنقاذ على الأرض لمساعدة السّلطات اللّبنانيّة. كما أجرى سيادة المتروبوليت الياس عودة لقاءات عدّة، أبرزها مع وفد من المجلس الأميركي للمنظّمة الإسلاميّة حيث أعلن أمين عام هذا المجلس عن مساعدة نقديّة بقيمة عشرين مليون دولار أميركي قدّمها مسلمو أميركا إلى لبنان، داعيًا كلّ المسلمين في العالم إلى مدّ يد المساعدة.
أمّا حملات التبرّع، فأطلق كلّ من أبرشيّة بيروت للرّوم الأرثوذكس، مستشفى القدّيس جاورجيوس الجامعي (الرّوم)، ومدرستي البشارة والأقمار الثّلاثة نداءات إغاثيّة. كما دعا قداسة بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للرّوم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسيّ أبناء كنيسته إلى المبادرة في مدّ يد العون لمساندة المتضرّرين جرّاء الإنفجار.
من جانبه، أجرى أيضًا غبطة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي لقاءات عدّة حيث استقبل وفدًا قطريًا رسميًّا ترأسه نائب رئيس مجلس الوزراء وزير خارجيّة قطر الشّيخ محّمد بن عبد الرّحمن آل ثاني الّذي شدّد على وقوف بلاده إلى جانب لبنان بشكل مستمرّ، مذكّرًا بالعلاقات التاريخيّة بين لبنان وقطر. كما استقبل البطريرك الرّاعي الممثّل الخاصّ للأمين العامّ للأمم المتّحدة في لبنان يان كوبيتش، حيث ناقشا دور الأمم المتّحدة في تأمين وتنظيم وتنسيق الدّعم والإشراف على المساعدات الإنسانيّة.
كما قام غبطة البطريرك الرّاعي بجولة تفقديّة في بيروت شملت محطّات عدّة استهلّها بكنيسة مار مارون الجميّزة، ثمّ انتقل إلى كاتدرائيّة مار جرجس للموارنة في بيروت، كنيسة ومدرسة الفرير الجميّزة، دار الآباء الفرنسيسكان ودار الحضانة، مستشفى الورديّة الجميّزة، كنيسة مار مخائيل النهر، ومركز فوج إطفاء بيروت حيث صلّى لراحة أنفس ضحايا الفوج.
علاوةً على ذلك، أطلقت أبرشيّة بيروت المارونيّة حملة تبرّع لضحايا الإنفجار تحت عنوان "سوا مكملين لنرجّع بيروت" مع رابط هاشتاغ #حملة_تشجع. مشيرة في بيان لها أنّ المطرانيّة لا تجمع التبرّعات عبر أي جمعيّة. كما ترأّس سيادة راعي الأبرشيّة المطران بولس عبد الساتر قدّاسًا إلهيًّا عشيّة عيد انتقال أمّنا مريم العذراء، 14 آب/ أغسطس 2020، في منطقة مار مخايل المنكوبة.
بدوره، التقى قداسة بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للسّريان الأرثوذكس مار اغناطيوس أفرام الثّاني برئيس الاتّحاد السّرياني العالمي في لبنان السيّد ابراهيم مراد حيث شدّدا على ضرورة التّعاون من أجل تقديم خدمة أفضل للمتضرّرين. وفي لقاء مع سفير هنغاريا في لبنان السيّد جيزا ميهالي، بحث معه قداسة البطريرك سبل التّعاون بين الكنيسة السريانيّة الأرثوذكسيّة والحكومة الهنغاريّة لتقديم المساعدات عبر المؤسّسات وتنفيذ المشاريع التنمويّة لمعونة المحتاجين. كما زار ميهالي غبطة بطريرك السّريان الكاثوليك الأنطاكي مار اغناطيوس يوسف الثّالث يونان حيث تمّ التباحث في مساندة الحكومة الهنغاريّة مسيحيّي الشّرق ونصرة قضاياهم.
أمّا بالنّسبة للكنيسة الأرمنيّة الّتي تعاني أيضًا خسائر فادحة جرّاء انفجار المرفأ، فأطلقت حملة تبرّع لإغاثة المجتمع الأرمنيّ المتضرّر في بيروت. وفي السّياق عينه، ترأّس قداسة كاثوليكوس الأرمن لبيت كيليكيا آرام الأوّل اجتماع المجلس الإداري العلماني والمجلس الديني للهيئة العامّة للكاثوليكوسيّة الّذي تمحور حول الأعمال القائمة لمساعدة الأرمن في لبنان.
إضافةً إلى استقباله وفودًا رسميّة، تواصل قداسة كاثوليكوس الأرمن آرام الأوّل مع رئيس حكومة جمهوريّة أرمينيا السيّد نيكول باشينيان من خلال اتّصال هاتفيّ أعلن خلاله باشينيان عن المساعدات الّتي ستقدّمها جمهوريّة أرمينيا للبنان وللطائفة الأرمنيّة في البلاد.
الكنيسة الإنجيليّة في لبنان تشارك أيضًا في إغاثة وإنقاذ بيروت من خلال حملة التبرّع العالميّة الّتي أطلقها رئيس الاتّحاد الإنجيلي الوطني في لبنان القسّ د. حبيب بدر. كما وأسرع أبناء هذه الكنيسة، عقب وقوع الإنفجار، إلى مساندة إخوتهم المتضرّرين.
بدورها، استطاعت فلسطين ومن خلال الأمانة العامة للشّبيبة المسيحيّة "شبيبة موطن يسوع" أن تطلق مبادرة تحت عنوان "من القدس سلامٌ لبيروت" هدفها بيع المسبحة الورديّة "بالرّجاء ننتصر"، الّتي صنعتها عائلات فلسطينيّة تضررت اقتصاديًّا بسبب تفشّي جائحة كورونا، من خشب الزيتون والّتي تحمل على صليبها اسمي بيروت والقدس مع أرزة لبنان وزيتونة فلسطين. إذْ، سيُخصّص مردود مبيعات هذه المسابح لمساعدة الشّعب اللّبناني.
انفجار مرفأ بيروت وقع وسط نكبات وأزمات عدّة يواجهها الشّعب اللّبناني في ظروف معيشيّة صعبة ازدادت سوءًا عقب هذه الكارثة. إذْ، تحتاج بيروت الكثير من الدعم كي تنهض من جديد، فمن دون هذه المساعدات، كيف ستتمّ عمليّة إعادة إعمار المباني والكنائس؟ وكيف ستتمكّن المستشفيات المتضرّرة من استقبال المرضى مع تفشّي فيروس كورونا؟ وكيف ستتمكّن المدارس من فتح أبوابها مع اقتراب بدء السّنة الدراسيّة الجديدة؟ أبواب التبرّعات مفتوحة عالميًّا لإعادة الحياة إلى العاصمة بيروت المنكوبة. وفي هذه الأيّام الحزينة، تبقى الصّلاة المصدر الوحيد للقوّة والرّجاء.