من مطرانية الموارنة في بيروت المنكوبة

الأب غابريال تابت: ونحن نعمل على زرع الأمل والثقة فالرّب لن يتركنا أبدًا!

تحقيق: ايليا نصراللّه

الشتاء على الأبواب، الأزمة الإقتصاديّة في تدهور مستمرّ، جائحة كورونا في تفاقم سلبيّ... والبيروتيّون لم تندمل جراحهم بعد. مرّ أكثر من 60 يومًا على فاجعة بيروت، والأضرار تبقى فادحة فيما اللّبنانيّون منهكون أمام مصير مجهول. فمن ينقذهم من هذه الكارثة الّتي دمّرت حياتهم ومستقبلهم؟

الجمعيّات والأبرشيّات والمؤسّسات الكنسيّة... تواصل عملها الإنساني ميدانيًّا على الرغم من فقدان قدرتها على تلبية الحاجات الأساسيّة لجميع المتضرّرين. ففي ظلّ غياب تام للدولة، يبقى التواصل والتعاون بين الجهات الإنسانيّة المعنيّة مؤشّرين أساسيّين للاستمرار في هذه المهمّة.

من هنا دعا مجلس كنائس الشرق الأوسط الى تشكيل لجنة مسكونيّة تضمّ فريقًا من مختلف دوائر المجلس من جهة وممثّلين عن الكنائس الأعضاء في بيروت من جهة ثانية، وذلك بهدف تنسيق وتنظيم المهام ومتابعة عمليّة الإغاثة لتطال أكبرعدد من المتضرّرين. أتى هذا العمل الإنساني المشترك على هامش الندائين الإغاثيّين الّذين أطلقهما المجلس على إثر الإنفجار.

في هذا الإطار ولتسليط الضوء على الأضرار الّتي لحقت بالكنائس في بيروت وأبناء الرعايا من مختلف العائلات الكنسيّة وبالتالي البحث في حاجاتها المُلّحة وسبُل مساعدتها، سيجول فريق عمل دائرة التواصل والعلاقات العامة في المجلس أسبوعيًا على الكنائس في المناطق المنكوبة من بيروت، وكانت الزيارة الأولى إلى مطرانيّة بيروت المارونيّة في الأشرفيّة.

الأب غابريال تابت، خادم كنيسة مار يوحنّا في الأشرفيّة، وعضو اللّجنة المسكونيّة لإغاثة بيروت، استقبلنا في مطرانيّة بيروت للموارنة حيث تتابع ورشة ازالة آثار الانفجار التي شلّعت مبنى المطرانية ومدرسة الحكمة التي تجاورها والمدرسة المهنيّة... واستعاد معنا لحظات الهلع الّتي مرّ بها مع أبناء رعيّته لحظة وقوع الإنفجار الّذي دوّى خلال احتفاله بالقدّاس الإلهي مع رعيته. وكغيره من اللّبنانيّين وقع تحت هَولِ الصدمة التي تجلّت في لحظات الرّعب الأولى وأمام مشاهد الدمار الهائل. "ما حدا كان عارف شو عم يصير" يروي الأب تابت، واصفًا حال الخوف لا بل الهلع الّذي عاشه جميع من كانوا في بيروت وضواحيها. وبعد تفقّد الأضرار الّتي لحقت بالكنيسة ومبنى الرّعيّة من تحطيم للزجاج والأبواب... اتّجه كلّ من الموجودين إلى شوارع الأشرفيّة لإغاثة المصابين والجرحى ومعاينة الأضرار الفادحة خصوصًا في شوارع الجميّزة ومار مخايل والمدوّر...

يتابع الأب تابت أنّ مطرانيّة بيروت للموارنة تعرضت لأضرار جسيمة تقدّر قيمتها الإجماليّة بمليون دولار أميركي، إضافةً إلى أنّها سجّلت عددًا من الجرحى بينهم كهنة وعلمانيّين. كما أصيبت كنائس الأشرفيّة الـ 9 في الصّميم، ككنيسة مار أنطونيوس، ومار مارون، ومار يوسف وكاتدرائيّة القدّيس جاورجيوس...

ينتاب الأب تابت قلق شّديد على حال الاهالي الذين ما زالت بيوتهم غير صالحة للسكن، وتلك الّتي دمّرت بشكل هائل وتحتاج لإعادة بنائها من جديد. لكنه لا يخفي إيمانه بعزيمة البيروتيين وتمسّكهم بمدينتهم وجذورهم ويراهن عليها كي تبقى صورة بيروت، هي هي، مدينة الإيمان والمحبة والتعايش والانفتاح ...

بعد الإنفجار، قامت المطرانيّة بتوزيع أطباق ساخنة على الأهالي الذين شرّدهم عصف الانفجار وجرّدهم من أصغر حاجاتهم اليومية ومقتنياتهم الشخصيّة. كما نُصِبت خِيَمٌ أمام الكنائس لاستقبالهم ومساندتهم. أيضًا جالت فرق عدّة على المنازل لمعاينة الأضرار وتفقّد حاجات السُكّان.  إلى حين أطلقت الأبرشيّة حملة "تشجّع" لجمع التبرّعات والتخفيف من حدّة الألم وحال اليأس الّذي هيمن على البيروتيّين نتيجة إهمال وتقصير الجهات الرسمية في إغاثتهم. وهنا أوضح الأب تابت أن اسم الحملة "تشجّع" أتى للتأكيد على أنّ الرّب، بروحه القدّوس المعزّي هو مصدر قوّتنا الوحيد. ونوّه بالمتطوّعين الشّباب الّذين أسرعوا بأعداد كبيرة من مختلف المناطق اللّبنانيّة إلى إغاثة عاصمتهم والوقوف بجانب إخوتهم.

بامكانات محدودة وعلى الرغم من الضائقة الاقتصادية استطاعت المطرانيّة، من خلال إحصاءات قامت بها، أن تأخذ على عاتقها تأهيل ألف بيت وتأمين ضروريّات الحياة اليوميّة لسكانها، حيث تمكّنت من إنهاء العمل في 800 منزل حتّى اليوم. وأضاف أنّ المطرانيّة تقوم بتوزيع الحصص الغذائيّة المقدّمة لها من منظّمات عدّة، كمجلس كنائس الشرق الأوسط، على العائلات الأكثر ضعفًا وتضرّرًا، مشيرًا أنّ الحاجة الماسّة تكمن أيضًا في أدوات النّظافة الّتي ارتفعت أسعارها، كغيرها من المستلزمات، بشكل جنونيّ. وأشاد بروح الأخوّة والتكاتف بين سكّان المنطقة حيث قام كثُر من بينهم بمشاركة حصص المساعدات بين بعضهم.

تواصل المطرانيّة التعاون مع غرفة طوارئ الجيش اللّبناني المتمركزة في بلديّة بيروت والّتي تعمل على التنسيق بين الجمعيّات كي يتمّ توزيع المساعدات بشكل عادل على جميع المتضرّرين؛ وبالتّعاون مع تجمّع جمعيّات "Uniting For Lebanon" الّذي يضمّ 90 عضوًا فاعلًا ميدانيًّا. كما أشار إلى التنسيق مع اللّجنة المسكونيّة الّتي أطلفها مجلس كنائس الشرق الأوسط، حيث يتمّ العمل على مساعدة المتضرّرين من الكنائس كافّة دون أي تمييز. منوّهًا بالتعاون والتعاضد بين الكنائس والأبرشيّات وبين المسيحيّين ككلّ، قائلًا "ونحن نعمل على زرع الأمل والثقة فالرّب لن يتركنا أبدًا!".

انفجار بيروت يدخل شهره الثالث في مرحلة سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة بالغة الصّعوبة. اللّبنانيّون غرقوا في ظروف معيشيّة مؤسفة فيما ينشغل المسؤولون بمصالحهم وصفقاتهم. نسبة الهجرة في ارتفاع مستمرّ ومسيحيّيو بيروت أمام خيارين إمّا مغادرة وطنهم الجريح أو مواجهة الفقر المدقع. إذْ، لولا مبادرات المجتمع الدولي وبعض الجمعيّات والمنظّمات الحكوميّة لبقيت بيروت الثكلى تنزف، فالعاصمة تبقى حتّى اليوم بحاجة ماسّة إلى من يضمّد جراحها. لكن رغم كلّ هذه المآسي، تبقى الصلاة الوسيلة الوحيدة لاستمداد القوّة والرّجاء، "فالشّعبُ الْجالسُ في الظّلمةِ أَبصرَ نورًا عظيمًا، والّذينَ في بُقعةِ الموتِ المُظلمةِ أَشرقَ عليهِم النّور" (متّى 4 : 16).

دائرة التواصل والعلاقات العامة

Previous
Previous

دفعة جديدة من المساعدات للعائلات المتضرّرة من انفجار بيروت

Next
Next

هل تبصر تحقيقات انفجار بيروت النور قريبًا؟