كلمة غبطة البطريرك يوسف العبسيّ في ختام الأمسية الروحيّة البيزنطيّة الفصحيّة في كاتدرائيّة سيّدّة النياح بدمشق
في التالي نصّ الكلمة الّتي ألقاها غبطة البطريرك يوسف العبسيّ، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للرّوم الملكيّين الكاثوليك، في ختام الأمسية الرّوحيّة البيزنطيّة الفصحيّة الّتي أقيمت يوم الأحد 1 أيّار/ مايو 2022 في كاتدرائيّة سيّدة النّياح بدمشق. خلال الأمسية، أدّت جوقة القدّيس استفانوس المنشئ البطريركيّة والكلّيّة القداسة بمشاركة مرنّمين من أبرشيّة دمشق مجموعة من التّرانيم المتنوّعة.
"تحاوروا في ما بينكم بمزاميرَ وتسابيح وأناشيد روحيّة؛ رنّموا وأشيدوا للربّ بكلّ قلوبكم؛ وفي كلّ وقت وعلى كلّ حال أشكروا اللّه الآب، باسم ربّنا يسوع المسيح" (أف 5، 19). وجّه القدّيس بولس هذه الكلماتِ إلى أهل أفسس واضعًا لهم طريقةً لحياة الجماعة تقوم على التعاضد والتكامل وعلى الشكر للّه، ومعتبرًا أنّ أسمى أشكال التعاضد والتكامل هو التحاور بالمزامير تُتلى مرنّمةً وبالتسابيح والأناشيد الروحيّة، وفي مخيّلته ما سمعه ورآه النبيُّ أشعيا في السماء: الملائكةُ يسبّحون اللّه ويرنّمون ويصرخون الواحد نحو الآخر بأصوات متّفقة كأنّما بفم واحد: "قدّوس قدّوس قدّوس ربّ الصباؤوت".
الصلاة الجماعيّة اللّيتورجيّة هي القلب الحيّ الذي ينبض بنبضات حياتنا الروحيّة. وأرفع أشكال الصلاة الليترجيّة الجماعيّة هو تسبيح الجماعة بصوت واحد ونغم واحد يعكس الروح الواحد والقلب الواحد. أتينا من أماكن مختلفة ونحمل أفكارًا وآراءَ متنوّعة ولكلّ واحد منّا ما يخصّه، لكنّ الترنيم جمعنا في هذه اللّيلة وجعلنا واحدًا. الترنيم الجماعيّ، حيث يحرص المرنّمُ على أن يَسمع المرنّمَ الذي بجانبه، ويحرصُ على أن لا يخرج عن النغم والإيقاع وأن يُبقي بصره مشدودًا إلى قائد الجوقة، يمثّل المؤمنَ الذي يحرص على أخيه المؤمن ويسهر عليه ويتعاون معه مثبّتًا نظره على السيّد المسيح ليصل إلى الوحدة معه. الصلاة الجماعيّة الليترجيّة هي رباط من رباطات الوحدة في الكنيسة.
في طقسنا البيزنطيّ الكنسيّ نعتبر الترنيم مكوِّنًا أساسيًّا من مكوّنات صلواتنا الطقسيّة. ونرى أنّ الترنيم الجماعي يعبّر عن البعد الكنسيّ العلائقي. هو بالتأكيد أصعب من الترنيم الفرديّ. هدفه أن يعكس وحدة المؤمنين على مثال وحدة الملائكة. بالترنيم نتّحد كذلك مع آبائنا الذين رنّموا وسبّحوا اللّه في هذه الكنيسة وفي كلّ الكنائس لأنّ صدى ترنيمهم لا يزال يتردّد بين جدرانها وحناياها منضمًّا إلى صوتنا.
في هذه الأمسية الفصحيّة الروحيّة، رفعَنا جوقُ المرنّمين إلى عالم روحيّ سامٍ وجعلنا نشعر بالوحدة فيما بيننا ومع الملائكة الذين يحيطون باللّه ويرنّمون له ويسبّحونه في كلّ حين. لقد لمسنا وسمعنا كيف يرتّل المرنّمون وكأنّهم صوت واحد عاكسين بذلك الوحدة التي تجمع المؤمنين. لا شكّ أنّهم تعبوا وسهروا كثيرًا ليصلوا إلى هذا المستوى الرفيع من الأداء والجودة. في تعبهم وسهرهم دعوة لكلّ واحد منّا أن يتعب ويسهر من أجل وحدة الكنيسة.
أتوجّه بالشكر الجزيل لأبنائي أعضاء الجوقتين وللمرنّمين من أبناء أبرشيّتنا المباركة الذين شاركوا في هذه الأمسية ومن بينهم كهنة ورهبان. جعلوننا نعيش وقتًا فصحيًّا من الوقت الذي لا مساء له والذي أدخلنا إليه السيّد المسيح بقيامته من بين الأموات. أشكر بشكل خاصّ الأبناء الذين أتوا من لبنان وقد كرّسوا ساعات طوالًا من وقتهم للتدريب وتحمّلوا مشقّات السفر لكي نعيش كلّنا معًا هذا الاختبار الروحيّ المميّز. هذه الأمسية شهادة إنجيليّة ناصعة منهم ورسالة واضحة ترينا كيف يكون المسيحيّ ذلك الإنسان الجديد القائم المتحرّر الذي يأبى أن توضع له حدود أيًّا كان نوعها وأن يبقى مغلقًا عليه بباب القبر…
هذه الكلمة نُشرت على صفحة بطريركيّة أنطاكية وسائر المشرق للرّوم الملكيّين الكاثوليك على موقع فيسبوك، لقراءة المزيد إضغط هنا.