غبطة البطريرك يوحنّا العاشر في قدّاس اثنين الباعوث

"كمسيحيّين أصلاءَ في هذا الشرق كنّا وسنبقى دومًا وأبدًا على المصلوبيّة على مثال سيّدنا ومشرق مشارقنا"

دمشق، سوريا، 6 أيّار/ مايو 2024

أكّد اغبطة البطريرك يوحنّا العاشر، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للرّوم الأرثوذكس، ورئيس مجلس كنائس الشرق الأوسط عن العائلة الأرثوذكسيّة، على أهميّة الوجود المسيحي في الشرق وعلى أهميّة العيش الواحد مع الآخر من كلّ الأطياف. كلام غبطة البطريرك جاء في عظة قدّاس اثنين الباعوث الّذي أقامه غبطته في الكاتدرائيّة المريميّة بدمشق بمشاركة لفيف الاكليروس. وجاء في عظة غبطته:

"يا من دعوتَ أمَّك مُباركة، لقد أقبلتَ إلى الآلام باختيارك طوعًا، وأشرفت على الصليب، مُريدًا أن تطلب آدم، قائلًا للملائكة، افرحوا معي لوجودي الدرهم الضائع"

هذا لسان حال الكنيسة في هذا الفرح الفصحي العارم. اليوم يوم القيامة. يومَ وجدت الحكمةُ الإلهيّة الدرهمَ الضائعَ، الإنسان الشريد الّذي تغرّب يومًا ما عن رحمة اللّه. اليوم الحكمة الإلهيّة الّتي كنست بقاع الدنيا بحثًا عن درهمها الضائع تجده وتحتضنه وتنتشلهُ بيد آدم وحواء من دركات الجحيم إلى أعالي المجد عبر سر الفداء الإلهي. اليوم يسوع المسيحُ الرب يناجي طغمات الملائكة التسع ويقول: افرحوا معي لوجودي الطغمة العاشرة أو الدرهم العاشر، الإنسانَ الذي أحببتُ وبذلت دمي على الصليب لأجله. من أجله سلكتُ درب آلامي واعتليتُ جلجلةَ عذابي. من أجله تنكّبتُ صليبي وتلقّفت مساميري وأسلمتُ روحي وسكنت قبري وانحدرت إلى عمق لجة الجحيمِ. ومن هناك، سربلتُه نوري. أمسكت بيده وأنهضته معي إلى ميامن المجد.

لذا، ما درج في كنيستنا الأرثوذكسية أن ما يسمى بأيقونة النزول إلى الجحيم، تعتبر أيقونة قيامة السيد من بين الأموات. هناك دائماً الصليب والمصلوب. يحلو لي أن أتصور أن الكنيسة الأرثوذكسية ترنم للقيامة ولمجد القيامة وبهائها من على صليب الجلجلة والألم الذي عليه تتحسس وتتلمّسُ الكنيسةُ قيامةَ رب الفداءِ يسوعَ المسيحِ ذلك المثقوبِ اليدين بالمسامير المكلّلِ بالشوك المطعونِ بالحربة. ولا أدلَّ على ذلك من استخدامها اللحن الثالث، أقوى ألحانها وأروعها وأبلغها تعبيراً وأشدّها قوةً وثباتاً ورهبةً وفرحاً وفخامةً لوصف المسيح المعلق على صليب المجد وذلك في قطع الاينوس (أي التسبيح) لليلة الخميس العظيم المقدس-سحر الجمعة.

نرنم اليوم للقيامة بلسان ناظم التسبيح ونقول "يا ما ألذ نغمتك أيها المسيح! لأنك قد وعدتنا وعداً صادقاً أنك تكون معنا إلى نجاز الدهر". ووعدك أيها المسيح مرساة خلاصنا في هذا العمر الذي نحيا مهما اشتدت الأهوال ومهما تكاتفت الصعاب. يبقى لنا من نورك نورٌ هو زوادةٌ لنا، زوادةٌ لإنسانك الذي أوصيته دائماً أن يتحلى بالرجاء. من هذا الرجاء نطل كمسيحيين على الدنيا ونتأمل وخصوصاً في هذا اليوم كيف عاش أجدادنا منذ فجر المسيحية وكيف سلمونا "الإيمان-الأمانة". نتأمل كيف مسحنوا هذا الشرق وغرسوا في وديانه وفي جباله كنائسهم وأديارهم وصوامعهم وقراهم ومدنهم. كيف نحتوا من صخره أجران معموديتهم. كيف قرعوا أجراسهم وشهدوا للمسيح القائم رغم شظف التاريخ. نتأمل تلك الغيرة وتلك الأصالة التي سربلتهم لقب مسيحيين في هذه الأرض لا في سواها. نتأمل كل ذلك ونعي وندرك كيف عاشوا ويعيشون مع الآخر من كل الأديان. وكيف رأوا في ذلك الآخر محكاً لكينونتهم لا لانعزاليتهم. نتأمل كيف اعتزوا بأصالتهم دون التشرذم والضياع في الفئوية القاتلة التي تجعل الإيمان والمسيح حكراً على قومٍ دون آخر والتي تُلبس الأصالةَ الإيمانية رداء التقوقع والتكفير وإلغاء الآخر وترشق الغير بالحرومات وتوزع صكوك البرّ والتبرير على من تشاء وكيفما تشاء وتنسى لا بل تتناسى أن للدنيا دياناً حقانياً واحداً مزمعاً أن يأتي يوماً ما بيديه المثقوبتين وبجنبه المطعون كرمى لبشريةٍ أحبَّ.

نصلي اليوم من أجل سوريا ونرفع الصوت من جديد مطالبين برفع الحصار الاقتصادي الآثم الذي ينهك إنسان هذه الديار. ننادي كل الحكومات وسائر الشعوب وندعوهم إلى وقفة ضمير: ارفعوا الحصار الآثم الذي يستنزف بلادنا وإنسانها ويجعل منه فريسةً لهجرةٍ لا يريدها. نحن لم نخلق لنموت على قارعة البحار ولم نوجد لنحلم بجواز سفر أجنبي ولم نكنْ لنستدرَّ عطف السفارات. كل العالم يتباكى على شعب سوريا من دون أن يتحرك ولو قيد أنملة لرفع الحصار الخانق الذي يسبب نزيفاً بشرياً من كل الأطياف كما ويخلق أعباء هائلة على دول الجوار وعلى سائر الدول المستقبلة وعلى المنظمات الدولية. اتركوا شعب سوريا ليعيش في أرض سوريا. وفِّروا الأمن فيها وحافظوا على وحدة ترابها. عالجوا السبب قبل التباكي على النتيجة…

إضغط هنا للإطّلاع على الصور.

هذا الخبر نُشر على صفحة بطريركيّة أنطاكية وسائر المشرق للرّوم الأرثوذكس على موقع فيسبوك، لقراءة المزيد إضغط هنا.

Previous
Previous

رسالة عيد القيامة 2024 من غبطة البابا ثيوذوروس الثاني

Next
Next

قداسة البابا تواضروس الثاني يرأس طقس إيداع الخميرة المقدّسة للميرون الجديد في دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون