غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان يحتفل بقدّاس أحد بشارة العذراء واليوبيل الذهبيّ لتكريس وتدشين كاتدرائيّة سيّدة البشارة، بيروت

    في تمام الساعة الحادية عشرة والنصف من قبل ظهر يوم الأحد 21 تشرين الثّاني/ نوفمبر 2021، إحتفل غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي، بالقدّاس الإلهيّ لمناسبة أحد بشارة العذراء مريم بالحبَل الإلهيّ، وذلك على مذبح كاتدرائية سيّدة البشارة، المتحف – بيروت. وخلاله إحتفل غبطته باليوبيل الذهبيّ لتكريس الكاتدرائيّة وتدشينها، وكرّم بعض المتزوّجين والّذين نالوا سرّ العماد في الكاتدرائيّة منذ خمسين سنة، وكذلك المسؤولين عن اللّجان والفعاليّات الّتي تخدم في الكاتدرائيّة.

    عاون غبطتَه في القداس صاحبا السيادة مار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد والمدبّر البطريركي لأبرشية الموصل وتوابعها وأمين سرّ السينودس المقدس، ومار متياس شارل مراد النائب العام لأبرشية بيروت البطريركية، بمشاركة الآباء الكهنة. وخدم القداس الشمامسة طلاب إكليريكية دير سيّدة النجاة – الشرفة، وجوق الكاتدرائية، بحضور ومشاركة جموع غفيرة من المؤمنين من أبناء الرعية.

    في موعظته بعد الإنجيل المقدس، بعنوان "ها أنا أمة الرب، فليكن لي بحسب قولك"، تحدّث غبطة أبينا البطريرك عن كاتدرائية سيّدة البشارة "التي احتفل بتقديسها وتكريسها سلفنا الأسبق المثلّث الرحمات البطريرك مار اغناطيوس أنطون الثاني حايكفي 30 أيّارعام 1971، لتصبح الكاتدرائية البطريركية الجديدة، بعدما تهدّمت كاتدرائية مار جرجس في الباشورة ودُمِّرت خلال الحرب المدمّرة التي عصفت بلبنان، والتي نرمّمها اليوم كي تعود كما كانت، باذلين كلّ جهدٍ كي تكون علامةً ورمزاً لكنيستنا السريانية الكاثوليكية في لبنان".

    وتكلّم غبطته عن احتفال "الكنيسة الجامعة بعيد البشارة في 25 آذار من كلّ عام، ولكنّ اليوم هو أحد بشارة العذراء مريم بالحبَل الإلهي، وهو الأحد الرابع من الآحاد التي تسبق عيد الميلاد، وهو عيد خاص بكنائسنا السريانية والكنائس الشقيقة ذات التقليد السرياني. وتريد كنيستنا أن تحثّنا كي نُهيِّىء قلوبنا وأفكارنا لتَقَبُّل سرّ التجسّد الإلهي بميلاد الرب يسوع، والذي تمّ بقبول العذراء مريم اختيار الله لها بالحبل بيسوع كلمته الأزلي، فادينا"، متناولاً بالشرح تفاصيل حدث بشارة الملاك للعذراء مريم بالحبَل بالرب يسوع، لافتاً إلى أنّ "البشارة لمريم هي بشرى لنا أيضاً، بأنّنا مدعوّون لنعيش مع الله الحاضر معنا ومن أجلنا، عمانوئيل، أي الله معنا، الشافي والمحرّر والمخلّص".

    ونوّه غبطته إلى أنّ الله "اختار مريم كي تكون الأمّ البتول لابنه الكلمة الأزلي الذي منها سيتّخذ جسداً بشرياً، واختار يوسف ليكون خطيبها والزوج البتول والأب الشرعي للإله المتجسّد والمربِّي له. وهكذا تمّت أقوال الأنبياء عن المسيح الذي يولد من عذراء ومن بيت داود الملك"، مشيراً إلى أنّه "في البشارة، أعلن الملاك لمريم أنّ: الروح القدس يأتي، وقدرة العليّ تظلِّلك، ولذلك فالقدّوس المولود منك يُدعى ابنَ الله. فظهرت ملامح سرّ الله الواحد والمثلّث الأقانيم: الآب الذي أرسل ابنه مولوداً من مريم العذراء بالجسد، بقوّة الروح القدس. من هذا الثالوث القدّوس الإله الواحد نستمدّ كلّ قوّتنا وسرّ وجودنا. فمحبّة الآب تظلّلنا، ونعمة الابن تخلّصنا، وحلول الروح القدس يثبّتنا ويقوّينا".

    ولفت غبطته إلى أنّه "انقضت خمسون سنة على تأسيس هذه الكاتدرائية وتكريسها على يد المثلّث الرحمات البطريرك مار اغناطيوس أنطون الثاني حايك، بعدما بنى المثلّث الرحمات البطريرك الكردينال مار اغناطيوس جبرائيل الأول تبّوني الكنيسة في أسفل هذه الكاتدرائية، وكانت تخدم شعبنا هنا الذي كان يضع كلّ ثقته ورجائه بهذه الأمّ السماوية. ونحن اليوم إذ نحتفل بهذا اليوبيل، نحتفل روحياً بتكريم أمّنا مريم العذراء مع أبناء هذه الرعية وبناتها، أكانوا هنا في لبنان أو في بلاد الاغتراب".

    وأكّد غبطته أنّنا "نبقى شعب الرجاء الذي لا يخاف مهما ازدادت المحن وعظمت المصائب. صحيحٌ أنّنا نمرّ بصعوباتٍ كثيرة، لكنّ أمّنا مريم العذراء هي حاميتنا، كما حمت الكثيرين منّا أثناء الحرب المشؤومة من السبعينيات حتّى التسعينيات من القرن الماضي. وأنتم الذين عشتم هذه الأزمة المخيفة التي مررنا بها، تدركون ذلك. وقد تحمّلت هذه الكاتدرائية وعانت الكثير من هذه الحرب، وأنا أذكر أنّنا رمّمناها في الثمانينيات عدّة مرات، واليوم المطران شارل مراد كخادم لهذه الرعية رمّمها وجدّد أقساماً منها، ورمّم القاعة بمساعدة المحسنين، وهيّأها كي تكون باستقبال المؤمنين". وإذ رحّب بسيادة المطران يوسف عبّا، أشار غبطته إلى أنّنا كرّسنا العام الماضي كنيسةً على اسم سيّدة البشارة في الموصل، وهي أوّل كنيسة يعاد بناؤها ويتمّ تكريسها في هذه المدينة، بعدما عانت من الإرهابيين والعنف والقتل هناك، وكنّا نؤكّد للمؤمنين على الدوام أنّ الكنيسة لن تتخلّى عنهم".

    وركّز غبطته على أنّ "مريم هي مثالنا في الطاعة، إذ أعلنت جواب الإيمان والرجاء والحبّ: أنا أمةُ الربّ فليكن لي بحسب قولك. فتجاوبت وكرّست ذاتها بكلّيتها، قلباً وعقلاً وجسداً وروحاً وإرادةً، كي تطيع تصميم الله وتدبيره الخلاصي. لا نظنّ أنّها عاشت حياةً هانئةً، بل خدمت ابنها الوحيد ورافقته في كلّ مراحل حياته حتّى أقدام الصليب، فشهدت ذبيحة وحيدها المصلوب، وأضحت بذلك مثال الأمانة والثبات، واستحقّت بذلك أن تصبح أمّاً للكنيسة. مريم قبلت الدخول في مدرسة سيّد المستحيل، وصارت المعلّمة لنا في الإيمان وفي معنى التتلمذ. خضعت بطاعة الإيمان، واستسلمت كلّياً لمشيئة اله، واثقةً أنّ الله يعدّ لها النصيب الأفضل الذي لن يُنزَع منها".

    وتناول غبطته الأوضاع الراهنة في لبنان عشيّة العيد الثامن والسبعين للاستقلال، فقال:

    "يوم غد الثاني والعشرين من تشرين الثاني، يحتفل لبنان بعيد استقلاله الثامن والسبعين، ونحن نسأل الله أن يعيد هذا العيد على وطننا وقد نهض من كبوته وتعافى من الأزمات العديدة التي يعاني منها، وهو يريد أن يعيش بأمان وسلام وبكرامة ومواطنة صحيحة. لكنّنا ندرك جميعاً أنّ هذه الأوضاع صعبة على الكثيرين منكم، ونحن ككنيسة نشعر معكم، وسنبقى نتكلّم باسمكم معلنين أنّ ما يحصل في لبنان هو ظلم، لا سيّما للمواطنين الأبرياء.

    كيف لنا ونحن في أحد البشارة ألا نتضرّع إلى الرب ليرفق بوطننا لبنان الذي يعاني ما يعانيه من مشاكل واضطرابات وأزمات لا تنتهي، والجالسون في مواقع المسؤولية غائبون عن الواقع ويعيشون في عالم آخر لا يحاكي ما يعانيه الشعب يومياً، بل كلّ لحظة من نهاره. فمن أزمة المحروقات وأسعارها الجنونية، أتى رفع الدعم عن الأدوية والمسلتزمات الطبّية ليقول للمواطن الفقير: أنتَ ممنوع عليك أن تمرض، وإلا فإنّك معرَّض للموت على أبواب المستشفيات. فإلى أزمة المواد الغذائية وحليب الأطفال، والتي أضيفت أيضاً إلى الأزمات التي لا تنتهي فصولها!

    وما يزيد في معاناة اللبنانيين شلّ عمل الحكومة تحت شرط إقالة المحقّق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت، بحجّة أنّه رفض الرضوخ إلى الإملاءات والضغوط السياسية التي تمارسها الطغمة السياسية الحاكمة التي أفلست البلاد بفسادها وفقدانها لحسّ المسؤولية وإهمالها.

    ومعلومٌ أنّ هذه الكاتدرائية نفسها كما دار البطريركية عانت الكثير من الدمار، سواء بالأبواب أو الشبابيك أو الزجاج وسواها، بسبب هذا التفجير الإجرامي.

    كلّ هذه المشاكل وأكثر، نعيشها بعد سنوات طويلة من الاستقلال لم يستطع خلالها السياسيون اللبنانيون بناء دولة عصرية حديثة مستقلّة ومحايدة عن المحاور والصراعات التي لم تسبّب سوى الحروب والويلات للشعب اللبناني، كما باقي الشعوب في الأوطان المجاورة.

    لذا نقولها بصراحة: على اللبنانيين عامّةً، والمسيحيين خاصّةً، أن يتّحدوا كي يستطيعوا أن يشعروا بآلام ومخاوف الشعب، ويشجّعوهم كي يبقوا متجذّرين في لبنان. لا تكفي الأقوال، بل يجب أن تُرفَق بأفعال حقيقية على الأرض، بمعنى أن نجمع شمل اللبنانيين، ولا سيّما المسيحيين، كي يتمكّن الشاب المسيحي من الشعور أنّ الله لم يتخلى عنه وعن بلده، بل سيظل يحمي لبنان وأهله …

هذا الخبر نُشر على موقع بطريركيّة السريان الكاثوليك الأنطاكيّة، لقراءة المزيد إضغط هنا.

Previous
Previous

غبطة البابا ثيودروس الثاني يحتفل بعيد دخول العذراء مريم والدة الإله إلى الهيكل في جوهانسبرج

Next
Next

شباب الكنيسة الكلدانيّة يختمون أيّام لقائهم ببغداد لليوم الثّالث