عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الرَّاعي في أحد القيامة 2023
تجدون في التالي عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الرَّاعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، في أحد القيامة 2023، يوم الأحد 9 نيسان/ أبريل 2023، في الصرح البطريركيّ في بكركي، لبنان.
"المسيح قام! حقًّا قام"
1. هذه التحيّة من التقليد المسيحيّ هي كلمة الإيمان وصخرته. الإيمان بأنّ المسيح الّذي مات لفداء خطايا البشر أجمعين، قام من الموت ليبثّ في كلّ مؤمن ومؤمنة به الحياة الإلهيّة لتقدّسه. أمّا الصخرة فهي أنّنا أصبحنا "أبناء القيامة": نموت معه عن خطايانا، ونقوم بقوّته إلى حالة النعمة. نختبر هكذا "قيامة القلب"، ونصبح "أبناء الرجاء" الّذي ينفي كلّ يأس وضياع. ولنقلها مع بولس الرسول: "لو أن يسوع صُلب ومات ولم يقم، لكان إيماننا باطلًا، ولكنّا بعدُ أمواتًأ في خطايانا، وشهود زور" ولكان بالتالي احتفالنا كاذبًا. لكنّ المسيح قام! حقًّا قام!
2. فيسعدنا أن نحتفل معكم بعيد قيامة ربّنا يسوع المسيح، وبعيد قيامة قلوبنا لحياة جديدة، بالفكر الصالح، بمحبّة القلب، بالمسلك البنّاء، بالنظرة الجديدة، بالمنطق المختلف، بالإنسان الجديد. ويطيب لي، باسم الأسرة البطريركيّة، أن أقدّم لكم أطيب التهاني والتمنيات بالعيد، أنتم الحاضرين معنا، ولكلّ الذين يشاركوننا عبر وسائل الإتصال في النطاق البطريركيّ وبلدان الإنتشار، راجين أن تنعموا جميعكم بثمار قيامة ربّنا يسوع من الموت، وأوّلها "قيامة القلب" في كلّ واحد وواحدة منّا. وإذ نحتفل "برتبة السلام" النابع من المسيح القائم من الموت، نتمنّى لكم جميعًا عطيّة السلام الداخليّ ونشره في عائلاتنا ومجتمعنا وأوطاننا.
أجل الحضارة المسيحيّة هي حضارة السلام مع الله والذات، ومع جميع الناس. وسيلتنا المحبّة واحترام الآخر المختلف ومغفرة الإساءة. السلام الذي تسلّمناه من المسيح "أمير السلام" (أشعيا 9: 6). مؤسّس على الحقيقة ومبنيّ بالعدالة ومنتعش بالمحبّة ومحقَّق بالحريّة. (الرسالة العامّة "السلام على الأرض"، 89، للقدّيس البابا يوحنّا الثالث والعشرين).
3. تلقّى النسوة بشرى القيامة من الملاك الجالس في القبر الفارغ: "إنّكنّ تطلبن يسوع الناصريّ المصلوب؟ إنّه قد قام وليس ههنا." (مر 16: 6). وطلب منهنّ نقل البشرى إلى تلاميذه.
لقد نعمت النسوة بتحويلهنّ من مشاهدات للمكان حيث دُفن جسد يسوع فيما التلاميذ تبدّدوا (راجع مر 5: 40-41)، فحملن فجر الأحد طيوبًا لتحنيط جسده (مر 16: 1)، إلى شاهدات للقيامة، بفضل إنفتاحهنّ على سرّ المسيح بالحبّ والإيمان. وهكذا حوّلهنّ هذا السرّ من مشاهدات إلى شاهدات ومبشرات بقيامة يسوع. إنّ القيامة في الأساس ودائمًأ حدث إيمانيّ. قال عنه بولس الرسول كما سمعنا في رسالته: "إن كان المسيح لم يقم، فكرازتنا باطلة، وإيمانكم أيضًا باطل، وأنتم بعد في خطاياكم" (1 كور 15: 14 و17).
4. تدعونا قيامة المسيح إلى "قيامة قلوبنا" بحياة جديدة، نتشبّه فيها بيسوع-الإنسان. ومن مقتضيات "قيامة القلب":
أ- تطبيق النصوص الليتورجيّة على حياتنا وأعمالنا ومسلكنا، وعدم جعلها مجرّد نصوص لا علاقة لها بحياتنا الشخصيّة،
ب- لباس ثوب النعمة الإلهيّة الفائضة من موت المسيح وقيامته، وعدم حصر العيد بالألبسة الخارجيّة، والطعام المختلف.
ج- جعل حدث قيامة المسيح واقعًا متواصلًا بمفاعيله في التاريخ، لا مجرّد ذكرى حدث مضى وانتهى، لا علاقة له بنا و "بقيامة قلوبنا".
5. ليست قيامة المسيح للمسيحيّين حصرًا، بل لجميع الناس. وكونها أساس الإيمان المسيحيّ لا يعني أنّها محصورة بالمسيحيّين، فهي لكلّ البشر. يسوع هو مخلّص العالم، وفادي الإنسان. أمّا المسيحيّون فهم شهود القيامة ومعلنوها، وفي الوقت عينه ملتزمون بثمارها، وسيُدانون على التفريط بها.
كلّ مسؤول في الكنيسة والدولة والمجتمع والعائلة لا يعيش "قيامة القلب" يغرق في عتيق أنانيّته، ومصالحه الصغيرة، وينغلق قلبه عن الحبّ والعطاء والغفران، ويظلّ أسير كبريائه ونزواته؛ ويحتفر هوّة عميقة بينه وبين من هم في إطار مسؤوليّته، ويفقد بالتالي ثقة من هم في دائرة مسؤوليّته. معلوم أنّ الثقة هي مصدر قوّته.
سئل مرّة كونفشيوس الفيلسوف الصينيّ: أيّ صفة يطلبها الشعب في الحاكم ليكون مقبولًا؟ فأجاب: الأمن؟ يمكنه فرضه بكلّ الوسائل، فإذا لم ينجح يكون قد سعى. الطعام؟ الجوع لا يميت، وإذا فشل الحاكم في تأمينه لا يحاسبه الناس. الثقة؟ نعم لأنّ من دون الثقة بالحاكم، لا إستمراريّة له في السلطة؛ فالثقة هي مصدر قوّة الحاكم. (راجع جريدة النهار 22 شباط/ فبراير 2023، البروفسور أمين صليبا: "وحدها الثقة بالحاكم خشبة الإنقاذ")…
هذه العظة نُشرت على صفحة البطريركيّة الأنطاكيّة السريانيّة المارونيّة على موقع فيسبوك، لقراءة المزيد إضغط هنا.