عظة غبطة البطريرك الكاردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي في الأحد الثاني من زمن الصليب

تجدون في التالي عظة غبطة البطريرك الكاردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، في قدّاس في الأحد الثاني من زمن الصليب، الأحد 22 أيلول/ سبتمبر 2024، في الصرح البطريركيّ في الديمان، لبنان.

"ما هي علامة مجيئك ونهاية العالم" (متى 24: 3) .

1.عندما كلّم الربّ يسوع تلاميذه عن خراب هيكل أولاشليم، ظنّوا أنّها نهاية العالم. ذلك أنّ الهيكل هو كلّ شيء عندهم، وهو محطّ أمالهم، والصامد أبدًا. فسألوه: "متى يكون هذا وما هي علامة مجيئك ونهاية العالم"(متى 24: 3). لكنّ الربّ كلّمهم عمّا سيواجهونه من مضايق واضطهادات، وعمّا سيصيب العالم من حروب وزلازل، وعن ظهور مسحاء كذبة يضلّون الشعوب. فأوصاهم بأمرين: التسلّح بالصير "فمن يصبر إلى النهاية يخلص"، "والكرازة بإنجيل الملكوت في الخليقة كلّها، وعندئذٍ يكون الإنقضاء".

2. يسعدني أن أحيّيكم جميعًا، وأن نحتفل معًا بهذه الليتورجيا الإلهيّة، ونصلّي فيها من أجل نهاية الحروب، وإحلال سلام عادل وشامل في جنوبي لبنان وغزّة. ونصلّي لراحة نفوس القتلى وشفاء الجرحى الذّين سقطوا من صفوف حزب اللّه في هذا الأسبوع المنصرم.

وأوجّه تحيّة خاصّة لعائلة عزيزنا المرحوم الخوري طانيوس أبي رميا، كاهن إهمج السابق، فنحيّي زوجته وعائلته وأنسباءه. وقد ودّعناه معهم في هذا الصيف ومع أهالي إهمج الأعزّاء. فنصلّي لراحة نفسه وعزاء أسرته.

كما أحيي جمعيّة الكشّاف الماروني، رئيس الهيئة الإداريّة والعامّة. وفي المناسبة نثني على حضور هذه الجمعيّة الكشفيّة وتنظيم الإحتفالات في مختلف الرعايا. ونتمنّى لها دوام النموّ والإزدهار.

3. نحن في زمن الصليب، وهو المرحلة الأخيرة من السنة الطقسيّة. إنّه زمن النهايات والواقعات الجديدة، ونعني الموت والدينونة الخاصّة والعامّة والخلاص الأبديّ والهلاك، ونعني مجيء المسيح الثاني بالمجد، ومجيئه اليوميّ في حياتنا، حيث يطلب منّا الشهادة له.

4. أمّا نبوءة الربّ يسوع عن خراب الهيكل، فقد تمّت على يد الرومان سنة 70 مسيحيّة ولم يبقَ منها حجر فوق حجر إلّا حائط المبكى. ولم يتمكّن اليهود من إعادة بنيانه حتى يومنا. ذلك أنّه فقد قدسيّته ومبرّر وجوده، بعد قتل سيّده وربّه يسوع المسيح. وفي الواقع "عندما أسلم يسوع الروح"، إذا حجاب الهيكل قد انشقّ شطرين من الأعلى إلى الأسفل" (متى 27: 50-51).

5. لم يجبهم يسوع على سؤالهم: "متى يكون هذا، وما هي علامة مجيئك ونهاية العالم" (متى 24: 3). بل دعاهم إلى الصبر مؤكّدًا: "من يصبر إلى المنتهى يخلص" (متى 24: 13). ودعاهم إلى الثبات في إيمانهم على الرغم من الإضطهادات والمضايق والتضليل، وإلى مواصلة إعلان إنجيل الملكوت، هذا الإنجيل يعني الإتحاد باللّه عاموديًّا، والوحدة مع جميع الناس أفقيًّا.

إنّ زمن الصليب يدعونا نحن المسيحيّين، لننظر إلى الوطن السماويّ، من حيث يُعطى لنا نور جديد، وقوّة في التزامنا ومسيرتنا اليوميّة، الهادفة إلى نشر ملكوت اللّه، بالكرازة وشهادة الحياة، والأفعال والمبادرات. إنّها خدمة غالية يجب أن نقدّمها لعالمنا هذا، الذي غالبًا ما لا يقوى على رفع نظره إلى الأعلى، إلى اللّه، بسبب انغماسه في تيّارات الماديّة والإستهلاكيّة والنسبيّة؛ وبسبب تيّار الإلحاد المعاصر الذي يؤمن بوجود اللّه، لكنّه يضعه جانبًا لاعتباره غير مفيد وغير فاعل في الحياة اليوميّة، ويعطي الأهميّة والقدرة للمال والسلاح والسلطة، وهي "الأصنام الجديدة".

6. يدعونا البابا فرنسيس لنتحرّر من "الأصنام الكبيرة والصغيرة" التي هي فينا، أو نلجأ إليها، أو نبحث فيها عن أماننا. إنّها أصنام نحتفظ بها وربّما تكون الطموح إلى النفوذ والتسلّط والسيطرة على الآخرين، وسكرة النجاح، ووضع الذات كمحور، والاعتقاد بأنّنا أسياد حياتنا الوحيدون. يجدر أن أسأل نفسي: "هل فكّرت أنا شخصيًّا في نوع الصنم الخفي في حياتي، والذي يمنعني من العبادة الحقّة لله، ومن إداء الشهادة المسيحيّة الفاعلة والقابلة للتصديق. فضيلة التعبّد لله، وهي واجب من باب العدالة تجاه اللّه، تعني التجرّد من أصنامنا، حتّى المخبّأة في أعماق نفوسنا، واختيار اللّه كمحور لحياتنا، وكطريق أساسيّ لها" (راجع عظته في 14 نيسان 2013).

7. هذا السؤال مطروح علينا وعلى كلّ لبنانيّ بشأن الأصنام الكبيرة والصغيرة في حياة كلّ إنسان، وفي حياة الجماعة الصغيرة والكبيرة. فكانت النتيجة نقل لبنان من التعدّديّة في الوحدة إلى التعدّديّة في الأحدية. ولا تتوقّف هذه الحالة إلّا حين ينطلق الشعب اللبنانيّ في مسارٍ مستقبليّ جديد يدوم ردحًا زمنيًّا ثابتًا وناجحًا يمكّنه من خلق دورة تاريخيّة جديدة…

هذه العظة نُشرت على صفحة اللّجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام في لبنان، المركز الكاثوليكي للإعلام، على موقع فيسبوك، لقراءة المزيد إضغط هنا.

Previous
Previous

قداسة البابا فرنسيس: ليتمَّ الإصغاء إلى صوت الشعوب الّتي تطلب السلام

Next
Next

غبطة البطريرك يوحنّا العاشر يلتقي مع الكشّاف الأرثوذكسيّ العام