عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي في اليوم العالمي الثّاني والثّلاثين للمريض
تجدون في التّالي عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، في اليوم العالمي الثّاني والثّلاثين للمريض، يوم الأحد 11 شباط/ فبراير 2024، في مستشفى بيروت الجامعيّ، الكرنتينا، لبنان.
"كان يسوع يسير في جميع المدن والقرى، يعلّم... ويعلن...
ويشفي من كلّ مرض وعلّة" (متّى 9: 35)
1.ربّنا يسوع هو الرحمة الإلهيّة المتجسّدة، وقد ظهرت رحمته للمرضى والمصابين بأيّ علّة، أكانوا مرضى الجسد أو النفس أو الروح. فشفى مرضى الجسد الّذين التقاهم ومنهم في إنجيل اليوم الأعميان والأخرس، وشفى مرضى النفس كالخطأة الّذين قاربهم وغفر لهم خطاياهم؛ وشفى مرضى الروح الّذين عزّاهم قي حزنهم، وشجّعهم في ضعفهم، وخلّصهم من كيدهم وحقدهم وكبريائهم. تجاه هؤلاء جميعًا وأمثالهم "أحسّ بالشفقة، إذ رآهم تعبين رازحين كغنمٍ لا راعي لها" وقال: "الحصاد كثير والفعلة قليلون" (متّى 9: 36). وللحال أرسل تلاميذه الإثني عشر، وقال: "نادوا وقولوا: لقد اقترب ملكوت الله. إشفوا المرضى، طهّروا البرص، أقيموا الموتى، أطردوا الشياطين، مجّانًا أخذتم، مجّانًا أعطوا" (متّى 10: 7).
2. هذا الإرسال وهذه الرسالة مستمرّان الآن وهنا في هذا مستشفى بيروت الجامعيّ-الكرنتينا الّذي نحتفل فيه باليوم العالمي الثّاني والثّلاثين للمريض. وقد أنشأه القدّيس البابا يوحنّا بولس الثاني وحدّده ليكون في اليوم الحادي عشر من شهر شباط، عيد سيّدة لورد، شفيعة المرضى وشافيتهم.
فيسعدنا أن نحتفل معًا بهذه الليتورجيا الإلهيّة التي نقدّمها من أجل شفاء المرضى جسدًا ونفسًا وروحًا. وأحيّي من صميم القلب إدارة المستشفى وطاقمها الطبّيّ والممرّضات والممرّضين وسائر الموظّفين، وكلّ المرضى بدأ بالاطفال الاحباء الذين زرناهم، ونصلّي من أجل شفائهم، ونحيّي عائلاتهم وأهلهم، الذين يخفّفون عن أوجاعهم بصلاتهم وبقربهم الدائم منهم.
3. مرّ هذا المستشفى في مراحل متنوّعة للدلالة أنّ يد العناية الإلهيّة أرادته. بدأ في مرحلة أولى سنة 1919 باستقبال المسافرين لوضعهم في الحجر الصحيّ قبل دخولهم البواخر فكانت اللفظة الفرنسيّة Mise en quarentaine والإيطاليّة quarantena التي تعني أربعين يومًا. ثمّ تطوّر المستشفى ليصبح سنة 1955 "مستشفى الكرنتينا الحكوميّ"، أمّا مع بداية الحرب سنة 1975 فأصبح ثكنة تحت سيطرة المسلّحين المقاومين. وفي العام 2000 تعيّن أوّل مجلس إدارة بعد تأهيل المستشفى. وكذلك سنة 2015 بفضل المواطن اللبنانيّ المهاجر السيّد كارلوس سليم حقّق المستشفى قفزةً نوعيّة بإعادة تأهيل قسم الأطفال الحديثيّ الولادة، والمرضى عامّة.
غير أنّ تفجير المرفأ في 4 آب 2020 أصاب المستشفى بالأضرار الجسيمة، وعاد ليتجدّد بفضل الدول الصديقة والأيادي البيضاء وسخاء بعض العائلات اللبنانيّة، فاستأنف خدمته بشكل أكمل وأكبر ليستقبل المرضى من دون أي تمييز في حالته الصحية.
4. فإنّا نذكر بصلاتنا كلّ الذين سابقًا وحاضرًا ساهموا في إنشاء هذا المستشفى وتطويره وإكمال تأهيله. كافأهم الله مع مجالس الإدارة المتعاقبة بفيض من نعمه وبركاته.
5. وها هو اليوم يعمل بنشاط على تأمين ما يلي:
1. العناية الطبيّة اللازمة لمختلف المرضى وفق المعايير العالميّة.
2. خدمة الرعاية الصحيّة الأوّليّة لأهل المنطقة بأسعار تنافسيّة غير متوفّرة في مستشفيات أخرى.
3. الخدمات الصحيّة بجودة عالية.
ويسعى لتجهيز مركزين:
1. مركز لتقديم العلاج الكيميائي، للكبار والصغار.
2. مركز لمعالجة أمراض الكلى.
قلت هذا لكي اجدد التأكيد ان العناية الالهية ارادت هذا ، ولعذا فهو مستمر حتى اليوم.
6. إعتاد البابوات أن يوجّهوا رسالة بمناسبة اليوم العالميّ للمريض. فوجّه قداسة البابا فرنسيس رسالته لهذه السنة بموضوع "لا يحسن أن يكون الإنسان وحده" (تك 2: 18). وهي كلمة قالها الله عندما خلق الرجل والمرأة. وذلك أنّ الله بفيض محبّته خلق الكائن البشريّ من أجل الشركة، طابعًا فيه البُعد الإجتماعيّ، بُعد العلاقات مع غيره. وهكذا حياتنا، المصاغة على صورة الثالوث الأقدس، مدعوّة لتحقّق ملء ذاتها في ديناميّة علاقات الصداقة والحبّ المتبادلة. نحن مخلوقون لنعيش معًا، لا لوحدنا. بسبب هذه الشركة المكتوبة في قلب الإنسان، فإنّ اختبار الوحشة وابتعاد الناس مخيف. هذا ما اختبره الذين أصيبوا بداء الكورونا: مرضى لم يستطيعوا استقبال أي زيارة من أهلهم وأصدقائهم، ممرّضات وأطبّاء وموظّفون عاشوا في عزلة تامّة؛ مرضى ماتوا بعيدًا عن أهل بيتهم، مسنّون يعيشون في مراكز خاصّة بهم وليس لهم قريب أو صديق، وبالأكثر إذا أهملوا من عائلاتهم. بالإضافة إلى المرضى الذين يعالجون في قطاع العناية الفائقة.
ويتكلّم قداسة البابا فرنسيس أيضًا عن الوحشة الروحيّة بسبب الخطيئة التي تصيب العلاقات مع الله والذات والآخرين ومع الخلق.
ويدعو إلى التحلّي بالمقاربة والحنان تجاه كلّ متألّم من الوحشة وابتعاد الناس عنه، وإلى الإعتناء بإحياء العلاقات الشخصيّة مع الله والآخرين من أهل البيت والأصدقاء والعاملين في المستشفيات. ويدعونا لنتشبّه بذلك السامريّ الصالح (لو 10: 25-37)، ولنتبنّى نظرة يسوع الشفوقة، ونعالج جراح الوحشة، وبذلك نقاوم ثقافة الروح الفرديّة. اي مريض لا يختبر القوة التي يشعر بها عندما يدخل الى غرفته الطبيب مبتسمًا ومخففًا هنه، وكذلك عندما يعامله الممرضون بعطف واهتمام؟ فالابتسامة في هذه الحالة هي جزء من الدواء…
هذه العظة نُشرت على صفحة البطريركيّة الأنطاكيّة السريانيّة المارونيّة على موقع فيسبوك، لقراءة المزيد إضغط هنا.