غبطة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو في اليوم الثالث من الرياضة الروحيّة لأساقفة وكهنة العراق 2023:
الكاهن شاهِدٌ لشيءٍ مختلف
غبطة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو، بطريرك الكلدان في العراق والعالم
إرشاد الصباح
نيقوديمس الشاهِدُ المُتردِّد (يوحنا 3/1-21)
ثمة فرق كبير بين يوحنا المعمدان الشاهد والشهيد وبين نيقوديموس الذي يظهر غير قادر على اتباع يسوع في متطلباته. انه صديق، لكنه مترددٌ ومتخوف.
يلح الإنجيلي يوحنا على الشهادة: “اننا نتكلم بما نعلم، ونشهد بما رأينا، لكنكم لا تقبلون شهادتَنا” (3/11). اللقاء يتم وجهاً لوجه، لكن من دون نتيجة ظاهرة!
نيقوديموس لفظة يونانية تعني “المنتصر على الشعب”. فريسي وعضو في السنهدريم، وثرّي.
زيارته ليلاً جعل بعض المفسرين، يصفونه بأنه شخصٌ مترددٌ يخشى على سمعته وعلى مركزه.
الليل/ الظلام يتعرض مع النور/ الوضوح: “من يعمل الحق يأتي الى النور” (يوحنا 3/24). جاء الى يسوع ليلاً (يوحنا 3/ 1) حتى لا يراه أحد، لكي يتحدث معه عن “الولادة من فوق”، أو الولادة الثانية من “الماء والروح” (يوحنا 3/ 3 – 5). ثلاث مرات يقول له يسوع: “الحق الحق أقول لك” (3،5،1).
لقد اقتنع بكلام يسوع (يوحنا 3/ 1-21)، ويعترف به مرسلاً من الله، ودافع عنه في السنهدريم لما هاجمه الفريسيون (يوحنا 7 / 50). ثم بعد أن مات يسوع طيّب جسده بالمر، ودفنه (يوحنا 19/ 39)، لعله صار مسيحيا وتلميذا!
هناك سوء فهم بين الاثنين كما مع السامرية، بسبب مستوى الحديث. يسوع يتكلم عن الولادة الجديدة بالروح والحق، على المستوى الروحي، ومحاوره نيقوديمس يبقى على المستوى الجسدي- المادي، ويعجز عن الارتقاء الى المستوى الذي يطلبه يسوع للقيام بخبرة لقاء، ومشاركة كما طلب من تلميذي يوحنا المعمذان: “فسمع تلميذا يوحنا كلام يسوع فتبعاه. فالتفت يسوع فرآهما يتبعانه، فقال لهما: ماذا تريدان؟ قالا له: رابي اين تقيم؟ فقال لهما: “هلما وانظرا. فذهبا ونظرا أين يقيم، فأقاما عنده ذلك اليوم” (1/38-39).
يشدد يسوع على الانتقال الى الولادة الجديدة” من الماء والروح” الايمان والمعمودية، أي البنوة بشكل واضح. ثمة فرق بين الابن والعبد، الابن يرث والعبد لا يرث ولهذا السبب رفعنا من طقوسنا كلمة عبيد.
هذه الولادة التي تأتي من فوق هي من الله. الإنجيلي متى يتحدث عن الطفولة الروحية: “إن لم تعودوا كالأطفال لن تدخلوا ملكوت السماء” (متى 3/ 18) أي الاهتداء. ويشدد يوحنا الإنجيلي: “يجب ان نولد من جديد”. ويضع يسوع حدا لحديثه معه بتوبيخ شديد: “أنت معلم في اسرائيل وتجهل هذه الأشياء” (يوحنا 10/ 3). وبكل وضوح يقول له يسوع: لا يمكن لأحد ان يلتحق به إلا اذا ولد من الماء والروح. هذا هو تعليمه.
قصة الحيّة النحاسيّة إشارة الى ان يسوع هو موسى الجديد: “ان ابن الإنسان يجب أن يرفع لتكون به الحياة الأبدية لكل من يؤمن” (14/ 3). هذا يندرج في تدبير الله. الرفع هو الموت على الصليب وهو التعبير الاقوى عن حب الله، بوسعه ان يصبح للمؤمن ينبوع حياة… الاب والابن يشتركان في الحب ذاته من أجل خلاص العالم.
ان نؤمن أو لا نؤمن.. نيقوديموس لم يرد أن يؤمن بأن بوسع رجل شيخ أن يولد من جديد؟ تتطلب هذه الدعوة جوابا صريحاً وصادقاً: إما نعم وإما لا. حرية كل واحد هي التي تؤدي الى الفرز/التقييم/ الدينونة.
عندما أراد رؤساء الكهنة والفريسيون أن يلقوا القبض على يسوع قال لهم نيقوديموس الذي جاء إليه ليلاً: “ألعلَّ ناموسنا يدين إنساناً لم يسمع منه أولاً ويعرف ماذا فعل؟” مما جعلهم يقولون له: “ألعلك أنت أيضاً من الجليل؟” أي لعلك أحد تلاميذه (يوحنا 7/ 45-52). نيقوديمس يدافع بشكل خجول عن يسوع كما يفعل بعض رجال الدين أمام الهجمة الشرسة الحالية ضد الكنيسة، المشكلة ليست شخصية، بل قضية الوجود المسيحي.
بعد أن أسلم الرب يسوع الروح على الصليب، أذن بيلاطس ليوسف الرامي “وهو تلميذ ولكن خفية بسبب الخوف من اليهود” أن يأخذ جسد يسوع، جاء أيضًا نيقوديموس (علانية الآن) الذي أتى أولاً إلى يسوع ليلًا، وهو حامِل مزيج مر وعود نحو مئة مّنٍ، فأخذا جسد يسوع ولفاه بأكفان مع الأطياب “ووضعاه في قبر جديد في البستان، لم يوضع فيه أحد قط” (يوحنا 19/ 38-42). وكمية الطيب التي جاء بها تدل على مدى ثرائه.
لا يذكر اسم نيقوديموس بعد ذلك في العهد الجديد. ولكن تقول بعض التقاليد إنه بعد اعترافه جهرا بالإيمان بالمسيح، واعتمد من بطرس الرسول، طُرد من مركزه، ونُفي من أورشليم، وفقد ثروته بعد أن كان يُعد من كبار أغنياء اليهود في عصره.
أسئلة للتداول ضمن الفرق الصغيرة
– هل إن ﺍﻟﻠﻪ ويسوع هما ﻣﺤﻮﺭ حياتك، وتبذل ذاتك لينعكس ذلك حولك؟
– هل تقلق حيال ابتعاد الناس عن الإيمان والكنيسة وتسعى لتعرفهم بالله والمسيح بصدق ووضوح، كيف؟
ارشاد المساء
السامرية المرأة الشاهد والمبشرة (يوحنا 4/1-21)
يحتل لقاء يسوع بالسامرية مكانة مهمة في إنجيل يوحنا، لان يوحنا له إهتمام خاص بالسامريين وأيضاً بالسيدات ويرد اليهنَّ الاعتبار والكرامة ويشدد أن المرأة ليست شخصا دون الذكر بل متساويان في الصورة والمثال (سفر التكوين 26/ 1) و” ليس ذكر وأنثى لأنكم جميعا واحد في المسيح يسوع” (غلاطية 28/ 3). لربما ان بعض السامريين كانوا قد اهتدوا وشكلوا فريقا بين جماعته، وهو يعرف عاداتهم وتقاليدهم. اليهود يعتبرون السامريين نجسين ويمنعون الاختلاط بهم حفاظاً على الطهارة. يسوع/ يوحنا يقفز فوق كل هذه التقاليد والاعتبارات. للرواية تعليم خاص في الإنجيل كما سنرى.
اللقاء مع السامرية يتيح لنا أن نراجع مسيرتنا الروحية.
نحن بإزاء شخصين كل شيء يفصلهما عن بعضهما: الجنس، المذهب، الجغرافية، لكونهما يقومان بلقاء مدهش أسفر عن تغيير حياة السيدة السامرية.
بئر المياه مكان رمزي للحياة، ومكان مميز للقاء. اعطيني لأشرب، أعطني من هذا الماء. هذه لفتة من يسوع للعطاء والمشاركة.
العطية. تكشف الرواية عن عطش يسوع، وطلبه الماء ليشرب. هذا الطلب لم تستجب له المرأة، لأنه رجل ويهودي. أو إحتراما ليسوع لئلا يتنجس! هذا اللقاء فرصة ليسوع ليقوم بتنشئتها الإيمانية: “لو كنت تعرفين عطية الله ومن هو المتكلم معك، لكان هو أعطاك ماء حيا..” يتحول طلب الماء الى الانتباه الى يسوع بصفته عطية الله، أي يجعلها تقبل أسلوب حياته وتعليمه وقدرته، وتقدمها للاخرين…
هذا الخبر نُشر على موقع البطريركيّة الكلدانيّة في بغداد، لقراءة المزيد إضغط هنا.