عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي في قدّاس اليوم العالميّ للشبيبة
تجدون في التالي عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الرّاعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، في قدّاس اليوم العالميّ للشبيبة، يوم الأحد 6 آب/ أغسطس 2023 عيد تجلّي الربّ، في دير بزمّار البطريركيّ، لبنان. كما تجدون مجموعة صور في أسفل النصّ.
"سطع وجهه كالشمس، وصارت ثيابه بيضاء كالثلج" (متّى 17: 2)
1. عندما أنبأ يسوع تلاميذه عن آلامه وصلبه وقيامته في اليوم الثالث، لم يستطيعوا قبول هذا الأمر، كما عبّر بإسمهم سمعان-بطرس (راجع متّى 16: 21-22). فاصطحب يسوع ثلاثة منهم، بطرس ويعقوب ويوحنّا إلى الجبل وتجلّى أمامهم: "فسطع وجهه كالشمس، وصارت ثيابه بيضاء كالثلج" (متّى 17: 2).
هكذا إستبق مجد قيامته، وكشف لهم جبروته الإلهيّ المخفيّ تحت ستار هوان الطبيعة البشريّة. وشاء من هذا الحدث أن يتذكّروا حقيقته الإلهيّة عندما يرون ضعف بشريّته. لكّنهم لم يفهموا كلّ ذلك إلّا بعد قيامته، وحلول الروح القدس عليهم يوم العنصرة، فطاروا كالنسور من أوكارها وحلّقوا في جوّ المسكونة حاملين الشهادة للمسيح وإنجيله الخلاصيّ إلى العالم بشجاعة الأسود من دون سيف أو سلاح أو عنف. هذه هي رسالتنا المسيحيّة وشهادتنا نحن أبناء هذا الجيل، لا سيّما شبيبة اليوم، في مواجهة تحديّات الحاضر الّتي تصقل شخصيّتكم. فلا تهربوا منها.
2. يسعدنا جدًّا، مع مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، أيّها الشبّان والشابات، أن نحتفل معًا بهذه الليتورجيا الإلهيّة التي نختتم بها هنا في لبنان، في رحاب دير سيّدة بزمّار البطريركيّ العامر، اليوم العالميّ للشبيبة، فيما يقيم الإحتفال نفسه قداسة البابا فرنسيس في ليشبونه-Portugal بمشاركة الشبيبة الآتية من مختلف بلدان العالم
لن نتأمّل في الموضوع الذي اختاره قداسة البابا: "وقامت مريم ومضت مسرعة" (لو 1: 39)، لأنّكم تأمّلتم فيه طيلة الأيّام السابقة التي جمعتكم. بل نحصر تأمّلنا في إنجيل تجلّي الربّ يسوع.
3. بتجلّي الربّ يسوع أظهر في ذاته أن الجوهر البشريّ استردّ جمال الصورة الأولى التي وُلد فيها كلّ إنسان، وهي أنّ "الله خلقه على صورته ومثاله" (تك 1: 26). لكنّ الإنسان شوّهها بل أضاعها بخطيئته وأفعاله الشريرة. فجوّل عقله، مركز الحقيقة، إلى طاقة الكذب، وإرادته، مركز الخير، إلى طاقة الشرّ، وقلبه، مركز الحبّ والحنان، إلى طاقة البغض والحقد. تصلّي الليتورجيا البيزنطيّة في هذا اليوم: "إلى الجبل إرتقيت، أيّها المخلّص مع تلاميذك، فجعلت بتجلّيك طبيعة آدم القاتمة ترتدّ لامعة، معيدًا عنصرها إلى مجد ولمعان لاهوتك" (راجع إفتتاحيّة النهار، الجمعة 28 تمّوز 2023، المطران كيرلس سليم بسترس: التجلّي الإلهيّ وسرّ الإنسان).
4. قي تجلّي المسيح ظهرت حقيقة الكائن البشريّ كما أراده الله، عندما خلقه على صورته ومثاله؛ وفي التجلّي ينكشف لنا سرّ الإنسان، والمجد السماويّ الذي ينتظره، كما يقول ربّنا عن الأبرار: "فإنّهم يتلألأون كالشمس في ملكوت أبيهم" (متى 13: 43). نذكر كل قديستا، ومن بينهم نذكر اليوم الطوباويّ الشاب كارلو أكوتيس الذي رافقتكم ذخائره في هذه الأيّام، ليكون لكم شفيعًا ومثالًا في إنسانيّتكم بتحويل النظرة من الذات إلى الله وإلى الإخوة في حاجاتهم. هذه النظرة اكتسبها من القدّاس والمناولة كلّ يوم، ومن تلاوة المسبحة والإعنراف الأسبوعيّ. لقد انجلت في هذا الشاب صورة الله المطبوعة في إنسانيّته الغنيّة بأسمى القيم الروحيّة والأخلاقيّة. بهذا المفهوم كان يحلو ليسوع أن يطلق على نفسه لقب "إبن الإنسان". وهكذا على ضوئه إنجلى سرُّ الإنسان، وبدونه يبقى الإنسان لغزًا في ذاته (المرجع نفسه).
5. ويكتمل التجلّي بظهور موسى رمز الشريعة، وإيليّا رمز النبؤة يحادثان يسوع (راجع متى 17: 3) "ليجمع ربّنا يسوع في شخصه العهدين القديم والجديد، وليُظهر للعالم كلّه تعليم الحقّ الواحد بشخصه، فهو الكلمة الإلهيّة الجامعة، وهو سيّد الآخرين والأوّلين" (مار يعقوب السروجي: نشيد تجلّي ربّنا، الشحيمة المارونيّة، الزمن العادي، ص 333-334).
6. وإنتهى المشهد "بالغمامة المنيرة التي ظلّلتهم"، وهي رمز كنيسة المسيح التي تجمع إلى واحد، والتي تردّد في كرازتها وتعليمها صوت الآب: "هذا هو إبني الوحيد الذي به سررت، فله إسمعوا" (متى 17: 5؛ مار يعقوب السروجي، المرجع نفسه، ص 352). بسماعنا صوته في الإنجيل وتعليم الكنيسة وإلهامات الروح القدس وقراءة علامات الأزمنة، نسلك قي طريقه المؤدّي إلى الحقيقة التي بدونها ضياع، وإلى الحياة التي بدونها موت روحي وأخلاقيّ وإنسانيّ. فهو القائل عن نفسه، ولا يستطيع أحد سواه أن يقوله: "أنا هو الطريق والحقّ والحياة" (يو 14: 6).
يا شباب وشابات لبنان الأحبّاء،
7. اليوم هو يومكم، "أنتم القوّة التجدّديّة في الكنيسة والمجتمع والدولة"، كما حيّاكم البابا يوحنّا بولس الثاني من مزار سيّدة لبنان-حريصا في أيّار 1997.
قوّتكم بهاء صورة الله فيكم بقيمها الروحيّة والأخلاقيّة والإنسانيّة! سلاحكم صلاتكم! ذخيرتكم الحقيقة والمحبّة! نهجكم نهج العذراء مريم: "تقومون وتمضون مسرعين" إلى الخدمة ونجدة وطننا لبنان، وتحريره من فساده السياسيّ المتفشّي في جميع مؤسّساته وإداراته العامّة. منكم يجب أن يخرج مواطنون مخلصون للبنان وحده، وقيادات جديدة واعية ومتجرّدة. أنتم وحدكم الأمل في إحياء لبنان بقيمه وميزاته.
فليكن هذا اليوم العالمي للشبيبة ميلادًا جديدًا في حياتكم، بنعمة الثالوث الأقدس وبركته، الآب والإبن والروح القدس، له المجد والشكر الآن وإلى الأبد، آمين.
هذه العظة نُشرت على صفحة البطريركيّة الأنطاكيّة السريانيّة المارونيّة على موقع فيسبوك.