عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي في رتبة الصلاة على نيّة السلام في العراق والكنيسة الكلدانيّة
تجدون في التالي عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الرّاعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، في رتبة الصلاة على نيّة السلام في العراق والكنيسة الكلدانيّة، يوم السبت 12 آب/ أغسطس 2023، في كاتدرائيّة الملاك رفائيل، بعبدا-برازيليا. كما تجدون مجموعة صور في أسفل النصّ.
"أخرج من هذا الإنسان أيّها الروح النجس" (مر 5: 8 )
1. وحده يسوع استطاع بأمر منه، أن يخرج مجموعة الشياطين من ذاك الرجل في منطقة الجراسيّين، فيما لم يكن يقدر أحد أن يوثقه حتى بالسلاسل التي كان يحطّم قيودها. هذه الآية تدلّ على أنّ المسيح الربّ قادر أن يحرّر الإنسان من قيود الشرّ والشرير، مهما عظمت، وأن يعيد إليه اسمه وهويّته. في الواقع كان الروح النجس يتكلّم بلسان ذاك الرجل. ولـمّا سأله يسوع عن اسمه قال: "نحن فرقة لأنّنا كثيرون". ولـمّا أخرجه يسوع أعاد لذاك الرجل اسمه وهويّته وحالته السليمة ، كما عرفه اهل تلك الكورة.
عالم اليوم ولا سيّما حكّامه، يضعون الله جانبًا، ويستغنون عن رسومه ووصاياه، ويستسلمون لمصالحهم على حساب الخير العام، ويقترفون الظلم والإستبداد ويشعلون نار النزاعات والحروب، من دون أي وخز ضمير. وهذا يعني أنّ قوى الشرّ والشرير مسيطرة عليهم.
2. إنّ رسالة المسيح ربّنا تهدف إلى تحرير كلّ إنسان من الأرواح الشريرة، ومن تجارب الشيطان. فعندما كان يرسل تلاميذه، كان يمنحهم السلطان لطرد الأرواح الشريرة. وهو نفسه طرد هذه الأرواح مرّات عديدة. وسلّم كهنة العهد الجديد هذا السلطان عينه، فراحوا يمارسونه بما يُسمّى "صلاة التعزيم"، بدءًا من المعموديّة.
قليلون يؤمنون بوجود الشيطان وباستحواز الأرواح الشريرة على الأشخاص والأشياء. وإن آمنوا يعتبرون أنفسهم بمنأى عنها، حتى ولو استسلموا لكلّ عمل شرير، وللأهواء الشريرة. لذلك كثر الشرّ، ولا من مسؤول. وبات الناس يعيشون في سلسلة من الخطايا التي يقترفها الأشخاص ولا يتوبون عنها.
3. هنا تكمن مآسي البلدان والشعوب. ومن هذا المنظار نتطلّع إلى مأساة العراق العزيز وشعبه والكنيسة الكلدانيّة فيه وسائر الكنائس والمسيحيّين. وهذه مآسينا في سوريا والأراضي المقدّسة ولبنان، حيث تجلّى الله بعهديه القديم والجديد، وأرسى جذور الثقافة المسيحيّة التي أغنت هذه البلدان بحضارتها. فإنّنا بحكم رسالتنا الإنجيليّة في هذه البلدان، حيث أرادنا الله أن نكون، نبقى ثابتين وراسخين في الإيمان والرجاء والمحبّة، ومصمّمين على العيش معًا بروح الأخوّة والتعاون والإحترام المتبادل مع جميع المواطنين.
4. إنّ مواهب الروح القدس السبع التي سمعناها في نبوءة أشعيا تحيي فينا الفضائل الإلهيّة الثلاث التي هي بمثابة مصابيح لحياتنا.
فالحكمة والفهم والمعرفة تضيء إيماننا وعقلنا، والمشورة والقوّة تعضدان رجاءنا وإرادتنا، والتقوى ومخافة الله تذكيان المحبّة في قلوبنا.
وكما أنّ فضائل الإيمان والرجاء والمحبّة معطاة من الله لكلّ إنسان، كذلك مواهب الروح القدس السبع مفاضة على البشريّة جمعاء. فإنّا نصلّي كي يفتح كلّ إنسان عقله وإرادته وقلبه لهذه الفضائل ولمواهب الروح القدس، فيجد طريقه إلى الحقّ والعدل والجمال. وهكذا يعيش جميع الناس سعادة الأخوّة والعيش معًا كما يصفها آشعيا النبيّ في القراءة التي سمعناها (أش 11/1-10). وعندئذٍ نتمكّن بقوّة سلاح الله الذي هو كلمته وإنجيله والحقيقة من الإنتصار على روح الشرّ والشرير (راجع أفسس 6: 10-17).
5. تقبّل الله صلاتنا وأغدق عطيّة السلام على العراق العزيز، والكنيسة الكلدانيّة الشقيقة، بطريركا واساقفة واكليروسًا ومؤمنين وعلى بلدان الشرق الأوسط وكنائسنا. له المجد والشكر الآب والإبن والروح القدس الآن ,إلى الأبد، آمين.
هذه العظة نُشرت على صفحة البطريركيّة الأنطاكيّة السريانيّة المارونيّة على موقع فيسبوك.