غبطة البطريرك يوسف العبسي يشارك في رتبة صلاة الختن التأمليّة مع رعيّة وشبيبة الروم الملكيّين الكاثوليك عبر تطبيق زوم

شارك غبطة البطريرك يوسف العبسي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للرّوم الملكيّين الكاثوليك، أمس الثلاثاء 4 نيسان/ أبريل 2023، في رتبة صلاة الختن التأمليّة مع رعيّة وشبيبة الرّوم الملكيّين الكاثوليك وذلك عبر تطبيق زوم. وألقى غبطته كلمة روحيّة تأمليّة جاء فيها:

الالآم المقدّسة

تأمّل من وحي المناسبة

في الصّلوات الّتي نقيمها في هذا الأسبوع تدعونا الكنيسة إلى أن نرافق الربّ يسوع على درب الالآم والصّلب من خلال القراءات الإنجيليّة الّتي تتلوها علينا ومن خلال الصّلوات الّتي تضعها بين أيدينا بحيث لا تكون هذه الالآم مجرّد ذكرى تاريخيّة ننظر إليها من الخارج كمتفرّجين، بل تكون حدثًا يجري الآن وهنا أمام أعيننا فنعيشه بقلبنا وفكرنا وتتفاعل معه، لأنّ الكنيسة تعتبر أنّ آلام السيّد المسيح وموته هي عابرة للزمان والمكان، وما زالت مفاعيلها الخلاصيّة حاصلة اليوم وفي كلّ يوم في سرّ القربان المقدّس الّذي أسّسه الربّ يسوع في مثل هذا اليوم رابطًا بين الصّليب والقيامة: "إنّكم كلّما أكلتم هذا الخبز وشريتم هذه الكأس تخبرون بموت الربّ إلى أن يجيء" (١كور ١١ ٢٦).

الموضوع الأساسي الذي يشكل لحمة هذا الأسبوع لاسيّما في الأيام الثلاثة الأولى هو السهر. الكنيسة تدعونا على أثر السيد المسيح إلى أن نكون ساهرين فتنشد كل يوم في بدء الصّلاة: "هوذا العروس يأتي في نصف الليل فطوبى للعبد الذي يجده ساهرًا، أما الذي يجده غافلا فإنّه غير مستحق فاحذري يا نفسي تستغرقي في النوم فيلقى بك خارج الملكوت، بل كوني مستيقظة ساهرة". تطلب منا الكنيسة

أن نكون ساهرين ومرافقين للسيّد المسيح وتقول لنا كيف. في اليوم الأوّل تقرأ علينا حادثة التينة اليابسة

داعية إيّانا إلى أن نسهر على حياتنا فلا نكون عقيمين بلا ثمر بل أن نعمل أعمالًا صالحة، وتعرض علينا أيضا مثل يوسف الصديق ابن يعقوب داعية إيَّانا إلى أن نسهر على ذواتنا مثلما سهر على نفسه من الوقوع في الخطيئة. وفي اليوم الثاني تعرض علينا مثل العذارى الحكيمات والخادم الأمين داعية إيّانا إلى أن نسهر ونكون في أيّ لحظة مستعدين لمجيء الرب يسوع والدخول معه إلى الملكوت مرتّلين: "إنّني أشاهد خدرك مزينًا با مخلصي وليس لي ثوب للدخول إليه، فأبهج حلّة نفسي يا مانح النور وخلصني".

السهر الذي تدعو الكنيسة إليه هو على الأخص سهر القلب، سهر الحبيب المشتاق لرؤية حبيبه

والصديق التائق لمشاهدة صديقه؛ إنه سهر المتألمّ لملاقاة الطبيب الشافي وسهر الخاطيء لملاقاة المخلص

إنه ترقّب البشرية كلها لمجيء المسيح كما يقول الرسول بولس؛ إنّه انتظار الشيخ سمعان لملاقاة يسوع المخلّص كما أخير الإنجيلي لوقا (۲: ۲۵- ۳۸)؛ إنّه شوق المخلع لملاقاة يسوع كما روى مرقس (2: 1-12) إنّه حنين الابن الشاطر إلى الرجوع إلى البيت الأبويّ كما علم يسوع؛ إنّه انتظار الرقباء للصبح والحرّاس للفجر كما يترنّم صاحب المزامير (مز (۱۲۹).

سهر القلب هذا قوامُه المحبّة والفرح إذ إنّه مبنيّ على العلاقة الجديدة التي أنشأها السيّد المسيح بين الله والإنسان علاقة الصداقة والمحبّة: قال لنا في مثل هذه الليلة "لا أدعوكم بعد عبيدًا... بل أدعوكم أحبائي" (يوحنا ١٥:۱٥) ومبنيٌّ سهر القلب أيضًا على قول المسيح للرسل: "سأعود فأراكم فتفرح قلوبكم (يوحنا ١٦ : ۲۲) وقد كان سهر القلب ولا يزال ركنًا من أركان الحياة الروحيّة والنسكيّة والرهبانيّة في المسيحية، ويتجلّى أكثر ما يتجلى في الصّلاة "اسهروا وصلوا" (لوقا ۲۱: ٣٦). وفي الرسالة إلى أهل تسالونيكي ينتهي بولس بالقول: "كونوا فرحين على الدوام... وصلوا بلا انقطاع" (1 تسا ٥: ١٦- 17)

أما اليوم وهو الثالث من أسبوع الآلام فتعرض علينا الكنيسة وجهين متناقضين في علاقتهما مع السيد المسيح يهوذا الغاشّ والمجدليّة الوفية، وتصنع مقارنة بينهما.

أحبّ الرب يسوع يهوذا وجعل منه أحد رسله الاثني عشر وعامله كما عامل بقية الرسل من دون أي تمييز. بيد أنّ يهوذا لم يستجب لهذا الحبّ بل خانه بعدم تقديره له من ناحية (غباء: "أما يهوذا فلم

يشأ أن يفهم") وبحبه للمال من ناحية أخرى (لازم الشيطان. عمي يهوى حبّ المال. سقط من النور

كفر بالجميل) فهلك ولم ينل الخلاص.

كذلك أحبّ يسوع المجدلية غير أن هذه قدّرت حبه لها وعرفت كيف تبادله الحب ورجعت إليه، تابت إليه من خطيئتها ، فنالت الخلاص، مقدمة لنا مثالاً في عدم اليأس، أن لا نيأس من رحمة الربّ ومحبّته

مهما عظمت وكثرت خطايانا، وأن لا نستسلم لليأس كما استسلم يهوذا بل أن نتوب إلى الرب كما تابت هي وكما تاب بطرس أيضا بعد أن جحد معلّمه وكما تاب اللصّ الذي كان على اليمين.

آلام المسيح لا نستطيع أن نفهمها أو أن نقبلها إلا إذا علمنا أنّ ما دفع إليها هي محبة الله لنا نحن البشر. الآلام هي التعبير الكبير عن محبة الله. إذا لم ننظر إليها من هذا المنظار لا يسعنا البتّة أن نفهمها
ونقبلها. صلوات الأسبوع المقدّس هي في الواقع تأمل في محبّة الله لنا التي قال عنها يسوع: "ليس حبّ أعظم من أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبّائه"…

هذه العظة نُشرت على صفحة بطريركيّة الرّوم الملكيّين الكاثوليك على موقع فيسبوك، لقراءة المزيد إضغط هنا.

Previous
Previous

مواعظ الأسبوع المقدّس 2023 من غبطة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو

Next
Next

رسالة القيامة 2023 من غبطة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو