إفتتاح الجمعيّة السينودسيّة القاريّة للكنائس الكاثوليكيّة في الشرق الأوسط
بدأت صباح يوم الإثنين 13 شباط/ فبراير 2023 أعمال الجمعيّة السينودسيّة القاريّة للكنائس الكاثوليكيّة في الشرق الأوسط في لبنان، بيت عنيا – حريصا. كلمات الإفتتاح.
بدأت أعمال الجمعيّة السينودسيّة القاريّة للكنائس الكاثوليكية في الشرق الأوسط في لبنان، بيت عنيا – حريصا، وبعد وقفة صلاة من أجل ضحايا الزلزال الّذي ضرب تركيا وسوريا الأسبوع الماضي، أُقيمت صلاة الإفتتاح وفي ختامها ألقى الأب خليل علوان، الأمين العام لمجلس البطاركة، ومنسّق أعمال الجمعيّة القاريّة كلمة قال فيها: في العام ١٩٩٢، وجّهَ بطاركةُ الشرقِ الكاثوليك، إلى أبنائهم الموجودين في الشرقِ والمنتشرين في أصقاعِ الأرض، رسالةً رعويّة بعنوان: "الحضورُ المسيحيُّ في الشرق، شهادةٌ ورسالة". هذه الرسالةُ رَسمَتْ لنا طريقَ الكنائسِ الكاثوليكيّة في الشرق واختصرَتْ هويّتَها ومستقبلَها بكلمةِ "حضور". واسمحوا لي في بدايةِ أعمالِ هذه الجمعيّةِ أن أتذكّرَ وإياكم ما وردَ في هذه الرسالةِ حولَ دعوتِنا المشترَكة.
في هذه الرسالةِ الرعويّةِ، تابع الأب علوان يقول تحدّثَ الآباءُ بإسهابٍ عن حضورِنا في هذا الشرقِ كدعوةٍ مِنَ اللّه، وهو شهادةٌ ورسالةٌ. وعلى مثالِ المسيح وكنيستِه، فإنَّ حضورَنا هذا هو حضورٌ متجسِّدٌ، فاعلٌ وأصيلٌ، في اللغةِ العربيّةِ وفي التراثِ العربيِّ ونحن من بُناته وفي الحضارةِ العربيّةِ ونحن من شاركَ في ارسائها. وحضورُنا، هو أيضًا حضورٌ في خدمةِ الإنسانِ دونَ تفرقةٍ أو تمييزٍ، وحضورُنا هو حضورٌ مسكونيٌّ للتعاونِ المشترَك، وحضورُنا في الشرقِ هو حضورُ الحوارِ مع ذوي الإرادةِ الصالحة من مسلمين ويهود، وأخيرًا حضورُنا في بعدِهِ العالميِّ، بفضلِ أبناءنا المنتشرين، هو شركةُ الإيمانِ والمحبّةِ والانتماءِ الحضاريِّ أينما وُجِدْنا.
أضاف منسّق أعمال الجمعيّة القاريّة يقول بعد مرورِ ثلاثين سنةً على ورقةِ الطريق هذه، أعلنَ قداسةُ البابا مسيرةً سينودوسيّةً بعنوان "نحو كنيسةٍ سينودوسيّةٍ، شركةٌ مشاركةٌ ورسالة". أوليس "حضورُنا" الذي شاءه البطاركةُ يتماهى مع هذه المسيرةِ السينودوسيّة؟ أليس حضورُنا هذا في الشرقِ هو الشركةَ التي تجمعُنا؟ أليست هذه هي المشاركةَ الفعّالة، والشهادةَ الحقّة؟ نجتمعُ اليومَ، سبعُ كنائس كاثوليكية: أقباط، وسريان، وموارنة، وملكيّون، وكلدان، وأرمن ولاتين. توافدنا من الأراضي المقدسّة والأردن ولبنان وسوريا ومصر والعراق وأرمينا، لِنصغيَ الى "ما يقولُهُ الروحُ للكنائس" ولِنصلّيَ ونفكّرَ معًا حولَ همومِنا المشتركة ونتشاركَ تطلّعاتِنا المستقبليّةِ بالرجاءِ الذي لا يَخيبُ. أمورٌ كثيرةٌ تجمعُنا وتوحّدُنا. تجمعُنا أوضاعُ بلدانِنا، حيث نفتقرُ جميعًا، وفي غالبِ الأحيان، إلى حريّةِ المُعتَقَد وحريّةِ التعبير، وحريّةِ المرأة وحريّةِ الطفل؛ ونسعى جميعًا وِفْقَ طاقاتِنا الى محاربةِ الفسادِ في السياسةِ والاقتصاد؛ ونسعى جميعًا الى ممارسةِ الشفافية في مؤسّساتِنا الدينيّةِ والاجتماعيّةِ ونتوقُ إلى ممارسةِ المواطَنَةِ المسؤولة، ومحاربةِ الفَقْرِ والجهل. ونتألّمُ جميعًا من هجرةِ أبنائنا الذين ضاق بهم أفقُ العيشِ الكريم، فتضاءلَ بذلك وجودُنا وشهادتُنا في الأرضِ التي اختارَها الربُّ موطنًا له...ولكنْ، نحن أبناءُ الكنيسةِ، لا تجمعُنا فقط همومُ الحياةِ وصعابُها، بل تجمعُنا أيضًا معموديّةٌ واحدةٌ، وإيمانٌ واحدٌ ومحبّةٌ واحدةٌ ورجاءٌ واحد. وانطلاقًا من هذا الذي يوحّدُنا، نعقِدُ هذا الأسبوعَ جمعيّتَنا السينودوسيّةَ لنختُمَ بها المرحلةَ الثانيةَ من "السيرِ معًا"، أعني المرحلةَ القاريّة. وقد حرَصْنا على أنْ تكونَ جمعيّتُنا، كما شاءها قداسُة البابا فرنسيس.
وخلص الأب علوان إلى القول ولأنّها المرّةُ الأولى التي يجتمعُ فيها شعبُ الله في مختلفِ بلدانِ الشرق الأوسط ومن الكنائسِ السبعِ الكاثوليكيّة، إسمحوا لي مرّةً أخرى أن اردّدَ على مسامعِكم ما وردَ في الرسالةِ الراعويّةِ الأولى لأصحابِ الغبطة البطاركة، التي كُتِبَتْ منذُ ثلاثينَ سنة، ولا تزالُ تحاكينا اليوم في جمعيّتِنا السينودوسيّة هذه. يقول السادةُ البطاركة إلى أبنائهم وإلى إخوتِهم في الكنائسِ المشرقيّة الأخرى: "إنَّ كنائسَنا في الشرقِ تمتازُ بقِدَمِها، وغنى تراثاتِها، وتنوّعِ تعابيرِها الطقسّية، وأصالةِ روحانيّاتِها وآفاقِها اللاهوتيّة، وقوّةِ شهادتِها عَبْرَ القرونِ التي وصلَتْ حتّى الاستشهادِ البطوليِّ في بعضِ الأحيان. وكلُّ هذا رصيدٌ حيٌّ نحملُه في قلوبِنا، وحافزُ أملٍ عظيم، ومصدرُ ثقةٍ وثباتٍ نستلهمُه بينما نتلمسُ طريقَ المستقبل. إنَّ التنوّعَ هو السِمَةُ الأساسيّةُ للكنيسةِ الجامعةِ والمسيحيّةِ في الشرق. ولقد كان هذا التنوّعُ دومًا مصدرَ غنىً للكنيسةِ جمعاءَ عندما عشْناه في وحدةِ الإيمانِ وبروحِ المحبّة. ولكنّه، يا للأسفِ الشديد، تحوّلَ إلى انقسامٍ وفرقةٍ بسببِ خطايا البشرِ وابتعادِهم عن روحِ المسيح. ومع هذا فإنَّ ما يجمعُنا أكثرُ وأهمُّ ممّا يفرّقُنا ولا يحولُ دونَ تلاقينا وتعاونِنا. إنَّ مسيحيّةَ الشرقِ، على انقساماتِها، تشكّلُ في أساسِها وحدةَ إيمانٍ لا تتجزّأ. إنّنا مسيحيّون معًا في السرّاءِ والضرّاء. فالدعوةُ واحدةٌ والشهادةُ واحدةٌ والمصيرُ واحدٌ. وعليه فنحن مطالَبون بالعملِ معًا، بشتى الطرقِ والوسائل، لتثبيتِ جذورِ المؤمنين الموكلين إلينا، بروحِ الأخوّةِ والمحبة، في مجالات عدة يدفعنا إليها الخير المشترك لعامةِ المسيحيين، كما تدفعنا إليها تطلعاتُ جميعِ المؤمنين من مختلفِ الكنائس المسيحيّةِ، الذين يضعون كبيرَ آمالِهم في تعاونِنا وتقارُبِنا. في الشرقِ، نكونُ مسيحيين معًا أو لا نكون. وإن لم تكنْ العلاقاتُ بين الكنائسِ في الشرقِ دومًا على ما يرام لأسبابٍ كثيرة، منها الداخليةُ ومنها الخارجية، فقد حانَ الوقتُ أن ننقّيَ ذاكرتَنا المسيحية من رواسبِ الماضي السلبيِّة مهما كانت مؤلمةً، كي ننظرَ معًا إلى المستقبلِ بروحِ المسيح وبهدْيِ إنجيلِهِ وتعاليمِ رسلِه".
بعدها كانت كلمة للكاردينال جان-كلود هولريخ منسّق الجمعية العامة السادسة عشرة لسينودس الأساقفة جاء فيها بعد إغلاق المرحلة الأولى من مسيرتنا السّينودسيّة المتعلّقة بالكنائس الخاصّة والحقائق الكنسيّة الأخرى، تبدأ منذ شهر شباط فبراير ٢٠٢٣ المرحلة القارية. وفي هذه المناسبة، يشرّفني بشكل خاص أن أكون حاضراً في الشرّق الأوسط، حيث للسّينودسيّة تقليد طويل ولرغبتي بأن أختبر وأتعلّم السّينوديسيّة منكم. وبفضل مساهمتكم الثّمينة، أنا مقتنع تمامًا، أنّه يمكن للكنيسة الجامعة أن تُصبح أكثر سينودسيّة، وأنّها قادرة أن توسّع مساحة خيمتها.
كما نعلم، تابع الكاردينال هولريخ يقول جعل البابا فرنسيس من السّينودسيّة، التي تُفهَم على أنّها "السّير معًا" بالاصغاء إلى الرّوح ، المحور المركزي لحبريّته. وإذا اجتمعنا الآن هنا في بيروت، فنحن نساهم، بالاشتراك مع الجمعيّات القارّية الأخرى وعلى أساس وثيقة العمل والتّقاليد السّينودسية الطّويلة في الشرق الأوسط، في العثور على إجابة للسّؤال الأساسيّ الّذي يوجّه المسيرة السّينودسيّة برمّتها ، وهو التّالي: "كيف يتحقّق هذا" السّير معًا "الذي يسمح للكنيسة بإعلان الإنجيل، وفقًا للرّسالة الموكلة إليها، والتي يجب أن تتحقّق اليوم على مستويات مختلفة؟ وما هي الخطوات الأخرى التي يدعونا الرّوح القدس إلى اتخاذها لكي ننمو ككنيسة سينودسيّة؟
أضاف الكاردينال هولريخ يقول نحن نعلم أن "السّير معًا "مفهوم يَسهُل التّعبير عنه بالكلمات ، ولكن ليس من السّهل تطبيقه". و يُعَدّ هذا "السّير معًا" أكثر دقّة في الشّرق الأوسط الذي يتغنّى بواقع متعدّد الأديان والطّوائف، إلّا أنّ هذا التّنوع هو بحدّ ذاته ثراء وفرصة جميلة تجعل السّينودسيّة ممكنة، لأنّها تتعلّق بالسير معًا وليس السير بانفراد. وخلص منسّق الجمعية العامة السادسة عشرة لسينودس الأساقفة إلى القول ومع الاقتناع بأنّ السّير السّينودسي هو من صنع الرّب، فإنّنا نسمح لأنفسنا بأن يقودنا روحه، الذي هو البطل الحقيقي لرواية السّينودس. كما أودّ أن أدعونا لنسمح لأنفسنا بأن يسترشدنا الرّوح القدس خلال الاجتماعات المختلفة لهذة الجمعيّة في بيروت ليتجلّى فينا روح السينودسيّة مثل "النّمط الرّسولي" للكنيسة ، لمواجهة تحدّيات العالم المعاصر.
بعدها كانت كلمة للكاردينال ماريو غريتش الأمين العام لسينودس الأساقفة سلّط فيها الضّوء على جانبين من جوانب المسيرة السينودسيّة حتى الآن، وقال الجانب الأوّل: إنه لمن المهمّ أن يتّضح للجميع أن نجاح المسيرة يعتمد على المشاركة الفعّالة لشعب الله والرّعاة. إن الممارسة الصحيحة للمجمع السينودسي لا تضع هذين الموضوعين في منافسة أبدًا، ولكنها تحافظ عليهما في علاقة ثابتة، مما يسمح لكليهما بأداء وظيفتهما الصحيحة. لقد مكّنَت المشاورة في كنائس معيّنة شعب الله من تنفيذ تلك الطريقة الصّحيحة للمشاركة في الوظيفة النبويّة للمسيح، والّتي تتجلى في حس الإيمان أو معرفة الله sensus fidei لجميع المعمَّدين. ويمكننا أن نعتبر فعلاً أن ديناميكية الشّركة هذه ثمرة التجربة المجمعية التي تبدد أكثر من بضع مخاوف أولية. إن مشاركة شعب الله بنشاط في حياة الكنيسة لا ينتقص من الخدمة الهرميّة بل، يقوّيها ويظهر وظيفتها التي لا غنى عنها في حياة الكنيسة.
الجانب الثاني، تابع الكاردينال غريتش يقول هو أهمية الإصغاء. الإصغاء إلى الرّوح القدس الّذي يتكلم إلى الكنيسة. فالقول بأن "الكنيسة المجمعية هي كنيسة إصغاء" لا يمكن ولا يجب اختزاله في عبارة بلاغية. وكنّا قد طلبنا في الوثيقة التحضيرية أن نصغي إلى الجميع، حتى البعيدين لأننا بالكل نعني الكلّ، ولا أحد مُستبعد. وفي هذا الصّدد، تابع الكاردينال ماريو غريتش يقول أشعر بالحاجة إلى التّأكيد على أنّه انطلاقاً من هذه المرحلة القارية تحديدًا، علينا أن نكون أكثر انتباهاً للأصوات "داخل" الكنيسة، وتحديداً تلك الأصوات التي تحدث اضطرابا في الجسد الكنسي في كثير من الأحيان. كما نحن مدعوّون جميعًا، بضميرنا، إلى تقديم ردودنا: من المقتنعين بعمق إلى الذين لا يزالون لديهم شكوك وصولاً إلى الّذين يعارضون علنًا. فلا أحد ممنوع من الكلام. ولهذا السّبب يجب أن نطلب من الرّوح المزيد من الشجاعة للتكلّم بالعلن، لنوضح قناعاتنا بالكامل، ولكن أيضًا للاصغاء الكامل إلى صوت الآخرين. ويمكن للجمعيّات القارية، التي تشكّل فعلًا إضافيًا للبصيرة الكنسيّة، أن تلعب دورًا حاسمًا في هذا المجال. هذا هو التّمييز الّذي تنتظره أمانة السّينودس من المرحلة القارّيّة لكي تتمكّن، على أساس الوثائق الصّادرة عن الجمعيّات القارية السّبع، من وضع أداة عمل للجمعية العامة تكون حقًا تعبير عن الشركة الكنسية.
وخلص الكاردينال ماريو غريتش إلى القول أود أن أعبّر عن اقتناع قد أضفناه نضوجاً مع تقدّم المسيرة السّينودسيّة وهو أن الرّوح يقودنا لتتبع المسار الكاثوليكي نحو السّينودسيّة. أنا على يقين أنه من خلال هذا المسار سيكون من الممكن أيضًا إحراز تقدم في الحوار المسكوني. ليرشد روح الرب القائم من بين الأموات أن خطواتنا ويمنحنا الشجاعة للسّير في الطريق السينودسي، الّذي - أنا أؤمن بهذا من كل قلبي - هو الطريق الذي يفتحه الرب على كنيسة الألفية الثّالثة.
وفي الختام كانت كلمة لغبطة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، قال فيها يسعدنا أن نبدأ معًا المرحلة القاريّة بهذه الجمعيّة السينودسيّة على صعيد الشرق الأوسط. فنحن البطاركة والأساقفة من الكنائس الشرقيّة البطريركيّة واللاتينيّة، مثل غيرنا من المجالس الأسقفيّة، نفتتح المرحلة الثانية من المسيرة السينودسيّة المرتكزة على ثلاث: الشركة والمشاركة والرسالة. تقود تفكيرنا "وثيقة المرحلة القاريّة" التي هي حصيلة المرحلة الأولى الإستشاريّة على المستوى العالميّ. على ضوء هذه "الوثيقة" نحن نتابع طريق السعي إلى عيش كنيسة سينودسيّة؛ كنيسة تتعلّم من سماع كلمة الله وقراءة علامات الأزمنة كيف تجدّد رسالتها بإعلان الإنجيل وإعلان سرّ موت المسيح وقيامته من أجل خلاص العالم، وكيف تحقّق الإستمرار في أن تقدّم للبشريّة كينونة وعيشًا منفتحين على الجميع"…
هذا الخبر نُشر على موقع فاتيكان نيوز، لقراءة المزيد إضغط هنا.