عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي في قدّاس عيد الميلاد المجيد في الصرح البطريركيّ في بكركي، لبنان
تجدون في التالي عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، في قدّاس عيد الميلاد المجيد، يوم الاثنين 25 كانون الأوّل/ ديسمبر 2023، في الصرح البطريركيّ في بكركي، لبنان.
"وُلد لكم اليوم مخلّص هو المسيح الربّ" (لو 2: 11)
1. بهذه العبارة بشّر الملاك رعاة بيت لحم بولادة مخلّص العالم، المسيح الربّ. وأعطاهم علامة: "تجدون طفلًا" ملفوفًا بالقماطات، وموضوعًا في مذود" (لو 2: 12). يا للتناقض: مخلّص العالم طفل في مذود حقير! ويا للأمثولة لنا ولكلّ إنسان: أنّ التواضع ذروة التسامي، وأنّ الفقر الروحيّ غنىً نفيس. وقد أنشدته مريم يوم زيارتها لإليصابات: "تعظّم نفسي الربّ ... لأنّه نظر إلى تواضع أمته. فها منذ الآن يطوّبني جميع الأجيال، لأنّ القدير صنع بي العظائم" (لو 1: 46-50). هذا النهج علّمه الربّ يسوع فيما بعد: "من واضع نفسه رُفع، ومن رفع نفسه أُنزل" (لو 14: 11).
2. فلنخشع، أيّها الإخوة والأخوات، أمام مغارة الميلاد، حيث نرى، بين الزينة والأضواء الجميلة، طفلًا وضيعًا فيه كلّ الله. أمامنا الله-الطفل. الله الخالق هو الآن في حضن أمّ، الكلمة الإلهيّة غير قادر على الكلام، الحبّ اللامتناهي له قلب صغير، خالق الشمس يحتاج إلى تدفئة، خبز الحياة يحتاج إلى طعام، خالق العالم محروم من بيت، الله يأتي إلى العالم الصغير، وعظمته تُقدّم لنا في الصغر. فلنصغِ إلى ما يعلّمنا بصمته ومثله. وليُحدث هذا الميلاد انقلابًا روحيًّا في حياة كلّ إنسان. فعالم الكبرياء والتباهي والإستقواء بحاجة إلى هذا الإنقلاب، وإلّا ظلّت الأوضاع مع مآسيها على حالها من الفساد واللا أخلاقيّة والظلم والإستبداد والحروب والنزاعات واللعب بمصير وطن وشعب وثقافة وتاريخ. فميلاد المسيح الربّ بدأ في الإنسانيّة عهدًا جديدًا، هو عهد الحقيقة والعدالة والسلام، عهد الأخوّة بين البشر، والبنوّة لله بشخص الإبن الأزليّ الذي صار إنسانًا مثلنا ليجعلنا أبناء الله.
3. ولئن خنقت الغصّة القلوب، وملأت الدموع العيون، لدى الحزانى والمتألمين من الجوع والحرمان والمرض؛ ومن الظلم والاستبداد، ولدى العائلات المنكوبة من جرّاء الحرب الابادية على غزّة، ولدى عائلاتنا في جنوب لبنان بسبب امتداد هذه الحرب المشؤومة والمرفوضة الى بلداتهم وقراهم مع ما خلّفت من قتلى وتدمير منازل وتخريب ممتلكات، فانّا مع هذا كله، فيما نرحّب بكم جميعًا وزراء ونوّابًا ورسميّين ونخصّ نقيب محامي بيروت الجديد المحامي فادي المصري وأعضاء النقابة، نقدّم لهم ولكم اطيب التهاني، ونعلن معهم اعلان الرجاء والانفراج: وُلد المسيح، هللويا! وُلد لنا المخلص، "وُلد لكل واحد وواحدة منا ومن البشر، وُلد ليخلصنا من كل شر مادّي وروحي ومعنوي واجتماعي. في كل حالة من حياتنا يقول: انا معك، لا تخف. انا خلاصك تشجّع. انا اساعدك لا تيأس. لا تخف من الناس وشرّهم، انا بقربك وانجيّك من شرّهم.
فيا ليت جميع الناس، ولاسيما كل مسؤول في الدولة والكنيسة والمجتمع والعائلة يدركون ان بميلاد ابن الله انسانًا ظهرت محبة الله المجانية، وهي محبة خلاص وتجدد، ونعمة ميلاد الرب يسوع في نفوسهم. فميلاد المسيح المخلص حدث مرة واحدة، ولكنه ينتظر ان يولد في قلب كل مؤمن ومؤمنة يسمع الكلمة ويحفظها في قلبه ويعمل بها. فيظهر وجه المسيح في اقواله وتصرفاته ومواقفه ومبادراته، عندئذٍ يتغيّر وجه العالم والمجتمع. وهكذا المسيح-الكلمة يبقى في ميلاد دائم في كلّ شخص يؤمن به ويحبّه…
هذه العظة نُشرت على صفحة البطريركيّة الأنطاكيّة السريانيّة المارونيّة على موقع فيسبوك، لقراءة المزيد إضغط هنا.