عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي في أحد بشارة العذراء - اليوم العالمي الثامن والثلاثين للشبيبة

تجدون ألبوم صور في أسفل النصّ.

تجدون في التالي عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الرَّاعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، في أحد بشارة العذراء - اليوم العالمي الثامن والثلاثين للشبيبة، يوم الأحد 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، في الصرح البطريركي، بكركي - لبنان.

"السلام عليك، إفرحي يا مريم" (لو 1: 28)

1. نحتفل في هذا الأحد ليتورجيًّا بتذكار البشارة لمريم، الّتي نقلها جبرائيل الملاك قائلًا: "السلام عليك" أي "إفرحي يا مريم، يا ممتلئة نعمة. لقد وجدتِ حظوة عند اللّه" (لو 1: 28 و 30).

ونحتفل كنسيًّا "باليوم العالميّ الثامن والثلاثين للشبيبة" الّذي أسّسه القدّيس البابا يوحنّا بولس الثاني سنة 1985، وحدّد موعده في عيد المسيح الملك بحسب الروزنامة الليتورجيّة اللاتينيّة. ووجّه قداسة البابا فرنسيس كالعادة رسالة لهذه المناسبة بعنوان "كونوا في الرجاء فرحين" (روم 12: 12).

2. يسعدنا أن نقيم معًا هذه اللّيتورجيا الإلهيّة إحياءً لهذين الحدثين: البشارة لمريم، ويوم الشبيبة العالميّ. فأرحّب بكم جميعًا، وبخاصّة بالهيئة العامّة "اللّجنة الوطنيّة لراعويّة الشبيبة التابعة لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان" الّتي تتمثّل فيها لجان الشبيبة والحركات الرسوليّة والكشفيّة في الكنائس الكاثوليكيّة الخمس في لبنان. فنحيّي مرشدها الوطني عزيزنا الخوري شربل دكّاش، وسائر المرشدين. نتأمّل في هذه العظة بفضيلة الرجاء، موضوع رسالة قداسة البابا. وقد اختاره استعدادًا ليوبيل الشبيبة في السنة المقدّسة 2025 حيث يكون الشبّان والشابات "حجّاج الرجاء".

3. حيّا قداسة البابا فرنسيس الشبيبة ودعاهم "الرجاء الفرح للكنيسة، ولبشريّة هي في مسيرة دائمة". وأكّد أنّه يرغب في السير معهم اليد باليد على طريق الرجاء، في ضوء كل من دعوة بولس الرسول "كونوا في الرجاء فرحين" (روم 12: 12)، وتأكيد النبي أشعيا: "إنّ الذين يعيشون في رجاء الربّ يسيرون ولا يتعبون" (أش 40: 31).

عندما كتب بولس الرسول إلى مسيحيي روميه، داعيًا إيّاهم إلى "الفرح في الرجاء"(روم 12: 12)، كانوا في ذروة الإضطهاد والقتل والإستشهاد. هذا الفرح الداعي إليه بولس إنّما ينبع من سرّ موت المسيح وقيامته، ويتحدّر من اللقاء الشخصي بالمسيح. أجل الرجاء المسيحي يأتي من الله بالذات، ومن يقيننا بأنّ الله يحبّنا.

4. بكلّ أسف، يقول البابا فرنسيس، في الزمن الذي نعيشه، زمن الحروب والنزاعات والحقد والكراهيّة، زمن الظلم والإستبداد، زمن الفقر والجوع والحرمان والإنتحار، زمن التهجير والطرد من أرض الأجداد، وكأنّنا في سجن مظلم، نرى أنّ "الرجاء هو الغائب الأكبر!".

لكنّ هذا الغائب الأكبر هو الفاعل الأقدر. فالله ينعم على كلّ إنسان بثلاث فضائل: الإيمان والرجاء والمحبّة. فيستعير قداسة البابا شعرًا من الكاتب والشاعر الفرنسي Charles Péguy الذي يسمّي هذه الفضائل "أخوات": الرجاء هو "الأخت الأصغر"، أمّا الإيمان والمحبّة فهما "الأختان الكبيرتان".

يقول هذا الشاعر: "الإيمان لا يرى إلّا ما هو، أمّا الرجاء فيرى ما سيكون؛ المحبّة لا تحبّ إلّا ما هو، أمّا الرجاء فيحبّ ما سيكون. ويختم: "الفضيلة التي يحبّها الله هي الرجاء". أمّا القدّيس أغسطينوس فيعتبر أنّ هذه الفضائل الثلاث مترابطة ومتكاملة، إذ يقول: "من يؤمن يرجو، ومن يرجو يحبّ". ما يعني أنّ الرجاء جسر بين الإيمان والمحبّة. فالإيمان يحتاج إلى الرجاء لكي يصمد، والمحبّة بحاجة إلى الرجاء لكي تتواصل.

5. ويؤكّد قداسة البابا فرنسيس في رسالته: "أنّ الرجاء نور يضيء في الظلمة". فيتّخذ صورة سبت النور، ومثال أمّنا مريم العذراء.

فسبت النور هو "يوم الرجاء". وهو أرض صلدة بين الجمعة العظيمة وأحد القيامة، بين إحباط التلاميذ والفرح الفصحيّ. هذا هو "المكان" الذي فيه يولد الرجاء. تتذكّر الكنيسة في هذا اليوم نزول المسيح الصامت إلى الجحيم ليقيم الأموات. هكذا يقول قداسة البابا ربّنا لا يكتفي بنظره الرحوم إلى مساحات موتنا وآلامنا أو بمناداتنا من بعيد، بل يدخل في صميم اختباراتنا للجحيم كنور يسطع في الظلمات ويبيدها (راجع يو 1: 5).

ويتّخذ قداسته مثال رجاء مريم العذراء. فعلى الجلجلة ظلّت "ثابتة في الرجاء على غير رجاء" (روم 4: 18). فلم تسمح بأن ينطفئ في قلبها اليقين بالقيامة التي أعلنها ابنها. وهكذا مريم ملأت صمت سبت النور بانتظار محبٍّ مملوءٍ رجاء، استكمالًا لوقوفها عند أقدام الصليب. فزرعت في نفوس التلاميذ اليقين بأنّ يسوع سينتصر على الموت، وبأنّ الكلمة الأخيرة لن تكون للشرّ بل للقيامة. إنّها حقًّا "امرأة الرجاء" وأمّ الرجاء…

هذه العظة نُشرت على صفحة البطريركيّة الأنطاكيّة السريانيّة المارونيّة على موقع فيسبوك، لقراءة المزيد إضغط هنا.

Previous
Previous

مراجعة لغويّة ولاهوتيّة لصلاة التبريكات لزمن البشارة – سوبارا من قبل غبطة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو

Next
Next

غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان يصل إلى حلب، سوريا