عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الرّاعي في أحد تجديد البيعة
تجدون في التالي عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الرّاعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، في أحد تجديد البيعة، يوم الأحد 12 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، في الصرح البطريركيّ في بكركي، لبنان.
"أنا الّذي قدّسه الآب وأرسله إلى العالم" (يو 10: 36)
1. بهذا التعريف الذاتي، أجاب ربّنا يسوع على سؤال اليهود: "إلى متى تُبقي نفوسنا حائرة؟ إن كنت أنت المسيح، فقله لنا صراحة" (يو 10: 24). فصارحهم بأنّهم لا يؤمنون: لا بكلامه، ولا بأعماله الشاهدة أنّه إبن اللّه المرسل من الآب لخلاص العالم. وأضاف: "أنا الذي قدّسه الآب وأرسله إلى العالم" (يو 10: 36).
2. يسعدني أن أرحّب بكم جميعًا، مع توجيه تحيّة خاصّة إلى أولاد المرحومين صبحي ونديمة فخري من بلدة بتدعي البقاعيّة في الذكرى السنويّة التاسعة لإغتيالهما من دون أي وجه حقّ أمام دارتهما على يد عصابة من المنطقة معروفين وفارّين من وجه العدالة. ولم يشأ أولاد الضحيّتين الأخذ بالثأر بل تركوا الأمر للمراجع القضائيّة المختصّة. فإنّنا نصلّي لراحة نفسيهما ولعزاء اسرتهما.
3. تحتفل الكنيسة اليوم بأحد تجديدها بحيث تتجدّد بأبنائها ومؤسّساتها، وتجدّد إيمانها بالمسيح "شمس" العالم الّذي تدور حوله، مثلما تدور الأرض حول الشمس، وتستمدّ منه نور الكلمة، وحياة النعمة، وحرارة المحبّة.
تجديد البيعة يعني الإعلان المتجدّد لسرّ المسيح، الذي ينكشف فيه سرّ اللّه الواحد في الطبيعة والمثلّث الأقانيم: الآب الخالق مصدر المحبّة الشاملة لجميع البشر، والإبن الفادي مصدر النعمة التي تفتدي وتخلّص كلّ إنسان، والروح القدس المحيي مصدر الحياة الإلهيّة في الإنسان. في ضوء سرّ المسيح تعلن الكنيسة سرّ الإنسان المخلوق على صورة اللّه، والمفتدى بدم المسيح، والصائر هيكل الروح القدس، والمدعوّ ليكون شريك اللّه في صنع التاريخ. وهو بالتالي صاحب كرامة وقدسيّة ومصير نهيويّ خالد. فلا يحقّ لأحد أن يعتدي على حياة اي انسان.
4. إنّ الإحتفال بتجديد البيعة (الكنيسة) الذي يبدأ اليوم ويدوم طيلة الأسبوع، يعني أيضًا التعمّق اللاهوتي والروحيّ في إيماننا المسيحيّ، لكي نتمكّن من تقديمه للإنسان المعاصر، في أيّ حالة وظرف ومكان شخصيّ أو جماعيّ كان؛ ولكي نتمكّن من إعلانه للفقير والغنيّ، لصاحب السلطة والمواطن، للمريض والمعاق، للشاب والعجوز. ترفق الكنيسة إعلان الإيمان بالحوار الصادق وشهادة المحبّة، وتجسّده بتعزيز ثقافة السلام من خلال التضامن الفعّال تجاه الفقراء والمتألّمين، مع التعاون في تأمين حياة لائقة لجميع الشعوب. نعم، نحن مدعوون اليوم لنجدد هذا الايمان فنكبر وننمو فيه.
5. يسوع المسيح موضوع إيمان لا جدال، كما فعل اليهود. فالكنيسة تجدّد إيمانها به وتعلنه للعالم فاديًا وحيدًا، ومخلّصًا وحيدًا للجنس البشريّ. وفيما اليهود يجادلونه ويماحكونه ويحاولون بشتّى الطرق إلغاءه، يعلن عن حقيقة نفسه أنّه المسيح: "راعي الخراف، وابن اللّه المرسل من الآب إلى العالم، ليقود الناس إلى اللّه" (راجع يو 10: 27-29).
6. أمّا سؤال اليهود "إلى متى تريب نفوسنا؟ فإن كنت أنت المسيح، فقله لنا علانية" (يو 10: 24). هو سؤال يُطرح كلّ يوم. فالإنسان يبحث بشكل دائم عن خلاصه الروحيّ والماديّ، الثقافيّ والإجتماعيّ، السياسيّ والإقتصاديّ. أمّا المخلّص الوحيد فهو يسوع المسيح "إبن اللّه الذي تجسّد من أجلنا ومن أجل خلاصنا وافتدانا بآلامه وموته وقيامته وصعوده إلى السماء"، كما نعلن في قانون الإيمان، وهو "الذي قدّسه اللّه وأرسله إلى العالم" (يو 10: 36).
لقد بدأ المسيح عمل خلاص العالم، ويواصله بكلّ أبعاده بواسطة الكنيسة "أداة الخلاص الشامل" (القرار في نشاط الكنيسة الإرساليّ، 1)، ومن خلال الإرادات الطيّبة التي تنفتح للكلمة الإلهيّة ولإلهامات الروح القدس…
هذه العظة نُشرت على صفحة البطريركيّة الأنطاكيّة السريانيّة المارونيّة على موقع فيسبوك، لقراءة المزيد إضغط هنا.