عظة غبطة البطريرك يوحنّا العاشر في رأس السنة الميلاديّة

في التالي عظة غبطة البطريرك يوحنّا العاشر، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للرّوم الأرثوذكس، لمناسبة رأس السنة الميلاديّة، يوم الأحد 1 كانون الثاني/ يناير 2023، في الكاتدرائيّة المريمية بدمشق، سوريا.

أيّها الأحبة،

بعيون ترتشف رحيق التعزية من عيون الطفل الإلهي، نطوي صفحة العام الماضي ونفتتح صفحة العام الجديد بالقدّاس الإلهي، بـ"إفخارستيا"، بسرّ شكرٍ وبكلمة شكرٍ من الإنسان إلى خالقه السماوي. نفتتحه لنقول إنّنا كمسيحيّين معجونون بالشكر الّذي تدوم عبره النعم. نفتتح عامنا الجديد بكلمة شكرٍ لرب السموات والأرض وسيّد الحياة والموت ومبعث كلّ أملٍ ورجاء.

نفتتح السنة الجديدة مشدّدين دومًا على الحكمة الإلهيّة الّتي تذوب وتمّحي أمامها تلك الحكمة البشريّة المحضة الّتي تتوسّل العقل وتكتفي به ولا تذهب إلى ما هو أبعد منه. نفتتحها بكلام بولس في رسالة اليوم عن تلك "إيّاكم أن يخبلكم أحدٌ بالفلسفة". لا ازدراءً بالفلسفة على أهميتها بل تجنّبًا للاكتفاء بحكمة البشر في فهم عمق المحبّة الإلهيّة. فالمسيحيّة ليست مجرّد محاكمة عقليّة ولا تقف عند حدود تلك، لا بل هي أوّلًا وأخيرًا رسالة محبّة بين خالقٍ أحب ومخلوقٍ يبادله المحبّة شكرًا وعرفانًا.

نفتتح العام الجديد وفي القلب يرن تسبيح الملائكة في بيت لحم. "المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة". ومن هذا السلام المرجو يحلو لي أن أطل وأتأمل وإياكم حال البشرية في هذه الأيام وفي غيرها. منذ ألفي عام طلب يسوع الناصري إلى من تبعوه أن يصلوا قائلين" خبزنا الجوهري أعطنا اليوم" وفي ترجماتٍ أخرى "أعطنا خبزنا كفاف يومنا". ولو سمعت البشرية والأمم عموماً ما طلب الناصري وطبقته لما كانت هناك حروبٌ ولا مجاعاتٌ ولا ظلمٌ. لو أخذ كل إنسانٍ وكل أمةٍ كفايته، وكفايته فقط، لما كانت كل هذه الصراعات. كل ما جرى وما يجري من صراعات يجري لأن الإنسان عموماً لا يكتفي بل يتسلط على ما أوجده الله ليكفي غيره في الإنسانية. وكل ما زاد عن الكفاية هو لقمةٌ ينتزعها من فم أخيه في الإنسانية. كل ما يأخذه زيادةً عن كفايته هو تماماً ما يَحرم منه أخاه في الإنسانية. هذا هو المنطق الذي أرادنا الله أن نسير بموجبه وهذه نفحةٌ من عظيم حكمته التي تتجاوز الحكمة البشرية المحضة.

في رأس السنة الميلادية نصلي من أجل سوريا التي ذاقت مرارة الحرب وتذوق إلى الآن مرارة الحصار الاقتصادي الآثم الذي يستهدف شعبها بكل الأطياف. نصلي من أجل سوريا ومن أجل وحدة ترابها. لقد آن للعالم أن يجد طريقه إلى دمشق وأن يتعطف بهذا الشعب الذي دفع ويدفع من دم أبنائه ضريبة مصالح الكبار. السوري دائماً تواقٌ إلى العيش بكرامة. نصلي اليوم ونعمل كما يعمل سوانا كي يبقى إنسان هذه الأرض في الأرض التي جبله الله من رحمها. لا أحد ههنا يعشق الهجرة. نداؤنا اليوم إلى العالم وإلى حكوماته ومجتمعاته. إن للحصار الخانق المطبق على هذا الشعب آثارَه التي تدفعونها من جيوبكم أنتم استقبالاً لمهجرين ونازحين. دعونا نعيش في الأرض التي أحببنا ونحب. نحن لا ندعي المثالية في أوطاننا. لكننا سئمنا لغة التعاطف المتكاذب ولفظنا لغة الشعارات الرنانة التي تُستخدم فقط لتحقيق المصالح.

في رأس السنة الميلادية، صلاتنا من أجل لبنان. صلاتنا من أجل هذا البلد الذي يرزحُ تحت كمٍّ من الملفات ليس أولها الضائقة الاقتصادية ولا انفجار مرفأ بيروت وليس آخرها انتخاب رئيس للجمهورية. إن ما يصيب لبنان يصيب كنيسة أنطاكية في الصميم ومجد لبنان من مجدها. لبنان هو رئةٌ نتنفس منها نحن كمسيحيين أنطاكيين ومشرقيين صلبَ وجودنا. نصلي اليوم وندعو الجميع في لبنان إلى تبني منطق التكاتف والكف عن رمي الكرة في الملاعب الخارجية في كل الملفات. نهيب بالمسؤولين التطلع أولاً وأخيراً إلى الإنسان اللبناني الذي يقاسي غلاء الدواء والمعيشة. ونهيب بالنواب خصوصاً المبادرة إلى انتخاب رئيس للجمهورية كخطوةٍ في سبيل تعافي لبنان نرجوها اليوم قبل غد…

هذا العظة نُشرت على صفحة بطريركيّة أنطاكية وسائر المشرق للرّوم الأرثوذكس على موقع فيسبوك، لقراءة المزيد إضغط هنا.

Previous
Previous

غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان ينعي وفاة قداسة البابا الفخري بنديكتوس السادس عشر

Next
Next

غبطة الكاثوليكوس روفائيل بيدروس الحادي والعشرون ميناسيان يوجّه رسالة لمناسبة بداية السنة الجديدة