عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي في الأحد الرابع بعد عيد الصّليب

في التالي عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، في الأحد الرابع بعد عيد الصّليب، يوم الأحد 9 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2022، في بكركي، لبنان.

"من تراه العبد الأمين الحكيم" ( متّى 24: 45).

1. لفظة "عبد" لا تعني عبوديّة، بل تشتقّ من فعل "عَبَدَ" وتعني العابد، أي المؤمن الـمُحبّ للّه والملتزم بمحبّته الّتي تتجلّى في أفعال العبادة. وتعني الشخص الّذي يختاره اللّه ويدعوه للمساهمة في تحقيق قصده. يسوع نفسه يُدعى في سفر أشعيا "عبد الربّ". إنّه لقب شرف. يُطلقه الكتاب المقدّس على أشخاص أوكل اللّه إليهم رسالة خاصّة بشعبه مثل: موسى وداوود الملك، والأنبياء والكهنة. حتّى "شعب اللّه" دُعي "عبد الربّ".

2. "العبد"، المؤتمن على مسؤوليّة تجاه الجماعة، هو بمثابة وكيل يجب أن يتّصف بفضيلتين: الأمانة والحكمة.

الأمانة صفة أساسيّة من صفات اللّه، تجعله دائمًا أمينًا لذاته. أمانتنا تدعونا لنكون أمناء على مثاله. وهي: الأمانة للموكِّل، الّذي هو اللّه؛ الأمانة للأشخاص الّذين في عهدة خدمتنا؛ وللهويّة الذاتيّة الّتي هي حالة قابل الوكالة، ما يعني أنّي لست سيّدًا مطلقًا على حياتي ومواهبي وإمكاناتي وممتلكاتي ووظيفتي ومسؤوليّتي؛ ولِـما هو خاصّتي، بحيث أحافظ عليه وأنمّيه وأثمّره لكي يزداد ويكثر، من أجل خدمة أوفر وأشمل، كما جاء في مثل الوزنات: خمس واثنتين وواحدة (راجع متّى 25: 14-30).

تقتضي الأمانة العودة إلى قرار اليوم الأوّل، فتتغلّب على مصاعب ثلاث تهدّدها، هي: رتابة الحياة اليوميّة، الصعوبات والمعاكسات، وشبه صمت الله أو غيابه.

امّا الحكمة فضيلة من مواهب الروح القدس وهي أولى مواهبه السبع. توهَب لنا مجّانًا لكي ننظر إلى أمور الدنيا من منظار الله، ونتصرّف كما لو أنّه هو مكاننا. الحكمة هي الوعي والإدراك الذي يحثّنا على أن نكون دائمًا أمناء. الحكمة تشكّل الإطار الواقي للأمانة.

3. مغزى إنجيل اليوم هو أنّ لكلّ واحد وواحدة منّا واجب تأدية الحساب عند نهاية حياته. فإذا تمّم واجبات وكالته كوفئ بالخلاص الأبديّ. أمّا إذا تنكّر لها وأهملها كان نصيبه الهلاك الأبديّ. وكلا الأمرين رهن الإرادة الشخصيّة. بإرادتنا نخلص، وبإرادتنا نهلك، فيما الله يمنحنا كلّ النعم والوسائل لخلاص نفوسنا.

هكذا، من انجيل اليوم، مجيء السيّد هو الموت الذي يعني اللقاء الأخير والنهائي مع الله، والحضور أمام الله في حالة الأمانة للحياة والإيمان والمسؤوليّة. في هذا اللقاء يتقرّر مصير كلّ إنسان في حالة ما بعد الموت، أخلاص أبديّ أو هلاك أبديّ.

الموت حتميّ، لكن يومه وساعته غير معروفين. فيجدر الاستعداد للقاء الربّ، عبر الموت، من خلال الأمانة والحكمة المذكورتَين. يجب الاعتناء بالحياة والموت على السواء. أوصى دائمًا الآباء القدّيسون بالقول: "أذكر أيّها الانسان موتك"، من أجل تنظيم وتصحيح حياتك في هذه الدنيا.

4. المسؤولون في السلطات الدستوريّة هم موكّلون من الشعب بحسب مقدّمة الدستور: "الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسّسات الدستوريّة" (فقرة د). هذا التوكيل من الشعبيوجب على النوّاب في هذه الايام خاصة انتخاب رئيس للجمهوريّة قبل الحادي والثلاثين من تشرين الأوّل الجاري. وعليه، الشعبُ اللبناني يَنتظرُ الخروجَ من أزَماتِه المتراكِمةِ واستعادةَ دورِه تجاه ذاتِه ومحيطِه، لكنّه لا ينظر بارتياح إلى شعار التغيير، إذ يخشى تمويهه بين حَدّين: تغييرِ أسماءٍ من دونِ تغييرِ شوائبِ النظام، وتغييرِ النظامِ التاريخي والديمقراطي من دون إسقاطِ نظامِ الأمر الواقعِ. فلا بدّ من إيجاد الحلول الصحيحة لخير لبنان وشعبه…

هذه العظة نُشرت على صفحة البطريركيّة الأنطاكيّة السريانيّة المارونيّة على موقع فيسبوك، لقراءة المزيد إضغط هنا.

Previous
Previous

الإحتفال بعيد القدّيسة تقلا العظيمة في الشهداء ومعادلة الرسل في بطريركيّة الرّوم الأرثوذكس الأورشليميّة

Next
Next

اليوم الثاني من زيارة قداسة البابا ثيودورس الثاني إلى الولايات المتّحدة الأميركيّة