عظة قداسة البابا تواضروس الثاني في القدّاس الإلهيّ بكاتدرائيّة دير مار جرجس بالخطاطبة، مصر، عقب تدشينها

242792338_222915203213809_2450152473329912299_n.jpg

تجدون في التالي عظة قداسة بابا الإسكندريّة وبطريرك الكرازة المرقسيّة البابا تواضروس الثاني في القدّاس الإلهيّ بكاتدرائية دير مار جرجس بالخطاطبة، مصر، عقب تدشينها، يوم السّبت 25 أيلول/ سبتمبر 2021:

بإسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد. آمين

تحلّ علينا نعمته ورحمته من الآن وإلى الأبد. آمين

نفرح يا إخوتي في هذا الصباح المبارك بهذا التدشين في هذا الدير العامر تدشين كاتدرائية الشهيد العظيم مار جرجس في ديره العامر في برية الخطاطبة، ونفرح بهذه الكنيسة الجميلة ونسعد جميعًا كلّ الآباء المطارنة والأساقفة والآباء الكهنة والشمامسة والأراخنة، ونفرح بعمل اللّه العظيم في هذا المواضع، ونشكر إلهنا الصالح أنه يعمل مع نيافة الأنبا مينا أسقف ورئيس الدير ومَنْ يعمل معه من الأحباء رهبان هذا الدير العامر، الّذين يعملون معًا بهذه الصورة الجميلة كما نراها في هذه الكاتدرائية، وإنجيل هذا الصباح يتكلم عن إرسالية السبعين رسول، وكان السيد المسيح اختار ١٢ وهم التلاميذ وأرسلهم ونسميها إرسالية التلاميذ والذين كانوا أصلاً يهودًا.

242831668_222915279880468_6282264509707156007_n.jpg

ثمّ فيما بعد اختار ٧٠، وكان بعضهم يهودًا وبعضهم من الأمم وصاروا دُخلاء، وبدأ يرسلهم للكرازة وللبشارة وللخدمة، وعادوا فرحين، وهذا أول أمر نحب أن نضعه أمامنا، أن الله يريدنا أن نفرح دائمًا، يريدنا أن نكون فرحين، ونهاية كل فعل نصنعه في حياتنا الروحية يكون الهدف منه أن نصير دائمًا فرحين، وهذا شيء هام جدًا، لأن الفرح يُظهر عمل الروح فيك، "أَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ، فَرَحٌ، سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ، لُطْفٌ، صَلاَحٌ، إِيمَانٌ"، فالأرض اسمها أرض المحبة وأول ثمرة تثمر هي ثمرة الفرح، ولهذا الفرح هو علامة الإنسان المسيحي، فيما مضى عندما يتقابل وثني مع وثني آخر – معروف أن الوثنيين في تاريخهم دائمًا مكشّرين – ويجده مبتسم فيقول له متعجبًا: هل قابلت اليوم مسيحيًّا؟! فأطفى عليه روح البشاشة وروح الفرح، وكما تعرفون جميعًا أن هناك ٣ أشياء قال لنا عنها الكتاب المقدّس أن نفعلها كلّ حين، صلّوا كلّ حين، واشكروا كلّ حين، وافرحوا كلّ حين، كأنّ الصلاة والشكر والفرح مثل الخيط المثلوث (مثل الضفيرة) مرتبطين ببعضهم، فلا يصح أن تصلي وليس لديك شكر أو فرح، ولا يصح أن تشكر دون التعبير عن هذا الشكر بالصلاة والفرح، وأيضًا لا يصح أن تفرح إلا وأن تُعبّر عنه بالشكر والصلاة.

وأريد أن أقول لكم أننا ونحن نعيش هذا الزمان وعلى هذه البلاد المقدسة – ماذا يفرحنا؟، ففي يوم أتى التلاميذ للسيد المسيح قائلين له أنهم فرحين جدًا وعندما سألهم عن السبب، قالوا له أن الشياطين عندما نرشم عليها الصليب نطردها وتمضي، فقال لهم السيد المسيح بود بالغ وفرح وبنظرة حنية لا تفرحوا بذلك بل اِفرحوا بالأهم وهو "أَنَّ أَسْمَاءَكُمْ كُتِبَتْ فِي السَّمَاوَاتِ"... واليوم ونحن نعيش في مصر في هذا الزمان توجد أشياء كثيرة تفرحنا، وسأتكلم عن إثنين أو ثلاثة، أول شيء يفرحنا أن في بلادنا يوجد عدد كبير من الأديرة الممتلئة بصلوات الرهبان أو الراهبات، وهذه الأديرة موجودة في أماكن كثيرة في محيط الجغرافيا بمصر، وعمل الدير الرئيسي هو الصلاة، وأحد الأمور التي تفرحنا نحن المصريين أنه توجد مواضع صلاة في كل مكان في الشمال وفي الجنوب وفي الشرق وفي الغرب، في حين توجد بلاد ليس بها ذلك ولا يوجد بها أحد يصلّي ولا مواضع للصلاة مثل الأديرة.

ولهذا نفرح كثيرًا أن الحياة الرهبانية - باعتبارنا اليوم موجودين في دير – أن الحياة الرهبانية ووجود الآباء الرهبان في كل دير يرفعون الصلوات عنا ليلاً ونهارًا، ولا يوجد فرح أكثر من هذا أن يكون هناك مَنْ يُصلي من أجلي ودائم الصلاة، فقد يحدث أن نتأخر في النوم حتى ساعات الفجر وهناك آخرون في يقظة يصلون من أجلنا، وهذا يعطينا طمأنينة وهذا يعطينا سلام وهذا يعطينا فرح، فرح، لهذا نحن الأقباط بصفة عامة محبين جدًا للأديرة، ونعرف قيمة الأديرة في حياتنا، ونعرف قيمة الصلوات المرفوعة من قلوب نقية على الدوام أمام اللّه، ولهذا المسئولية خطيرة، فتصوّر أن يكون لدينا دير وليس به روح الصلاة الكاملة فهذه مسئولية خطيرة، وبالتالي وجود أديرة في حياتنا هو سبب من أسباب الفرح، ومن الأشياء الجميلة الموجودة في حياتنا الاجتماعية أن كثير من الأسر القبطيّة أنهم في يوم الأجازة يذهبون إلى الدير وليس التنزه في أماكن أخرى بل الذهاب إلى الدير لأخذ بركة كنائس الدير وقديسين الدير وآباء الدير.

إنّه عمل رائع، وهذا الأمر يا إخوتي يفرّحنا جميعًا، أنّه توجد صلوات مرفوعة وأيدي مرفوعة من أجلنا في اللّيل وفي النهار، والشيء الثاني أن الكنيسة هنا جميلة فعلاً جدًا وذوقها رفيع للغاية واللّون الأبيض بها هو لون النور، ومن الأشياء الجميلة بها فعلاً هي الشرقية وجميعكم ترونها، والشرقية نسميها (البانطوكراتور) حضن الآب، وهنا حضن الآب متسع جدًا وكبير، وهذا حضن المسيح المفتوح لنا دائمًا، وهذا الحضن المتّسع كما يقف السيد المسيح على الصّليب فاتحًا أحضانه هكذا يقول "تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ.... فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ"، وهذا الحضن المتّسع تعبير عن حضن المسيح المفتوح دائمًا أمام كلّ إنسان يأتي مسرعًا ويُقدم توبة ونقاوة في حياته، ولم نرى أبدًا حضن المسيح مغلق، وحتّى في قصة الابن الضال عندما عاد الابن وقابله أبوه الذي قال هاتوا الحُلّة والخاتم والحذاء واِذبحوا العجل المسمن – وهذه 4 هدايا – والهدية الأهم التي قدمها هذا الأب لابنه العائد هي أنه أخذه في حضنه "وَقَعَ عَلَى عُنُقِهِ وَقَبَّلَهُ"، والحضن تعبير عن الأمان، وتعبير عن حالة السلام وحالة القبول وحالة التوبة، وعندما تضيق الدنيا بالإنسان في مواقف الحياة المتعددة لا يجد سوى حضن المسيح ليُلقي بنفسه في هذا الحضن ويبكي ويقدم بالدموع طلبات قلبه، ويطلب نقاوة قلبه، ويخرج الإنسان من هذا الحضن مرتاحًا وفرحًا …

هذه العظة نُشرت على صفحة المتحدّث الرسمي بإسم الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة على موقع فيسبوك، لقراءة المزيد إضغط هنا.

Previous
Previous

قداسة البابا فرنسيس: الأخوّة إحدى علامات الأزمنة الّتي أبرزها المجمع الفاتيكاني الثاني

Next
Next

قداسة البابا فرنسيس يهنّئ غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثّالث يونان لمناسبة يوبيله الكهنوتيّ الذهبي