عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي الأحد الحادي عشر من زمن العنصرة

MAB_7542.jfif

الديمان – الأحد أوّل آب/ أغسطس 2021

"يا ربّ، ها أنا أعطي نصف أموالي للفقراء" (لو 19: 8)

1. لمّا تواجد زكّا الخاطي والغنّي، مع يسوع وقف وقفة وجدانيّة وقال: "يا ربّ، ها أنا أعطي نصف أموالي للفقراء، وإن كنت قد ظلمت أحدًا بشيء، فإنّي أردّه أربعة أضعاف" (لو 19: 8).

من وعد زكّا ليسوع تبيّنت خطاياه وتوبته العفويّة وعزمه على التعويض. إعترف أنّه لم يبالِ يومًا بالفقراء، وأمسك يده عن مساعدتهم وعاطفة قلبه عن التحنّن عليهم. فتاب، وقرّر التعويض عن خطيئته بإعطائهم نصف أمواله.

MAB_7493.jfif

واعترف أنّه ظلم الناس في جباية العشر، طالبًا منهم أكثر من المتوجّب ومختلسًا الفرق. فتاب، وقرّر التعويض بردّ ما ظلمهم به أربعة أضعاف.

عندئذٍ قال يسوع: "اليوم دخل الخلاص هذا البيت" (لو 19: 9). أجل، طريق الخلاص الأبديّ يمرّ عبر محبّة الإنسان واحترامه في حقوقه، ومساعدته في حاجاته، على ضوء إنجيل يسوع المسيح.

2. يسعدنا أن نحتفل معًا بهذه الليتورجيا الإلهيّة، مرحّبًا بكم وعلى الأخصّ برعيّة حصرون العزيزة، بكهنتها ورئيس بلديّتها ومختاريها وسائر أهاليها، المقيمين والمنتشرين، مصلّيًّا معكم من أجلهم أحياءً وأمواتًا، أصحّاء ومرضى، صغارًا وكبارًا. وأحيّي عائلة المرحوم الشيخ سمير إبن المرحوم النائب والوزير الشيخ الياس الخازن من عجلتون العزيزة. وقد ودّعناه بكلّ أسى منذ 17 يومًا مع زوجته وأولاده وشقيقه وشقيقاته وعائلاتهم. نصلّي في هذه الذبيحة المقدّسة لراحة نفسه، وعزاء عائلته. كما نرحب بوفد حزب القوات اللبنانية، وبكشافة لبنان فوج مدرسة راهبات القلبين الاقدمين كفرحباب.

3. لم يشهّر يسوع بخطايا زكّا، "الغنيّ ورئيس العشّارين" (لو 19: 2)، كما فعل الجمع (راجع الآية 7)، وما ان وقف زكّا في حضرة يسوع، الذي استقبله مسرورًا في بيته، حتى إخترق نور أعماق قلبه وضميره. فارتسمت امامه كلّ حياته الماضية بتلوّثاتها. فكان اعترافه العفويّ وتوبته وتعويضه.

كم نحن، كلّ واحد وواحدة منّا، بحاجة لأن يقف في حضرة الله القدّوس، ويتمثّل بزكّا الغنيّ ورئيس جُباة العشر للدولة! فلو فعل ذلك اصحاب السلطة والسياسة عندنا، لما وصلت أحوال لبنان واللبنانيّين إلى هذا الإنهيار الكامل السياسيّ والإقتصاديّ والماليّ، ولما عمّ الفساد الوزارات والإدارات والمجالس والهيكليّات، ولمّا تفاقم الجشع وبات القويّ يأكل الضعيف، ولما مدّ أهل السياسة يدهم على المال العام والإدارة والقضاء وبعض الأجهزة الأمنيّة، ولما سعوا إلى إدخال الروح الطائفيّة والمذهبيّة في ممارسات الوزارات والمؤسّسات العامّة والتوظيف فيها، حتى بتنا نرى بكل أسف تطبيق مقولة "صيف وشتاء على سطح واحد".

4. يحتفل الجيش اللبناني اليوم بعيده ومعه يَحتفلُ جميعُ اللبنانيّين. وإذ نُهنّئه قيادة ورتباء وجنودًا، فانّا نؤكّد ثقتَنا بهذه المؤسّسةِ العسكريّةِ التي تَربِطُها بالشعِب اللبنانيِّ تاريخيًّا قِصّةُ وِدٍّ خاصّة. فالجيشُ اللبنانيُّ هو الـمُناطُ به الدفاعُ عن سيادةِ لبنان واستقلالِه، ومسؤوليّةُ حمايةِ الشعبِ في أمنِه الوطنيِّ تجاه الفِتنِ والمخطّطاتِ المشبوهةِ والإرهاب. وقد أثْبتَ الجيشُ قدرتَه على مواجهةِ التحدّياتِ. وكانت معاركُه في الجرودِ والجبالِ والسهولِ والسواحلَ والمعسكراتِ معاركَ ظافرةً. وانّا نقف وقفة اجلال وصلاة لراحة نفوس شهداء الجيش وعزاء عائلاتهم. وفيما تَـمرُّ المؤسّسةُ العسكريّةُ بضائقةٍ ماديّةٍ نتيجةَ الأوضاعِ المتردّية، نَشكرُ جميعَ الدولِ الشقيقةِ والصديقةِ التي لبّت نداء قائد الجيش، وتَعاطَفت مع جيشِنا الحبيب، وأمدَّتْه بالمساعداتِ الأساسيّةِ من مختلف الانواع ليتمكّنَ من مواصلةِ القيامِ بواجباتِه وضمانِ سلامةِ المجتمع، خصوصًا في هذه المرحلةِ المحفوفة بالتطوّرات.

5. بعد ثلاثة أيّام يُطِلُّ علينا الرابعُ من آب حاملًا صَدى الانفجار، وعُمقَ المأساةِ، وآثارَ الجروحِ، وهولَ الكارثة. يُطِلُّ علينا مُثْخنًا بدماءِ الضحايا والشهداءِ، ومُبَلَّلًا بدموع الأمّهات والآباءِ والأبناء وذوي القُربى.

سنة مضت ونحن ننتظر الحقيقةَ ونتيجة عمل القضاء الذي من واجبه أن يُقْدِمَ بشجاعةٍ ومن دون خوفٍ من تهديدٍ، أو وعيدٍ، أو ترغيبٍ مباشَرٍ، أو غيرِ مباشَر. لا يَجوزُ لمسارِ التحقيقِ أن يَقِفَ عند حاجزِ السياسةِ والحَصانات. يجب أن تَلتقيَ شجاعةُ الشَهادةِ وشجاعةُ القضاء لنَصلَ إلى الحقيقة. إنَّ عرقلةَ سيرِ التحقيقِ اليوم يَكشِفُ لماذا رَفض من بيدِهم القرار التحقيقَ الدُوَليَّ بالأمس؛ ذلك أنَّ التحقيقَ الدُوَليَّ لا يَعترف بالعوائقِ والحجج المحليّة.

6. فكما نريد الحقيقة نريد أيضًا حكومة تتمّ بالإتفاق بين الرئيس المكلّف ورئيس الجمهوريّة وفقًا لنصّ الدستور وروحه، ولميثاق الشراكة المتساوية والمتوازنة، وبموجب الضمير الوطنيّ. كما جرت العادة مذ كانت دولةُ لبنان الكبير، قبلَ اتّفاق الطائف وبعده. ونترّقبُ أن تَتِمَّ ترجمةُ الأجواءِ الإيجابيّةِ المنبعِثةِ من المشاوراتِ بين رئيس الحكومة المكلّف ورئيس الجمهوريّة بإعلانِ حكومةٍ جديدةٍ يُطِلّان بها على الشعب والعالم …

هذه العظة نُشرت على موقع البطريركيّة الأنطاكيّة السريانيّة المارونيّة، لقراءة المزيد إضغط هنا.

Previous
Previous

قداسة البابا فرنسيس: نحن عائلة واحدة لا يجب أن يغيب الطعام عن أحد

Next
Next

غبطة البطريرك ساكو يُمنح جائزة المطران الإيطالي الشّهيد لويجي بادوفيزي