انا لا أخاف اللّه...انا احبه
البروفسور ميشال عبس
الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط
مخافة اللّه مقولة متداولة بشكل واسع بين الناس، ومعممة على البشرية برمتها، وقد أصبحت صفة ايجابية يطلقونها على ذوي الصفات الحميدة الذين يحظون بثقة واحترام محيطهم ومجتمعهم.
كانسان مؤمن، تعمق في فهم الايمان الديني، في بعديه الماورائي والسلوك الاجتماعي، أجد ان في هذه المقولة فهم منقوص لخالق الكون ولدور الدين في الحياة الاجتماعية.
ان تتصرف في حياتك اليومية، في علاقتك مع الناس، في تعاملك معهم، على أساس الخوف من الرب الذي اعطاك كل شيء، انما هو امر يحتوي على اتهام للخالق، جل جلاله، وللمخلوق الذي يستلهم باري الخليقة.
ان تتصرف بخوف فهذا يعني أنك مخلوق قد فُطر على الشر، ولا يمكن ردعه عنه الا عبر اخافته من قوة عليا سوف تقتص منه وتعاقبه شر عقاب. كما يعني ذلك ان المخلوق لا يمكنه ائتمانه على أي شيء الا عبر التلويح له بالويل والثبور وعظائم الأمور. هذا يعني حكما ان الانسان كائن سيء وليس من سبيل للركون اليه.
من جهة أخرى، تعني هذه المقولة ان الخالق ذو قلب قاس، يهدد مخلوقاته بالعقاب بشكل مستمر، يرافق حياتهم اليومية. هذا يعني ان الكون بات محكمة مفتوحة، تمر فيها كل المخلوقات لكي تنال الثواب او العقاب، وان هناك رقابة مستمرة على بني البشر تضعهم في قفص الاتهام.
لا الخالق هكذا، ولا الانسان هكذا.
الخالق، معطي الحياة، هو الذي نمارس تجاهه فعل الشكر، لان الصلاة فعل شكر. هو شكر على كل شيء، على الحياة، على الصحة، على العقل، على النور، على الماء، على الهواء، على كل ما هو موجود في هذا الكون، الذي وضعه الخالق بتصرف المخلوق.
نشكر الخالق على ممارسته فعل الفداء عنا، وعلى غسل خطايانا بدمه الزكي. نشكره على التجسد، والتعليم، والعذاب، والصلب، والقيامة التي أعطت لبني البشر حياة جديدة. نشكره على العناية بنا، وتعهدنا، منذ زمن المجتمعات البدائية وصولا الى الحضارة التي ننعم بإنجازاتها اليوم.
اما المخلوق، فهو ليس شرير بالفطرة، بدليل ان الأطفال الصغار يُظهرون بعفوية تجاه بعضهم البعض، كما تجاه الناس عامة، محبة وتعاطفا رائعين. الانسان ليس مفطور على الشر، انما الشر هو من صنع بعض البشر الذي ضلوا سبل المحبة.
الانسان قادر على فعل الخير أكثر من فعل الشر، بدليل ان كل الاعمال الراقية التي قام بها، والمؤسسات الإنسانية التي أسسها، أتت على يد أناس يتمتعون بسوية عالية من الايثار، وهو أرقى شعور يمكن ان يصل اليه انسان. هو حكما من مفاعيل التمتع بمشاعر المحبة نحو الاخرين كما نحو المجتمع.
ما يقوم به هؤلاء ليس نابعا من خوفهم من اللّه، بل من محبتهم له، ومن امتنانهم على كل ما اعطاهم اياه، فهم يمارسون قول "اعطه مما اعطاكم". ما يقوم به هؤلاء الناس نابع من محبتهم للناس لانهم يحبون الخالق وليس لأنهم يخافونه، اذ قد استطاعوا بفضل بصيرتهم النابعة من ايمانهم التعرف الى الخالق عبر فعل المحبة الذي مارسه من اجلنا.
هؤلاء الناس هم خميرة الصلاح في المجتمع، اذ لا مجال عندهم للخوف من الخالق لان كل ما يقومون به منطلق من محبتهم له. هؤلاء الناس قدوة اثّرت في البشرية وهم في حالة ازدياد في العدد والدور والتأثير، رغم ان الشر ما زال يذر قرنه في حياتنا ومجتمعاتنا.
إذا كنت تقوم بما تقوم به انطلاقا من خوفك من الخالق، الذي قد تحمل صورة مشوهة عنه، فسيأتي ما تقوم به مشوها أيضا ولا يحمل الدفء الذي يحتاجه الناس. اما إذا كنت تنهج انطلاقا من محبتك للخالق ومن امتنانك لعطاياه، فلا بد ان تظهر هذه المحبة فيما صنعته يداك.
لا تخافوا اللّه...أحبوه!