أمّهات اخترن أن يكنزن لهنّ كنوزًا في السّماء
قدّيسات أمّهات سلكن طريق الحقّ، من هنّ؟
خاصّ: إعلام مجلس كنائس الشرق الأوسط
إسمها يحمل في معناه كلّ سرّ التدبير الخلاصي. هي والدة الإله، أمّ الله، أمّ يسوع والمسكونة أجمع. هي الّتي حملت في حياتها الصبر والتضحية والحنان والأمان. العذراء مريم الّتي تحمّلت الصعاب والمشقّات وأصبحت بمسيرتها المتوّجة بالقداسة مصدر نعمة ورجاء. هي ملكة السلام الّتي تميّزت بطاعتها وخضوعها لإرادة الربّ بتواضع وإيمان. وهي الأم المثاليّة، رمز التفاني والمعونة.
مريم العذراء تبقى المثال الأقدس لأمّهات كثيرات تعملن اليوم بجهد وصمت ومحبّة لإعالة عائلاتهنّ وتجسيد إيمانهنّ قولًا وفعلًا في تنشئة أولادهنّ وحمايتهنّ من مخاطر الحياة ومطبّاتها.
والكتاب المقدّس يدعو في صفحاته الإلهيّة جميع الأمّهات إلى التمسّك بتعاليم الكنيسة والتعمّق بها في حياتهنّ، مقدّمًا صفات الأمّ المثاليّة المسيحيّة. يصفها بمصدر التعزية "كَإِنْسَانٍ تُعَزِّيهِ أُمُّهُ هكَذَا أُعَزِّيكُمْ أَنَا" (إش 66: 13)، ومنبع الحنان والتضحية "بَلْ كُنَّا مُتَرَفِّقِينَ فِي وَسَطِكُمْ كَمَا تُرَبِّي الْمُرْضِعَةُ أَوْلاَدَهَا" (1 تس 2: 7). وكذلك الأم الّتي تقود أبنائها إلى النعمة الإلهيّة "وَلكِنَّهَا سَتَخْلُصُ بِوِلاَدَةِ الأَوْلاَدِ، إِنْ ثَبَتْنَ فِي الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْقَدَاسَةِ مَعَ التَّعَقُّلِ" (1 تي 2: 15).
وعلى خطى مريم العذراء، أمّهات اخترن أن "يكنزن لهنّ كنوزًا في السّماء" وأصبحن قدّيسات في سماء الربّ، فكلّلن حياتهنّ بمسيرة مُفعمة بالبركة والنعمة والنقاوة. في عيد الأمّهات، نستذكر بعض هذه القدّيسات اللّواتي كرّسن حياتهنّ للخدمة والطاعة والصلاة.
القدّيسة حنّة، زوجة يواكيم، جدّة المسيح ووالدة مريم العذراء، تقدّمت في السنّ وكانت عاقرًا، فحزنت كثيرًا خصوصًا وأنّ العُقم كان يعتُبر عارًا في تلك الحقبة. الّا أنّها تمسّكت بالرجاء وتابعت صلواتها المستمرّة حتّى استجاب الله لتوسّلاتها واختارها أن تكون أمًّا لوالدة الإله. القدّيسة حنّة حصدت على هذه النعمة تتويجًا لحياتها الّتي تميّزت بالفضائل والتقوى. ولمّا بلغت مريم العذراء الثالثة من عمرها، قام كلّ من حنّة ويواكيم بتقدمتها إلى هيكل الربّ. بعدها، أمضت حنّة حياتها في الصوم والصلاة وأعمال المحبّة والعطاء.
القدّيسة صوفيا عاشت في إيطاليا مع بناتها الثلاث إيمان ورجاء ومحبّة فكانت حياتهنّ متميّزة بالتقوى ومحبّة الربّ يسوع المسيح. وبعد انتقالهنّ إلى رومية، بشّرت صوفيا بإنجيل المسيح في أوساط الوثنيّين، فقبض عليها أدريانوس وعلى بناتها الثلاث وعذّب الفتيات أمام عيني أمّهنّ إلى أن قطع هاماتهنّ. الّا أنّ الأم الّتي كانت صابرة وصامدة مشجّعة بناتها ليثبتنّ، تركها أدريانوس فريسة للحسرة والعذاب، فأطلق سراحها، وبقيت تصلّي على ضريح بناتها ثلاث ليال وثلاثة أيّام إلى أن أسلمت الروح.
القدّيسة أليصابات، إبنة ملك المجر، زُوّجت وهي في الرابعة عشرة من عمرها لملك مقاطعة تورنغن الألمانيّة لويس الرابع ورُزقت منه ثلاثة أبناء. كانت حياتها مُفعمة بالصلاة والتأمّل وبنت على نفقتها مشفى واعتادت أن تهتمّ بمرضاها شخصيًّا وكذلك بكلّ المعوزين والمحتاجين. بعد وفاة زوحها وهي حامل بآخر أبنائها في العشرين من عمرها، قرّرت أن تعيش حياة تقشّف وفقر إنجيلي فدخلت رهبنة مار فرنسيس الثالثة للعلمانيّين. توفّيت في زهرة حياتها بعد مسيرة خدمة وعطاء وإنسانيّة.
القدّيسة دولاجى تُعتبر من أشهر قدّيسات الصعيد الأعلى الّتي أثبتت للعالم أنّ محبّة المسيح لا يُقاسمها أي من الماديّات أو الفانيات، فأصبحت شفيعة لهذه المدينة وللعالم أجمع. كانت أرملة ولها أربعة أولاد وهم صوروس وهرمان وأبانوفا وشنطاس وكانوا يعملون بالزراعة. عُرفت بغناها وكرمها في توزيع ما لديها على الفقراء سالكة حسب وصايا الكتاب المقدّس. كما يُطلق عليها إسم "باكورة شهداء إسنا" في الصعيد فهي الأم القبطيّة القويّة الّتي طلبت من الوالي أن يؤجل قطع رقبتها حتّى تتأكد أنّ أولادها نالوا إكليل الشهادة ولم يضعف أحد منهم.
القدّيسة زيلي مارتان، أمّ القدّيس تيريزا الطفل يسوع، تزوّجت من لويس مارتن ورزقهما الله تسعة أولاد توفّي أربعة في سنّ مبكرة. وقد تكرّست الفتيات الخمس الباقيات للربّ في الدير وهنّ ماري، بولين، تريز، وسيلين، في دير الكرمليّات الحافيات في ليزيو، وليوني في دير راهبات الزيارة الحبيسات في كان. وتكريس الفتيات الخمس لم يكن سوى نتيجة للحياة الروحيّة العميقة الّتي تميّزت بها عائلة القدّيسة زيلي مارتان.
وحياة القدّيسات الأمّهات الّتي تزيّن بستان الربّ ليست سوى دعوة لجميع الأمّهات كي يثابرن على صلواتهنّ ويشكّلن منارة إيمان ورجاء رغم كلّ تحدّيات الحياة. وفي عيد الأمّهات، نسألك يا ربّ أن تباركهنّ وتمنحهنّ الصحة والسلام والثبات لتتشئة أبنائهنّ بحسب تعاليم الكنيسة، تربية تليق بأبناء الملكوت، ويا ربّ ارحم جميع الأمّهات الراقدات على رجاء القيامة والحياة الأبديّة.